الجمعة 23 آب (أغسطس) 2013

لا ثقة إلا بالممارسة

الجمعة 23 آب (أغسطس) 2013

الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العصر الحديث، أعني تلك التي اشتعلت أواخر عام 1987 وانتهت باتفاق أوسلو عام ،1993 فيها من الدروس ما يكفي لمناهج المراحل المدرسية والجامعية والدراسات العليا، وما يفيض أيضاً ليعم الحركات الثورية التي قد تنشأ بعد حين، إذ إن ما نشهده اليوم خليط من دين سياسي وأدعياء يسار ومثقفين مأجورين أو رواد صالونات ومرتدي ياقات بيضاء يخشون من اتساخها أكثر مما تهزّ مشاعرهم مجزرة ترتكب باسم الحرية .

أحد نشطاء الانتفاضة كتب في خواطره أنه، وقد كان خارجاً من السجن للتو، لم يجد الوقت الكافي للثقة بأحد يعاونه على توزيع بيانات القيادة الموحدة، فكان عليه أن يفعل ذلك وحده . كتب أن سنوات السجن والنوم على مقربة من أوكار الأفاعي لم تفت من عضده بقدر ما فعلت مشاهد بعض الفلسطينيين وهم يصافحون جنود الاحتلال لمجرد توقيع اتفاق أوسلو، في حين كان فلسطينيون آخرون يستشهدون برصاص الاحتلال على بعد أمتار .

أكثر ما آلمه أن سهرة ريفية شهدت نقاشاً حول الأمل أو الوهم بولادة دولة فلسطينية من رحم “أوسلو”، جعلت فلسطينياً بسيطاً يقفز من مكانه ليهم بالمغادرة، وحين سألوه عن السبب قال: كنت أعتقد أن الدولة آتية، فلم أستخرج بطاقة هوية للولد، سأذهب وأنام حتى أستيقظ مبكراً وأتوجّه ل “للإدارة المدنية” لاستخراج البطاقة من إدارة الاحتلال . كثيرون هم البسطاء الذين صدّقوا أن المفاوضات تنشئ دولاً وتحرّر شعوباً، فأصيبوا بالإحباط .

كتب أيضاً أن الكذب ليس مهنة بعض السياسيين والمثقفين فحسب . ويروي واقعة حدثت معه . في إحدى الليالي الماطرة في ديسمبر/كانون الثاني، كان عليه أن يضع بعض الملصقات الانتفاضية على الأعمدة الكهربائية وجدران الشوارع وأبواب المحلات المهجورة . حين همّ بتثبيت الملصق على باب دكان ملاصق لمنزل صاحبه، خرج صاحب المنزل غاضباً وبدأ يشتم . لم يترك شتيمة بذيئة إلا وتلفّظ بها وهو يتجه نحو الناشط الانتفاضي الذي أسرع الخطى مبتعداً حتى لا يمكّنه من الاقتراب منه فيكشفه .

رغم أنه كان ملثّماً بالكوفية، إلا أنه آثر أن لا يصطدم بالرجل، فتركه يواصل شتائمه وابتعد إلى مكان منزو فيه مقاعد حجرية . وهناك وجد شاباً معتكفاً يتسامر والليل . تبادلا معاً بعض الكلام، ثم قررا التوجّه إلى منزليهما المتجاوين، فكان لا بد من المرور قرب صاحب الدكان الذي كان لا يزال يواصل الشتائم .

اقترح الناشط الانتفاضي، وكأنه لا يعلم شيئاً، على رفيق الصدفة أن يذهبا لمعرفة سبب غضب الرجل، وعندما وصلاه سأله الناشط عن سبب صراخه في ذلك الوقت المتأخر من الليل، فأجاب الرجل “المتديّن” الذي يتحدّث عن الدين أكثر مما يتنفّس، أنه استيقظ من النوم ووجد “لصاً” يحاول “خلع” باب الدكان! . قال له الناشط: قد يكون في الأمر تهيؤات وأحلام، لكنّه رفض هذا التفسير . فقال له: قد يكون الفاعل ولداً صغيراً، فقال: أقسم بالله أنه أطول منك بأكثر من شبر . وعلى كل حال أنا أمسكت بأذنه وحذّرته من تكرار المحاولة . أشار لرفيقه بالمغادرة وقال له ناصحاً: إياك أن تحكم على أحد إلا من خلال الممارسة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 4 / 2178079

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178079 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40