الاثنين 5 آب (أغسطس) 2013

المنطقة وتقلبات «الربيع والخريف»

بقلم:خميس بن حبيب التوبي
الاثنين 5 آب (أغسطس) 2013

بعد سنتين قالوا عنهما إنهما سنتا موسم “ربيعي” مزهر يانع، كفيلتان بجعل المنطقة تعشوشب بالديمقراطية، وتزهر بالحرية، وتينع بثمار العدالة الاجتماعية، وبنضرة المساواة، وإن ما جرى كان عبارة عن رياح تسبق كالعادة نزول الغيث إيذانًا بانطلاق موسم “الربيع”، ها هي الأيام تثبت عكس كل تلك التسميات والأوصاف التي أطلقها الغرب الامبريالي الاستعماري ومعهم من الموهومين من العرب الذين أطلقوها على حراكات “ربيعهم”، ويبدو أنه ليس في وسع الموهومين وغير القليل من العرب الانتباه أو حتى مجرد إمعان النظر ولو لحظة أن هذه الحراكات تم حقنها وتدجينها بحقن الغرب الامبريالي الاستعماري، حقن مغلفة بـ“الديمقراطية” و“الحرية” و“حقوق الإنسان” و“الدولة المدنية”، وأنها بدأت تتحول تدريجيًّا من “ربيع عربي” إلى مصطلحها الحقيقي الذي أطلقته القابلة العانس كونداليزا رايس وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش “الصغير”؛ لأن كل أبجديات تلك الحراكات التي أطلقوا عليها مسمى “الثورة” وضعها الحالي لا يشير من قريب أو بعيد إلى أنها كانت تهدف لبناء نظام سياسي بعقد اجتماعي يعكس كل التطلعات التي كان يطمح إليها المتحركون والمنزوون والمنتظرون، وما جرى في حقيقة الأمر أن المتحركين تحولوا إلى “فوضويين خلاقين”، والمنزوين والمنتظرين ركبوا حراكات المتحركين أو بالأحرى “فوضى” المتحركين، فكانت النتيجة “تركيب” فئة محددة كانت النظرة إليها من بعيد خيارًا لتحقيق مشاريع بالمنطقة، على أكتاف “المتحركين/ الفوضويين”، في إعادة إنتاج للأنظمة السابقة وإن اختلفت طريقة الإخراج وبعد وضع بعض المساحيق لإخفاء الصورة القبيحة.
فالمسار الذي سلكته الأنظمة المعاد إنتاجها أراد أن يأخذ الجميع معه في اتجاه واحد وفق رغبة “الراكبين” لـ “فوضى الحراكات” ويتساوق مع الغرب الامبريالي الذي تولى مسؤولية عملية التوجيه والتطعيم.
عملية السوق هذه لتلك الجموع دون تحقق ما كان معتملًا في القلب والعقل من إمكانية بلورة مشروع وطني ينهض بالدولة ومؤسساتها، ويحقق العدالة الاجتماعية ويقيم الدولة الديمقراطية الحقيقية، واستفراد “الراكبين للسلطة والمركَّبين عليها” بهذه السلطة وتغييب حقوق المتسببين/الفوضويين، وتغليب المصالح الفئوية على المصالح الوطنية، وتقديم البرامج الخاصة على البرامج الوطنية المشتركة، كشفت سريعًا ماهية هذه “الحراكات/ الفوضى” في مرحلتها المسماة بـ“الانتقالية”، ما أدى تاليًا إلى عملية مراجعة شاملة كان للجيش دور في تنظيمها وفي الوقت ذاته لا يزال هدفًا للتشويه والإرهاب.
