الأحد 8 أيلول (سبتمبر) 2013

حول القرار الذي سيتخذه الكونجرس

الأحد 8 أيلول (سبتمبر) 2013 par د. فايز رشيد

إحالة أوباما القرار بضرب سوريا إلى الكونجرس الأميركي بدا كنوع من التراجع للرئيس لكنه ليس التراجع الكامل.معروف أن الكونغرس المؤلف من مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، ومجلس الشيوخ الذي يقوده الديمقراطيون. معروف أيضا: أن الكونجرس لم يستطع اتخاذ القرارات الحاسمة حول المواضيع المهمة منذ عام 2010 حتى هذه اللحظة. معروف أيضًا أن ضرب سوريا يثير انقسامًا بين أعضاء المجلسين، ففي الوقت الذي يؤيد فيه غالبية النواب والشيوخ الجمهوريين توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، فإن الديمقراطيين منقسمون وتقريبًا بالتساوي حول هذا الأمر. في النقاشات الأولية للأمر فإن لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ اتخذت قرارا بتفويض أوباما بأغلبية 9 أصوات ضد 7. في كل الحالات لم يستغل أوباما الإمكانية الدستورية المعطاة إليه بالقيام بالضربة دون العودة إلى الكونجرس، بل آثر تحويل القرار النهائي إليه وذلك لأسباب عديدة أبرزها:
أوباما أدرك تمامًا أنه: يستطيع بدء الحرب، لكنه لن يستطيع إنهاءها، فالتداعيات كثيرة وكبيرة منها: إمكانية رد سوريا وتوجيه صواريخها إلى الحليف الإسرائيلي. أيضًا فإن حليفي سوريا القويين: إيران وحزب الله لن يقفا مكتوفي الأيدي، والاحتمال كبير أن يرد حزب الله، وأن تقوم إيران بضرب القواعد الأميركية في منطقة الخليج والقيام بإغلاق مضيق هرمز أمام إمدادات النفط وهذا ما لن تحتمله الدول الغربية ولا الولايات المتحدة، الأمر الذي سيوسع من رقعة الحرب، فهي بالنسبة لسوريا معركة كسر عظم ومسألة حياة أو موت. أوباما والحالة هذه لا يريد تحمل مسؤولية الحرب وحيدًا، بل يريد غطاءً من الكونجرس.
السبب الثاني: أن هذه الحرب إن وقعت، فهي تأتي دون غطاء من مجلس الأمن بسبب من الفيتو المحتمل من روسيا والصين حين مناقشة الموضوع في المجلس.
السبب الثالث: هو أن مجلس العموم البريطاني منع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون من المشاركة في العدوان العسكري على سوريا. بريطانيا هي الحليف الأوروبي الأول بالنسبة للولايات المتحدة وللرئيس أوباما.
السبب الرابع: هو قيام حركات واحتجاجات شعبية أوروبية وعالمية وحتى أميركية على الضربة والدخول في حرب جديدة.
من الأسباب غير المباشرة أيضًا: ما عانته وتعانيه الولايات المتحدة نتيجة حربيها على العراق وأفغانستان، الأمر الذي أدى إلى أزمة اقتصادية ـ مالية أميركية ما زال يعاني منها الاقتصاد حتى اليوم. هذا بالإضافة إلى الاقتطاعات المالية التي تقوم بها الإدارة الأميركية من ميزانية كل من التعليم والطبابة والضمان الاجتماعي وغيرها من القضايا الداخلية كارتفاع نسبة البطالة والعجز في الميزانية العامة. كل هذه الأسباب وقفت عائقًا أمام أوباما وإمكانية اتخاذه قرار الحرب منفردًا.
