السبت 10 آب (أغسطس) 2013

طرفان غير متعادلين

السبت 10 آب (أغسطس) 2013 par عوني صادق

في مقال سابق، قلت إن ما يطلق عليها “عملية السلام في الشرق الأوسط” ليست سوى “عملية نصب دولية” تديرها وتشرف عليها الولايات المتحدة الأمريكية، وتستهدف قتل قضية شعب وسرقة وطنه عبر مفاوضات أقل ما يقال فيها إنها عبثية . لكنها مفاوضات تمنح الوقت ل “إسرائيل” للاستيلاء على ما بقي من فلسطين، من دون أن تنسى أن تضعها تحت علم الأمم المتحدة لتلعب دور شاهد الزور في القضية .

فإذا سلمنا بوجود ما يسمى “الشرعية الدولية”، واعتبرنا (مجلس الأمن الدولي) محكمتها العليا، فإنه لا يمكن أن يسمى استمرار المفاوضات عشرين سنة في قضية أصدرت فيها هذه المحكمة، وعدد من محاكمها الفرعية الأخرى (الجمعية العامة ومحكمة العدل العليا في لاهاي) أحكامها أكثر من مرة من دون التوصل إلى أية نتائج، إلا أكذوبة!

يتأكد هذا الزعم، إذا عدنا إلى أية فترة جرت فيها هذه المفاوضات بعد حرب يونيو/حزيران ،1967 خصوصاً بعد توقيع (اتفاق أوسلو 1993)، هذا الاتفاق الذي أخرج القضية الفلسطينية عملياً من أروقة الأمم المتحدة، ووضعها بين يدي الولايات المتحدة الأمريكية . لكننا لن نبتعد كثيراً، بل سنتوقف عند “إنجاز” وزير الخارجية الأمريكية الأخير الذي نجح من خلاله بإعادة الطرفين الخصمين إلى الطاولة . وسنحاول أن نستنطق شاهداً “من أهلها”، لنرى كيف، ولماذا، وبأية دوافع وأية أهداف، عاد نتنياهو إلى طاولة المفاوضات، وذلك بعيون الصحافة “الإسرائيلية” والكتاب والمعلقين “الإسرائيليين” .

دائماً ردد نتنياهو ودعا إلى مفاوضات “دون شروط مسبقة”، ويشاع أنه قبل هذه المرة “شروطا مسبقة” . فهل هذا صحيح ؟ بعض الفلسطينيين رأى أن “أبرز ما يميز هذه المرحلة من التفاوض نقطتان أساسيتان، هما أن حدود 4 حزيران 1967هي المرجعية، وأن فترة التفاوض تتراوح بين 6- 9 أشهر فقط، أي أن لها جدولاً زمنياً محدوداً، وليست مفتوحة كما كانت في الماضي” . لكن افتتاحية صحيفة (القدس- 30-7-2013) تستدرك لتقول: “هناك إشكالات ومواقف تثور حول القضية، وتتعلق بالجانب “الإسرائيلي” الذي يعلن صراحة أنه لن يوقف الاستيطان ولن يتخلى عن القدس . كما أن المطالب “الإسرائيلية” المتعلقة بما يسمونه الأمن، تثير المخاوف والشكوك” .

والحقيقة أن “الإشكالات والمواقف” “الإسرائيلية” التي أشارت إليها الصحيفة المقدسية، وغيرها، لا تثير “المخاوف والشكوك” فقط، لكنها تكشف، مع غيرها، حقيقة هذه المفاوضات بوصفها مجرد أكذوبة، لأنها تظهر بجلاء أن الغرض منها ليس الوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين، بل كسب الوقت، وأشياء أخرى . وليس في هذا القول أي تجنٍ، فالشاهد من أهلها قال ذلك أيضاً!

في صحيفة (معاريف- 21/7/2013)، كتب بن درور يميني، تحت عنوان (سبق أن كنا في هذا الفيلم) يقول: “ نتنياهو وأبو مازن يدخلان هذه المسيرة فقط كي لا يظهرا في صورة الرافضين . . . وكلاهما غير مستعد لدفع الثمن اللازم لقاء التسوية . . . وينبغي الإيمان بالمعجزات من أجل التفكير بأن المسيرة، المتجددة للمرة الألف وواحد، ستؤدي إلى اختراق”!

أما مجلة (مباط عليا- 24/7/2013)، فنشرت مقالاً لجلعاد شير، جاء فيه: “على خلفية العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي، ينبغي الترحيب باستئناف الحوار بعد سنوات من الجمود السياسي”، ليقول بعد ذلك: “في الساحة الدولية، يتثبت فهم نزع الشرعية عن “إسرائيل”، ويترسخ الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية دون اتفاق . . .”،

شلومو بروم، في مقال له في (مباط عليا- 25/7/2013)، كتب حول دوافع العودة إلى المفاوضات يقول: “استئناف المفاوضات يتاح لأن الطرفين لم يكونا مستعدين لأن يتواجدا في حالة يتهمان فيها من الولايات المتحدة والأسرة الدولية بالرفض وإفشال استئناف المفاوضات” . ويضيف: “ويحتمل أن يكون أحد الأسباب التي أثرت في الطرف “الإسرائيلي” هو نظام إخراج المناطق المحتلة من الاتفاقات التي يوقع عليها الاتحاد الأوروبي مع “إسرائيل” . فقد خشيت “إسرائيل” من إمكانية توسع نزع الشرعية عنها نتيجة لصورتها الرافضة” .

وأيضاً في مقال ثالث نشرته (مباط عليا- 1/8/2013)، بقلم أمنون لورد، قال الكاتب عن “استئناف المسيرة السياسية”: “هذه ليست مسيرة تتطلع إلى إنجازات تاريخية، يمكن أن ننسى هذا”! إذاً إلى ماذا تتطلع هذه “المسيرة”؟ يقول لورد: “لا يوجد هدف قابل للتحقيق في المسيرة السياسية، الهدف هو التنسيق” . لماذا التنسيق؟ يقول لورد مضيفاً: “في واقع الأمر، إذا لم يكن ثمة أي تقدم حقيقي نحو التسوية، فإن هدفاً واحداً فقط تحقق: الأمريكيون يمنحون نوعاً من الحماية الدبلوماسية ل”إسرائيل” . المسيرة التي يقودها كيري تصد تدهوراً في مجال نزع الشرعية، والثمن الذي ستكون “إسرائيل” مطالبة بدفعه سيكون، كما هومعروف طفيفاً” .

ومع ملاحظة أن الحديث عن نتنياهو ومحمود عباس، وكأنهما ندان بالنسبة لبعضهما البعض، وكذلك بالنسبة لنظرة الإدارة الأمريكية إليهما، فيه من المبالغة والكذب الصريح ما يجعله مجرد محاولة فاشلة للحديث عن طرفين غير متعادلين بما يظهر المتحدث “موضوعياً”، إلا أن بروم رأى أن “الطرفين يقدران بأن الفجوات كبيرة جداً، ولهذا، من ناحية، كل واحد منهما لا يرى أي احتمال في أن يقبل الطرف الآخر اتفاقاً يناسب شروط الحد الأدنى لديه . عملياً، لقد جرا إلى المفاوضات التي لا يؤمنان بها”!

وإذا كان الأمر كذلك، بشهادة أهله، فلماذا المفاوضات، وهل يمكن أن توصف بغير أنها أكذوبة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165851

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165851 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010