إن إفرازات “الفوضى الخلاقة” تشير إلى ما هو أبعد من تصارع قوى على الأرض على السلطة وضرورة الشراكة الوطنية الجامعة لكل أطياف المجتمع، والتدخل الغربي الامبريالي الاستعماري لصالح طرف معين والاستماتة في الدفاع عنه، سلَّط المزيد من الضوء على حقيقة ما يراد من وراء مناصرته له وضرورة بقائه في السلطة، أن هناك مشروعًا غربيًّا يجري تنفيذه لإعادة رسم خريطة المنطقة يكون فيه كيان الاحتلال الصهيوني في مأمن من أي تهديدات، وشرطيًّا على المنطقة، وأن “الراكبين في السلطة” هم طرف أصيل في تنفيذ هذا المشروع الذي يبدأ بداية من داخل فلسطين المحتلة حيث تسير على قدم وساق المفاوضات بين الجانب الفلسطيني والمحتل الصهيوني بعد أن نجح عرَّابها جون كيري وزير الخارجية الأميركي في إرغام الفلسطينيين على قبول استئناف المفاوضات ووضع شروطهم تحت حذائه. وتسارع الأحداث اليوم جعل من الجانب الأميركي أن يسرع من تحركاته في تهيئة المسرح لإنجاح المفاوضات التي تتطلب تهيئة المحور المصري السوري اللبناني وهذا يتبين من خلال:
أولًا: إعلان جون كيري أن ما حدث في الـ30 من يونيو في مصر ليس انقلابًا عسكريًّا وإنما مطلب شعبي، وأن واشنطن ستعمل على إجراء مصالحة بين الأفرقاء المصريين، مع جولات مكوكية لموفدين أميركيين بينهم مساعد كيري وليم بيرنز، وتغيير الخارجية الأميركية للسفيرة آن باترسون. ومن خلال هذه المصالحة يبحث الأميركيون عن موقف مصري مساند لما يجري من مفاوضات بعدما أطيح بمشروعهم، لإقناع جميع الفلسطينيين بما ستتمخض عنه نتائج المفاوضات، وسط أنباء عن تطلع صهيو ـ أميركي إلى موافقة مصر على اقتطاع جزء من سيناء لتكون مع قطاع غزة وطنًا بديلًا.
ثانيًا: سوريًّا، قدم الأميركيون عربونًا لتهيئة مناخ المفاوضات الفلسطينية ـ الصهيونية، وذلك بإرغام ما يسمى “الائتلاف السوري المعارض” على الموافقة على قبول الذهاب إلى مؤتمر جنيف الثاني ودون شروط، مقابل ضمانات قدمها جون كيري لهم، على أن يكون هنا الدور الروسي متناغمًا مع الدور الأميركي من حيث تليين الموقف السوري وموقف المقاومة الفلسطينية في سوريا والمقاومة في لبنان من المفاوضات الجارية، لكن دمشق من المؤكد أن لها رأيها الخاص تحديدًا حول وضع الجولان السوري المحتل ـ إذا ما سارت التسوية على هذا الأساس ـ وأن القرار هو قرار الشعب الفلسطيني وما موقفها إلا موقف مساند له في قضيته العادلة.
ثالثًا: أما لبنانيًّا، فإن الحديث عن سلاح المقاومة اللبنانية، سواء من جانب الرئيس ميشال سليمان وأنه لا بد أن يكون في إطار الدولة وفق الاستراتيجية الدفاعية، أو النقد الموجه للسلاح من قبل النائب سعد الحريري، فعادة المسؤولون اللبنانيون وتحديدًا من فريق 14 آذار لا يصرحون بشيء إلا بعد ضوء أخضر من حلفائهم في الخارج، ومقتضى هذا الحديث ربما يحمل تطورات مستقبلية في إطار ترتيب الأوضاع لنجاح المفاوضات الفلسطينية ـ الصهيونية لضمان أمن كيان الاحتلال الصهيوني، بحيث يتم تحييد المقاومة اللبنانية وسلاحها وعزلها من خلال تسوية ما فيما يخص مزارع شبعا والأراضي الأخرى اللبنانية المحتلة. إذًا، الأيام القادمة حبلى بالأحداث والتطورات، لتدلل أكثر ما إذا كانت مناخات المنطقة “صيفًا حارًّا” أم “خريفًا”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165925

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165925 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010