السبت 7 أيلول (سبتمبر) 2013

ماذا في اليوم «التالي»؟

السبت 7 أيلول (سبتمبر) 2013 par د. عصام نعمان

يتساءل سياسيون ومحللون ومعلّقون وإعلاميون عمّا سيكون وضع كلٍ من النظام السوري والمعارضة السورية المسلحة في “اليوم التالي” للضربة العسكرية الأمريكية . لكن قلّة قليلة من هؤلاء تساءلت عمّا سيكون وضع الشعب السوري في “اليوم التالي” للضربة .

للنظام السوري كما المعارضة السورية المسلحة حلفاء إقليميون ودوليون . لكن لا حليف جدياً للشعب السوري في معاناته الإنسانية والاجتماعية ولا في مواجهته الصعبة لتداعيات حرب الاستنزاف التي يعانيها منذ أكثر من 30 شهراً .

صحيح أن أوساطاً من الشعب العربي في مختلف أقطار الوطن الكبير، كما مجاميع من هيئات ومؤسسات المجتمع المدني العربي، تنصر الشعب السوري في محنته، لكن نصرة هؤلاء تنطوي على الكثير من الدعم المعنوي والقليل من الدعم المادي .

يمكن القول إن الشعب السوري متروك لقدره عدا القليل الذي تقدمه الوكالات المختصة التابعة للأمم المتحدة، والأقل الذي تقدمه مؤسسات وجمعيات أهلية إنسانية عربية وغير عربية، وأخيراً ما تتسامح بشأنه دول أوروبية لجهة قبول لاجئين سوريين في ديارها .

إن مسألة سيناريو “اليوم التالي” ليست مسألة إنسانية أو اجتماعية فقط بل هي مسألة سياسية أيضاً . ذلك أن أوضاعاً وتداعيات سياسية وديموغرافية ستنشأ عن الضربة المفترضة والوضع المستجد الذي يستفيد منه أحد طرفي الصراع أكثر من الطرف الآخر، في وقت يبدو واضحاً أن كليهما لا يملك، على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، الموارد والوسائل اللازمة لمواجهة التداعيات والتحديات المستجدة .

إن نظرة سريعة إلى حال الشعب السوري في زمن الحرب يمكن أن تعطي المعنيين والمهتمين فكرةً عمّا ينتظر السوريين والأقطار المجاورة من تداعيات وذيول وأخطار ومآسٍ بعد الضربة المفترضة .

جاء في تقرير لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن عدد اللاجئين السوريين إلى الدول المجاورة تجاوز عتبة المليونين، وأن عدد النازحين واللاجئين داخل سوريا نفسها تجاوز الستة ملايين .

يتوزع اللاجئون خارج سوريا على النحو الآتي: 716 ألفاً في لبنان، 515 ألفاً في الأردن، 460 ألفاً في تركيا، 168 ألفاً في العراق، 110 الآف في مصر . بين هؤلاء اللاجئين، يشكّل الأولاد الذين تراوح أعمارهم بين 19 عاماً أو أقل نحو 52 في المئة .

إلى ذلك، يخلص التقرير إلى التأكيد بأن الهيئات الإنسانية المهتمة بإيواء اللاجئين السوريين في لبنان وإغاثتهم لم تتسلم سوى 47 في المئة من الأموال المطلوبة لتلبية الحاجات الإنسانية لهؤلاء وذلك لغاية 27 أغسطس/آب الماضي .

هذه فكرة عن الوضع الإنساني والاجتماعي عشية الضربة العسكرية المفترضة . أليس من المنتظر أن يصبح الوضع أكثر مأساوية بعد الضربة نتيجةَ تدفق مزيد من النازحين داخل سوريا ومن اللاجئين إلى خارجها؟

لعل في التحذير الذي أطلقه المفوض السامي للأمم المتحدة للاجئين انطونيو غوتيريس ما يستنفر أصحاب الضمائر الحية . قال غوتيريس: “إن سوريا صارت المأساة الكبرى في عصرنا، كارثة إنسانية صادمة مع ما يواكبها من عمليات تهجير لم يشهدها التاريخ الحديث، ذلك أن معظم من يفرون لا يملكون أكثر من الملابس التي يرتدونها” .

كذلك يمكن أن تعطي السويد والمانيا فكرة عمّا سيحدث بعد أن يحطّ غبار الضربة العسكرية المفترضة .

المجلس السويدي للهجرة قرر مطلعَ الأسبوع الجاري منح اللاجئين السوريين حق اللجوء الدائم . كان نحو 14700 لاجئ سوري قد قدموا إلى السويد منذ سنة 2012 واستفاد بعضهم من حق الإقامة المؤقتة . الآن سيكون في وسعهم البقاء في السويد ما شاؤوا .

حكومة المانيا قررت أيضاً استقبال خمسة الآف لاجىء سوري إضافي يعانون أوضاعاً صعبة في لبنان وذلك بصفة مؤقتة . هؤلاء صُنّفوا “ذوي حاجات خاصة” وسيخضعون لبرنامج تدريب وتوجيه قبل توزيعهم في أنحاء مختلفة من ألمانيا . وكان 13 ألف لاجئ سوري لجأوا إلى ألمانيا منذ سنة 2012 .

لوحظ أن القسم الأكبر من اللاجئين السوريين الذين يقصدون الدول الإسكندينافية (السويد، النرويج، الدنمارك، فنلندا) مسيحيون . وكان تردد في أوساط سياسية مؤيدة للمعارضة السورية في باريس أن ثمة سياسة لدى دول أوروبا الغربية التي تشكو من تدن في نسبة الولادة تقضي بقبول لاجئين مسيحيين من العراق وسوريا بدعوى أنهم أكثر قابلية من المسلمين للتأقلم والتجانس مع البيئة الأوروبية .

إذا ثبتت هذه المعلومة، فمعنى ذلك أن دولاً أوروبية عدة تدرك سلفاً أن الضربة العسكرية لسوريا شبه مؤكدة، وأنها ستسفيد من ذيولها باستقبال “أصناف” معينة من اللاجئين وتمنحهم حق الإقامة الدائمة تمهيداً لتجنيسهم وجعلهم مواطنين . . .

كيف يمكن مواجهة نكبة سوريا، بل نكبة العرب، المتفاقمة؟

لعل العلاج الأفعل هو تفادي وقوع الضربة العسكرية المفترضة . اللاعبون الكبار، الدوليون والاقليميون، هم الأقدر على وعي مخاطر الضربة وتداعياتها الكارثية، وهم بالتالي الاولى بإجراء ما يلزم لتفادي اللجوء إليها .

غير أن إخفاق هؤلاء جميعاً في تفاديها، ولاسيما المشاركين منهم فعلياً في الحرب الأوسع التي ستتولد عنها، لا يعفيهم من مسؤولية تحمّل القسط الاكبر من تكلفة اغاثة ضحاياها ورعايتهم والتعويض عليهم وإعادة إعمار وإنماء كل الدول المتضررة منها .

إلى ذلك، يقتضي أن تدعو الأمم المتحدة بالسرعة الممكنة إلى عقد مؤتمر دولي خاص بسوريا والدول المتضررة من حربها الداخلية وذيولها الخارجية من أجل التوافق على أسس تقديم أسباب العون والدعم والإغاثة والرعاية للاجئين والنازحين وجميع السكان المتضررين، وكذلك لتأمين الموارد اللازمة لبرامج التعمير والإعمار والإنماء التي تتطلبها الدول المتضررة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2166097

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166097 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010