الأحد 1 أيلول (سبتمبر) 2013

إعلام السم والعسل

الأحد 1 أيلول (سبتمبر) 2013 par أمجد عرار

أواخر عام 1984 عقدت في العاصمة الأردنية الدورة السابعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني قاطعتها الغالبية الساحقة من الفصائل الفلسطينية، وحدث حينها أن تعزز الانقسام الفلسطيني الذي كانت بدايته دامية قبل عامين من ذلك الوقت إثر خروج مقاتلي الثورة الفلسطينية وعدد من قياداتها من لبنان، في مشهد وصفه رونالد ريغان، الرئيس الأمريكي في حينه، أنه أروع مشهد رآه في حياته . على وقع ذلك الانقسام، خرجت تظاهرات معارضة لجلسة المجلس الوطني، وأخرى مؤيدة . وفي إحدى التظاهرات المعارضة، سقط جرحى برصاص الاحتلال، لكن معظم وسائل الإعلام وصفت التظاهرة بأنها مؤيدة .

في زيارة لأحد الجرحى في المستشفى تساءل عن سبب لجوء هذه الوسائل الإعلامية للكذب وسرقة دمه ومعاناته في غير الهدف الذي خرج لأجله ضد الاحتلال، وتوظّف آلامه لغاية هي تريدها ولم تبذل هي والقائمون عليها ما ينبغي أن يبذله حملة المبادئ . لو استشهد ذلك الشاب لزرعوا في نواياه من نواياهم، ولفكّروا بالنيابة عنه، ولقوّلوه ما لم يقله .

الناس من دون إعلام معزولون عن العالم، وكان من الممكن أن تكون وسائل الإعلام لنقل ما يجري في أية منطقة إلى بقية مناطق العالم، وهذا من شأنه أن ينشئ رابطاً إنسانياً بين البشر في كل مكان قائماً على أساس نقل حقيقة الأحداث . لكن هذا الأساس المفترض لرسالة وسائل الإعلام بقي في الإطار النظري على نطاق واسع، مع ملاحظة أن هناك من وسائل الإعلام العربية من لا يزال ممسكاً بزمام الحقيقة وملتزماً المنطلقات والثوابت القومية ومصالح الأمة، رغم أن الحفاظ على هذه الثوابت ليس مهمة سهلة في هذا الزمن الضاغط على رقاب العباد وعقولهم وأفئدتهم، والأنكى أن هذا التسميم للإنسان يجري باسم حقوق الإنسان، زاعماً أنه ناطق باسم حريته والدفاع عن مصالحه .

الإنسان من حقه أن يعرف حقيقة الأحداث بموضوعية ومن دون تدخّل وإدخال، لا السم في العسل ولا العسل في السم . الإنسان من حقه ألا يفكّر هذا المذيع أو معد البرامج بالإنابة عنه، وألا يكذب عليه أحد لاستخدامه على نحو قطيعي كلبنة في جسر للكذب تمر عليه المؤامرات . الإنسان العربي، على نحو خاص ولا أقول على نحو حصري، من حقه أن يطالب وسائل الإعلام ألا تقدم له وجبات متتالية من الأطعمة السياسية المسمومة والشرعنة القذرة للفتنة والقتل على الهوية، وتحويل الدماء إلى ماء عبر فتاوى مأجورة ومقولبة لتحقيق أهداف سياسية .

الإنسان من حقّه أن تبقى أذناه نظيفتين لا تلوّثهما حفلات الهرج والمرج والردح السياسي والبذاءات والشتائم والألفاظ السوقية، خدمة لمشروع التفتيت والشرذمة وإدخال أبناء الشعب العربي في اشتباك داخلي دام وحروب أهلية، لا غاية لها إلا إبقاء “إسرائيل” واضعة ساقاً على ساق، تتفرّج وتضحك وتسخر من أمة مستعبدة ويسعى بعضها لاستعباد البعض الآخر .

الإنسان العربي من حقه ألا يرى “إسرائيل” باعتبارها في العائلة العربية تحتل خارطة فلسطين ويظهر الصهاينة القتلة على شاشات العرب بوصفهم رأياً آخر أو طرفاً محاوراً . والإعلام الذي يريده المواطن العربي، ذاك الذي يبني ولا يهدم، ولا يسخّر نفسه كأداة لتعكير صفو الأمان في الشوارع العربية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2180873

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2180873 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40