الأحد 25 آب (أغسطس) 2013

مأساة أسرى فلسطين

الأحد 25 آب (أغسطس) 2013 par محمد خليفة

الهيمنة الصهيونية الغاشمة التي سيطرت على الأراضي الفلسطينية بعد هزيمة عام ،1948 هي تعبير صادق عن استمرارية الهجمة الاستعمارية التي انطلقت في القرن الثاني عشر، والتي تمثل عقلية تؤمن بالقوة لا بالعدل، وتعمل على طمس دور الإنسان وتجعله فاقداً لكل حول وطول في تقرير مصيره، كل ذلك يغرق الإنسان في لجج من الظلامية والتشاؤمية المتجهمة التي تعيد إلى الذاكرة أسطورة “سيزيفوس” وصراعه وصخرته، ذلك الصراع الذي يزعم بعبثية جهود الإنسان؛ فالإنسان الفلسطيني يصارع منذ أكثر من 60 عاماً، ليجد الحل لمعضلة ليس لها في نهاية المطاف أي حلٍ، وكأنه يسير في متاهة لها بداية، ولكنها بعد هذه العقود الطويلة من التيه تبدو بلا نهاية . وقد جسد هذا الموقف خير تجسيد المناضل الفلسطيني أحمد جبارة -عميد الأسرى الفلسطينيين -الملقب ب”مانديلا فلسطين” الذي توفى إثر نوبة قلبية أصابته يوم 16 يوليو/تموز 2013 وأنهت حياته في عامه الثامن والسبعين بعدما أمضى قرابة 28 منها في سجون الاحتلال “الإسرائيلي” .

إن وفاة هذا الجبل الشامخ تثير تساؤلاً عن مصير أكثر من 10 آلاف أسير فلسطيني في السجون والمعتقلات “الإسرائيلية”، اعتقلوا من دون محاكمات، أو بموجب محاكمات صورية، وبما يخالف شرعة حقوق الإنسان، واتفاقية جنيف بخصوص أسرى الحرب .

وكانت “إسرائيل” قد أنشأت بعد عدوان الخامس من يونيو/حزيران 1967 الكثير من السجون والمعتقلات أهمها، سجن غزة المركزي، سجن بئر السبع المركزي، سجن عسقلان المركزي، سجن الرملة، سجن كفار يونا، سجن بيت ليد، معتقل أنصار، معتقل أنصار،2 معتقل أنصار،3 سجن تلمود، سجن نفحة، سجن الدامون، سجن الخيام، وهناك سجون غير معلومة تستخدمها “إسرائيل” لمن تريد إنهاء حياته من المعتقلين .

وجميع الأسرى الفلسطينيين في هذه السجون والمعتقلات اعتقلوا في عمليات مقاومة ضد الاحتلال “الإسرائيلي” بعد عام 1967 . أي أنهم يخضعون لنصوص اتفاقية جنيف الخاصة بأسرى الحرب، والتي توجب أن يعاملوا معاملة إنسانية لائقة، وألا يتعرضوا للتعذيب، أو الإيذاء الجسدي، وأن يتم إطلاق سراحهم بعد انتهاء الحرب . لكن “إسرائيل” لا تطبق هذه الاتفاقية على من لديها من الأسرى الفلسطينيين الذين ينتمي معظمهم إلى الضفة وغزة، بل تطبق عليهم ما يسمى “قوانين مكافحة الإرهاب”؛ حيث تعتبر هؤلاء مخربين رغم أنهم ينتمون لأرض محتلة، هي الضفة الغربية وغزة سابقاً . وهي انطلاقاً من ذلك تقوم بمحاكمتهم، محاكمات تفتقر لأدنى معايير العدالة، وتصدر أحكاما جائرة بالسجن المؤبد ضدهم، ومن هؤلاء الأسرى من حُكِم عليه بأكثر من حكم بالمؤبد .

إن هذه الأحكام تُعد أحكاماً غير قانونية، تفتقد أدنى مبادئ الشرعية؛ لأنها تتعارض مع اتفاقية دولية تعتبر “إسرائيل” طرفاً فيها . ولنا أن نتساءل هنا متى احترم هذا الكيان أي اتفاقية أو شرعية؟ . إن مخالفة “إسرائيل”، وهي دولة عضو في هيئة الأمم المتحدة، نصوص اتفاقيات دولية، هو أمر يستوجب محاسبتها ومحاكمتها عليه، فطالما أنها ارتضت أن تكون جزءاً من المجتمع الدولي، فيجب عليها أن تحترم الاتفاقيات والشرائع الدولية لا أن تضرب بها عرض الحائط من دون أي اكتراث .

