الأحد 25 آب (أغسطس) 2013

المصالحة واستحقاق 14 أُغسطس

الأحد 25 آب (أغسطس) 2013 par د. فايز رشيد

مرّ تاريخ الرابع عشر من أغسطس ـ آب, المفترض فيه وفقًا لاتفاق فتح وحماس أن يكون: موعدًا أخيرًا لتشكيل حكومة وفاق وطني, وتحديد مواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية. مرّ دون تنفيذ أيٍّ من استحقاقاته. العكس من ذلك مرّ في ظروف تسهم في زيادة الانقسام وتعميقه وتعقيده, فمن ناحية تقف حركة حماس (باعتبارها فرعًا من فروع الإخوان المسلمين) مع مطالب الإخوان بعودة مرسي, واعتبارهم لما جرى في مصر, انقلابًا باطلًا, هذا في الوقت الذي تقف فيه السلطة وفتح مع التغييرات المصرية وإسقاط حكم الإخوان.
من ناحية أخرى فقد عادت المفاوضات بين السلطة وإسرائيل وبإشراف أميركي منفرد, بعيدًا عن أية مرجعية, وفي ظل تكثيف الاستيطان الإسرائيلي بشكل لم يسبق له مثيل, وفي ظل تزايد احتمالات بناء كنيس يهودي على جزءٍ من المسجد الأقصى، وهذا ما حذرت منه: مؤسسة الأقصى للوقف والتراث في مدينة القدس المحتلة, وفي بيانها الأخير الصادر عنها.
هذه الأحداث عمليًّا, إضافة إلى تكليف عباس للحمدالله بإعادة تشكيل الحكومة, وكذلك تصريحات من قبل جماعات في الحركتين، تتهم الطرف الآخر بوضع عراقيل جديدة في وجه تحقيق المصالحة, وفي الاعتداء على أعضائها واعتقال الكثيرين منهم، وتصريحات واضحة تصدرها تلك الجماعات وفحواها, إنه لا جدوى للمصالحة، ويمكن إجراء الانتخابات في ظل الانقسام, وإمكانية اعتبار غزة إقليمًا متمردًا, وغيرها مما تصب الزيت على النار وتزيدها اشتعالًا. الحصيلة هي: الاستمرار في تراجع المشروع الوطني الفلسطيني وعموم القضية على سلّم الخطوتين الخاطئتين بامتياز، حيث تقف حماس في صف الإخوان ولم تنتبه إلى ضرورة وجود خصوصيتها الفلسطينية, وامتلاك أفضل العلاقات مع كافة الأطراف المصرية, وحيث أقرّت حركة فتح بصوابية عودة السلطة إلى المفاوضات, رغم الابتزازات الصهيونية, إن باعتبار المفاوضات غطاءً للاستيطان, أو مطالبة الفلسطينيين من قبل نتنياهو (كما صرّح مؤخرًا) بالاعتراف الصريح والعلني والواضح “بيهودية دولة إسرائيل”!
الخطوتان أعادتا هذه المصالحة إلى دائرة الاستحالة, إضافة إلى افتقاد أي آمال مستقبلية تراهن على إمكانية تجاوز الانقسام, وبصراحة أكبر تعتبران دليلًا واضحًا على افتقاد النوايا والإرادة لدى الطرفين منذ الأساس للعودة إلى الوحدة الوطنية, باعتبارها ضرورة ملحة وشرطًا لا بد من تحقيقه في مرحلة الكفاح والتحرر الوطني التي تمر بها القضية الفلسطينية, لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس. نعم لم يكن هذا الهدف بعيدًا عن التحقيق كما هو عليه الآن, وبخاصة أن السلطة المستندة في وجودها إلى حركة فتح حددت خيارها بالمفاوضات نهجًا وحيدًا لتحقيق المصالح والأهداف الوطنية الفلسطينية, بعيدًا عن المقاومة المشروعة بكل أشكالها ووسائلها, ولم تكتفِ باستبعاد الكفاح المسلح فقط, وإنما حتى المقاومة الشعبية فقد خفت المناداة بها.
على صعيد آخر, فالوضع في غزة ليس أفضل حالًا: حماس تعقد هدنة طويلة مع إسرائيل بعد عدوان 2012 والضغط المصري في عهد الإخوان وبتدخل شخصي من الرئيس المعزول محمد مرسي على حماس بقبول هذه الهدنة. ليس ذلك فقط وإنما تقوم حركة حماس بملاحقة أعضاء الفصائل الأخرى (وبخاصة حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية) ممن ينوون, أو قاموا بتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل واعتقالهم. نعم سوء أحوال الأوضاع الفلسطينية وصل إلى هذه الحدود!
من ناحية آخرى, فإن العدو الصهيوني ماضٍ في تحقيق مخططاته التي ستحول وقائع قائمة على الأرض, دون الالتفات لا إلى الوضع الفلسطيني المنقسم على نفسه, ولا إلى الوضع العربي المشغول للأسف بصراعاته الداخلية ونزاعاته المحلية. هذا الوضع برمته يدعو إلى الإحباط واليأس، وهذا ما تحاول إسرائيل وحلفاؤها زرعه في أذهان الفلسطينيين والعرب, لتثبيت مفاهيم مثل: لا جدوى المقاومة والقبول بالحلول الإسرائيلية للتسوية بكل تعنتها ورفضها للحقوق الوطنية الفلسطينية. للأسف الانقسام الفلسطيني يصب بشكل مباشر وآخر غير مباشر في مجرى هذا الهدف الصهيو ـ أميركي. رغم ذلك فإن حركتي حماس وفتح لا تتعظان مما يسهم في تعقيد صورة النضال الفلسطيني وإلقاء ملامح قاتمة على مسيرته.
لكن شعبنا المعطاء الذي واجه ظروفًا كثيرة صعبة في تاريخ كفاحه الوطني, وكان يتجاوز في كل مرة قياداته: لن ييأس ولن يُحبط وسيظل أصيلًا يقدم التضحيات في سبيل إنجاز حقوقه الوطنية, غير أنه من المؤسف: أن كثيرًا من قياداته, إمّا لا تدرك أين تكون مصالح شعبها وهذه مصيبة، وإما تدرك الوقائع وتمارس عكسها وفي هذه الحالة المصيبة أعظم. صحيح أن أمتنا العربية تمر أيضًا في ظروف صعبة لكنها وبتاريخها النضالي كانت تعتبر فلسطين قضيتها المركزية, وبرغم كل الصعوبات فإن أمتنا العربية كما هو شعبنا سيظلان يحملان مشعل القضية الفلسطينية حتى تحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية والأهداف الوطنية العربية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2180630

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2180630 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40