شباب الأمة نصف الحاضر... وكل المستقبل

ان حضور هذا العدد الكبير من شباب الأمة إلى لبنان ، وفي هذه الظروف بالذات للمشاركة في الدورة الثالثة والعشرين لمخيم الشباب القومي العربي انما يأتي تأكيداً على شجاعة ليست غريبة عنكم، كما على تعلّق بلبنان، وكل ما يمثله هذا البلد من ميزات ويحمله من رسالة، وهو تعلّق لا يتعامل مع هذا البلد كفندق أو كملهى أو كمنتجع سياحي بل كوطن للتنوع والحرية والمقاومة وكإسهام ثقافي وفكري ساطع في نهضة الأمة وتقدمها.
كما ان حضوركم، فيما اللبنانيون يشيعون شهداء المجزرة الجديدة التي اصابت الضاحية الجنوبية هو مشاركة لذوي الشهداء، وللشعب اللبناني، العزاء كما هو صلاة من أجل ان يخرج هذا البلد الجميل، كما كل اقطار الأمة، من هذا العنف الدموي والدوار من بلد إلى آخر في محاولة حثيثة لتدمير اوطاننا ومجتمعاتنا، دولنا وجيوشنا، وحدة شعبنا وقيمه الانسانية.
بل ان انعقاد مخيمكم من جديد في هذه البقعة بالذات من الارض اللبنانية انما هو اعتزاز بمقاومة باسلة عرفتها هذه المنطقة منذ سنوات، إذ على بعد أمتار قليلة من هنا جرت احدى اكبر معارك الحرب الصهيونية على لبنان عام 1982، وفي بيادر العدس بالذات، حيث تصدى المقاتلون اللبنانيون والفلسطينيون والجيش العربي السوري لتقدم المدرعات الصهيونية للالتفاف من هنا على دمشق بهدف اسقاطها وقطع الطريق بينها وبين بيروت، وكلا الامرين ما زالا منذ اكثر من ثلاثين عاماً هدفين لتل أبيب ومن يقف وراءها من دول كبرى وقوى مرتبطة بها، هذه المقاومة التي شهدتها آنذاك معظم المناطق اللبنانية، وفي مقدمها العاصمة بيروت التي حاصرها العدو بالقصف الجوي والبري والبحري في مثل هذه الايام من عام 1982، على مدى 80 يوماً، ولم يستطع التوغل في احيائها وشوارعها إلا بعد خدعة شاركت فيها القوات المتعددة الجنسيات، وقوى محلية، في 14 ايلول/سبتمبر من العام نفسه، وكانت مجزرة صبرا وشاتيلا الشهيرة، لكن سرعان ما سحب العدو قواته من العاصمة بفعل ضربات المقاومين الابطال الذين كانوا ينتمون إلى معظم التيارات والاحزاب الوطنية والقومية والاسلامية ومعلنين ولادة مقاومة شعبية لبنانية مسلحة توّجها مجاهدو حزب الله بتحرير الارض عام 2000 وبردع العدوان عام 2006 في واحدة من أعظم الحروب التي شهدتها المنطقة في مثل هذه الايام أيضاً، والتي ما زالت عقدة الثأر منها، ومن كل من ساهم في وقوع هزيمة العدو فيها، متحكمة بالاستراتيجية الصهيونية والامريكية والغربية وبكل المرتبطين بهذه الاستراتيجية أو المراهنين عليها.
انكم بمجيئكم إلى هذا المخيم من معظم اقطار الوطن الكبير، بل ان بعضكم يأتي من دول تشارك للمرة الاولى منذ انطلاقة المخيم، وفي هذا المكان بالذات الذي انطلق مخيمكم السنوي عام 1990، انما تؤكدون على وحدة الأمة بكل مكوناتها وعلى عظمة التنوع الاجتماعي والعرقي والديني والمذهبي، وبكل الوان الطيف السياسي والعقائدي .
فاذا كان ممكناً ان يجتمع شباب عرب من كل اقطار الأمة في مكان واحد، وفي زمان واحد، فماذا يمنع ان تجتمع الأمة كلها، في كل زمان، وفي كل مكان من ارضها الفسيحة الممتدة من المحيط إلى الخليج.
قد يبدو ذلك حلماً، ولكن من قال ان الامم يمكن ان تحيا دون احلام، وان تتقدم دون احلام، بل ان تتحرر وتتوحد وتنتصر على اعدائها دون احلام، الم يكن الانتصار على عدو متفوق بعديده وعدته، وبكل المقاييس ، حلماً وقد حققه شباب الأمة في اكثر من قطر وكان بينهم بعض خريجي مخيماتكم ، ألم يكن تأميم قناة السويس حلماً للمصريين، وتأميم النفط تحت شعار نفط العرب للعرب، حلماً للعراقيين، ألم يكن انتصار ثورة الجزائر ومعها كل ثورات الاستقلال والتحرر من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق ، ومن شمال الوطن الكبير إلى أقاصي جنوبه حلماً، ألم يكن صمود سوريا منذ الاستقلال في اربعينيات القرن الماضي وحتى اليوم على ثوابت الأمة رغم الاحلاف والمشاريع والضغوط والحروب والفتن الاستعمارية حلماً وهو يتحقق اليوم بفضل وعي الشعب السوري وتضحيات ابنائه وجيشه وتمسكهم بوحدة وطنهم وموقعه وموقفه. الم يكن اسقاط بعض انظمة الاستبداد والفساد والتبعية حلماً وقد تحقق على يد شباب الأمة ومنهم من عاش في مخيماتكم القومية لعدة سنوات. كلها كانت أحلاماً تحققت بفضل تضحيات أبناء الأمة، وفي مقدمها الشباب الذين لا يستقيم الحديث عن مستقبل للامة دون الحديث عن دور الشباب في صوغ هذا المستقبل، خاصة ان الشباب كما قال القائد العربي الكبير هم نصف الحاضر وكل المستقبل.
ان هذه المعادلة الدقيقة التي وضعها رمز الحركة القومية العربية المعاصرة، جمال عبد الناصر، هي المدخل الاسلم لموضوع حديثنا اليوم حول مستقبل التيار القومي العربي وبين الشباب القومي العربي الذي يمثل مستقبل الأمة بأسرها .