إن الدول الغربية التي شكلت هيئة الأمم المتحدة ووضعت قوانينها وشرائعها تصم أذنيها وتغمض عينيها عن تصرفات “إسرائيل”، فلا تحرك ساكناً تجاه الجرائم التي تقترفها الحكومة “الإسرائيلية” والجيش “الإسرائيلي” بحق الشعب الفلسطيني . بينما نرى هذه الدول تجيش الجيوش، وتعلن الحروب لمجرد علمها بأن حكومة في دولة معينة استخدمت العنف ضد مواطنيها، كما حدث في يوغسلافيا السابقة التي تم تدميرها وقتل مئات الآلاف من شعبها من دون أي وازع من ضمير . إن سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها القوى الغربية تجاه قضية فلسطين ستؤدي إلى زيادة نفور وكره العرب للغرب، فكيف يمكن احتمال كل هذا الحيف المرتكب بحق الشعب الفلسطيني، وكيف يمكن أن تبرر الدول الغربية محاباتها ل”إسرائيل” التي تخالف القوانين والشرائع الدولية؟

إن ظلم “إسرائيل” بلغ حداً غير مسبوق في تاريخ الإنسانية، فلم يحدث أن تعرض شعب بأكمله لمثل هذا الظلم مثل الشعب الفلسطيني . ولعل من المحزن أن يرى العرب كيف أن “إسرائيل” ترسخ وجودها واستقرارها في المنطقة، في الوقت الذي تتراجع فيه قضية فلسطين، ولا يملك العرب من خيار سوى الذهاب إلى عملية تفاوضية بائسة لن ينتج عنها شيء .

إن من يعتقد بأن “إسرائيل” ستعمل- وهي مختارة- على إنشاء دولة فلسطينية في الضفة وغزة- وحتى لو كانت منزوعة السلاح- هو واهم؛ فالقائمون على المشروع الصهيوني لن يقبلوا إلا بدولة واحدة هي “إسرائيل”، يمتد سلطانها على كامل فلسطين كمرحلة أولى، ومن ثم تتوسع حسب الحاجة . أما استئناف المفاوضات التي بدأت في واشنطن بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”، فلن تؤدي إلى نتيجة، وعلى الفلسطينيين أن يتخلوا عن ذلك الوهم الخادع بأن الدول الغربية قادرة على لعب دور الوسيط في النزاع في الشرق الأوسط . إنها ليست وسيطاً، بل هي شريك كامل في سياسة “إسرائيل” . أما البدء في الإفراج عن 104 أسرى فلسطينيين الذين اعتقلوا قبل إنشاء السلطة الفلسطينية منذ عام 1994 فليس إلا ذراً للرماد في العيون لحرف الأنظار عن قضية المطالبة بالإفراج عن عشرة آلاف معتقل، فهؤلاء المُفرج عنهم قد قضوا في السجون أكثر من ربع قرن وقد انتفت محكوميتهم المقررة في القانون “الإسرائيلي” .

إن من الخطأ الفادح أن تبقى “إسرائيل” بعيدة عن الملاحقة الجنائية لدى محكمة الجنايات الدولية، لأن بقاءها بعيدة عن الملاحقة يزيد من تمردها ومن تعاليها على الشرائع الدولية، لقد اجتمع العالم في الحرب العالمية الثانية لمحاربة النازية . واليوم ينبغي أن يجتمع العالم لا ليحارب إسرائيل، بل ليعمل على إخضاعها لقوانين الأمم المتحدة، ولتعرف هذه الدولة أنها ليست سيدة العالم . بل عليها أن تدفع ثمن كل جناياتها وفي مقدمتها جناية اعتقال كل هذا العدد من الشعب الفلسطيني، الذي كانت جنايته الوحيدة هي الدفاع عن حقه في الحياة الكريمة، على أرضه التي وُلد فيها، وورثها عن أجداده، ثم جاء السجان القبيح ليحتل أرضه، ويساومه على كرامته وحريته، فهل يقبل هذا حر ذو مروءة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165450

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165450 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010