من ناحية ثانية، فإن أوباما يتعرض خلال هذه الفترة إلى حملة إعلامية أميركية واتهامات وأوصاف عديدة مثل: “العملاق الجريح” والوصف بـ“الجبان” وغيرها من المواقف، التي تنتقد لجوءه إلى الكونجرس وعدم القيام بالضربة مباشرة بعد تهديداته. من ناحية أخرى فمع مرور الأيام فإن الحماس للضربة يتآكل يومًا بعد يوم وتخف حدته، فمثلًا فإن بعض النواب الديمقراطيين وبضمنهم أعضاء في كتلة السود بالكونجرس باتوا يتشككون في جدوى التدخل في سوريا، وقاموا بتوقيع وثيقة يعبرون فيها عن قلقهم من الانزلاق إلى “حرب غير حكيمة”. أيضًا فإن التشكيك في إمكانية قيام الكونجرس بإعطاء الضوء الأخضر للرئيس للقيام بضربته العسكرية إلى سوريا, قائم، وبدأ يتزايد يومًا بعد يوم، فالسيناتور الأميركي بوب كوركر من ولاية تينيسي يعتقد: “أن التصويت لصالح الضربة قد تكون معضلة”. أما جون الترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فقد صرّح: “أن قرار إشراك الكونجرس في حين لم يتحقق قدر كبير من النجاح في العمل مع الكونجرس يبدو لي بمثابة مغامرة”. وأضاف: “حاول الرئيس ووزير الخارجية إظهار إصرارهما، ولكن السؤال هو: ماذا سيحدث إذا لم يحصلا على الدعم الذي أراده، وما تأثير ذلك على قدرة الحكومة على قيادة البلاد فيما بعد”؟ المقصود من هذا الاستعراض التوضيح: "بأن هناك انقسامًا في المجتمع الأميركي حول ضرب سوريا، هذا أولًا. وثانيًا: هناك احتمال كبير بأن الكونجرس قد يتخذ قرارًا ضد الضربة. في كلا الحالتين فإن السببين سيحدان من اندفاع أوباما وحماسته وإدارته إلى القيام بعدوان على سوريا.
أيضًا من الأسباب التي تعمل لغير صالح الضربة: الموقفان المتخذان من قبل روسيا والصين، سواء في تأكيد البلدين من عدم قيام النظام السوري باستعمال الأسلحة الكيماوية في صراعه مع من يسمّون بالمعارضة، بل العكس من ذلك هناك اتهامات من قبل الدولتين للأخيرة بأنها من قامت باستعمال غاز السارين, وذلك في محاولة واضحة لجر الولايات المتحدة والدول الغربية إلى القيام بحرب على سوريا. هذه المواقف للبلدين لها تأثيراتها العالمية التي تقلل من “شرعية” الضربة التي يطمح أوباما توجيهها إلى البلد العربي السوري. من الجدير قوله أيضًا إن الصحافة الإسرائيلية قامت وتقوم بحملة شعواء على أوباما لتأجيله الضربة واتهمته بـ“الجبن” و“التخاذل”، وذلك لأن إسرائيل وفقًا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الأحد الثاني من سبتمبر الحالي اعتبرت “أن إسرائيل هي العقل المدبر والمحرك الرئيسي للحرب”.
يبقى القول: إن حديث أوباما عن الإنسانية والأخلاق وحقوق السوريين هو محض هراء! وإسرائيل استعملت وما زالت تستعمل أسلحة الدمار الشامل ضد الفلسطينيين والعرب في حروبها ضدهم, كما حدث مرارًا من استعمال أسلحة فسفورية (أخطر من الأسلحة الكيماوية) وقنابل فراغية وقذائف منضبة باليورانيوم وغيرها، والولايات المتحدة تؤيد إسرائيل في كل خطواتها! الهدف الأساسي من ضرب سوريا هو خدمة الأمن الإسرائيلي وإزاحة أطراف المقاومة في المنطقة، وإنشاء الشرق الأوسط الجديد الذي تكون إسرائيل: ركنًا أساسيًّا فيه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165950

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165950 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010