الجمعة 13 أيلول (سبتمبر) 2013

ما معنى اعتراف الفلسطينيين “بإسرائيل” على أنَّها “دولة يهودية”؟

الجمعة 13 أيلول (سبتمبر) 2013 par جواد البشيتي

لماذا يُبْدي نتنياهو كل هذا الإصرار على أنْ ينتزع من الفلسطينيين اعترافهم بإسرائيل على أنَّها دولة يهودية؟ ولماذا لا يستطيع الفلسطينيون تلبية مطلبه (أو شرطه) هذا؟
نتنياهو لا يُخْطئ، وإنَّما يُصيب كبد الحقيقة، بقوله، وبإصراره على القول، إنَّ النزاع (أو الصراع) مع الفلسطينيين هو في أصله وأساسه وجوهره نزاع على الوجود لا على الأرض والحدود؛ ولن يكون في مقدور أيِّ حلٍّ تأتي به معاهدة، أو اتفاقية، للسلام بين الطَّرفين، أنْ ينال من قوَّة إيمان الفلسطينيين (ومعهم العرب جميعًا) بحقِّهم القومي والتاريخي في فلسطين كلها؛ فوجود “دولة قومية” لليهود في فلسطين، ومهما كان حجمها، هو أمْرٌ لا يمكن قبوله، فلسطينيًّا، وعربيًّا، على أنَّه من نَسْل “الحق”، أو “الحقيقة”؛ ومع ذلك، يمكن (ويجب) أنْ يُلْزِمهم “الواقع” مواقِف تتعارض (قليلًا، أو كثيرًا) مع هذا الإيمان.
الفلسطينيون، وعن اضطرار مألوف في العالم الواقعي للسياسة، اعترفوا بأنَّ لإسرائيل (الدولة) الحق في العيش في أمن وسلام، وضِمْن حدود معترَف بها (فلسطينيًّا على وجه الخصوص).
وهذا الاعتراف لم يكن، من حيث جنسه وطبيعته، متبادَلًا؛ فإسرائيل لم تُبادِل الفلسطينيين، حتى الآن، اعترافًا باعتراف؛ فهي لم تَقُل إنَّها تعترف بأنَّ لهم الحق في دولة (في أراضيهم التي احتلتها في حرب يونيو ـ حزيران 1967) وبأنَّ لهذه الدولة الحق في العيش في أمن وسلام، وضِمْن حدود معترَف بها (إسرائيليًّا على وجه الخصوص).
ومع ذلك، لا يرضي هذا الاعتراف الفلسطيني نتنياهو وأشباهه؛ والسبب يكمن في صيغة الاعتراف الفلسطيني؛ فالفلسطينيون لم يقولوا، في هذه الصيغة، إنَّهم يعترفون بالحق القومي والتاريخي لـ“الشعب اليهودي” في فلسطين، وبدولة إسرائيل بصفة كونها تجسيدًا لهذا الحق؛ وكأنَّ الفلسطينيين يقولون، في الصيغة نفسها، إنَّهم، وإنْ ما زالوا على رفضهم الاعتراف بمثل هذا الحق، يعترفون بأنَّ لإسرائيل الحق في العيش في أمن وسلام، وضِمْن حدود معترَف بها.
نتنياهو، وبغروره القومي اليهودي، يأبى أنْ يَطْلُب من الفلسطينيين الاعتراف بالحق القومي لـ“الشعب اليهودي” في فلسطين؛ فهذا “الشعب” يكفيه أنَّ “الرَّب” نفسه قد أعطى أرض فلسطين لـ“شعبه المختار”؛ وفي هذه “المنحة الرَّبَّانية” شرعية لا تعلوها شرعية، على ما يزعم نتنياهو.
إنَّه يريد (ويطلب) منهم فحسب أنْ يعترفوا بإسرائيل على أنَّها دولة يهودية؛ فإذا امتثلوا لإرادته، واعترفوا بها على هذا النحو، فإنَّهم يَتَحَلُّون، عندئذٍ، بـ“فضيلة” الاعتراف بما هو “حقٌّ” و“حقيقة”!
وفي “اعتداله” الأقصى، يجنح نتنياهو إلى تمييز “إسرائيل الدولة” من “إسرائيل الأرض”؛ فـ“إسرائيل الدولة”، والتي يريد نتنياهو من الفلسطينيين أنْ يعترفوا بها على أنَّها “دولة يهودية”، لا يشمل إقليمها كل “أرض إسرائيل”، وإنَّما معظمها فقط؛ أمَّا ما بقي من “أرض إسرائيل” في خارج إقليم دولتها، أي الضفة الغربية (“يهودا” و“السامرة”) على وجه الخصوص، فيمكن أنْ يسمح للفلسطينيين بأنْ يقيموا لهم دولة فيه (على أنْ..، وعلى أنْ..).
وخير دليل على ذلك هو أنَّ نتنياهو لن يَقْبَل أبدًا “مقايضة” من قبيل أنْ يعترف الفلسطينيون بإسرائيل على أنَّها دولة يهودية في مقابل اعتراف إسرائيل بأنَّ للشعب الفلسطيني حقًّا قوميًّا وتاريخيًّا في أنْ تكون لهم دولة في أراضيهم التي احتلتها إسرائيل سنة 1967.
وهذا إنَّما يعني أنَّ نتنياهو يريد أنْ يقول للفلسطينيين إنَّ لإسرائيل في الضفة الغربية (“يهودا” و“السامرة”) حق التملُّك القومي؛ لكننا نعطيكم حق الاستعمال، تترجمونه بإقامة دولة لكم فيها؛ أمَّا ضِمْن إقليم “الدولة اليهودية” نفسها فلن نعترف بأيِّ حقٍّ قومي وتاريخي لـ“الأقلية القومية العربية”، أيْ ما يسمَّى “عرب إسرائيل”؛ فإسرائيل، وإنْ ضَمت “أقلية قومية عربية”، ليست بدولة “ثنائية القومية”؛ لأنْ ليس لهذه “الأقلية القومية” من حقٍّ قومي أو تاريخي في إقليم “الدولة اليهودية”، التي لن تُفْرِط في كرمها وسخائها، فتعطي هؤلاء “حق الاستعمال” الذي أعطته لأشقَّائهم في “يهودا” و“السامرة”؛ ويُفضَّل أنْ يُهيأ لهم من “الأسباب” ما يَحْملهم على المغادرة إلى إقليم دولتهم؛ فإذا كانت دولة إسرائيل لا تَقْبَل لمواطنيها (أيْ المستوطنين) في الضفة الغربية والقدس الشرقية العيش في إقليم “الدولة الفلسطينية”، فإنَّ على هذه الدولة أنْ تتشبَّه (في هذا الأمر) بدولة إسرائيل، وأنْ تجتهد في ضَمِّ “عرب إسرائيل (أو بعضهم)” إليها؛ لكنَّ هذا لا يعني أنْ تتشبَّه بدولة إسرائيل لجهة “الضَّم الثنائي”، أيْ الضَّم الديمغرافي والضَّم الجغرافي معًا.
“مقايضة” أخرى لن يَقْبلها نتنياهو: أنْ يعترف الفلسطينيون بإسرائيل على أنَّها “دولة يهودية” في مقابل ضَم “عرب إسرائيل” مع أرضهم إلى إقليم “دولة فلسطين”، واعتراف إسرائيل بأنَّ للشعب الفلسطيني حقًّا قوميًّا وتاريخيًّا في هذا الإقليم.
وضِمْن هذه “المقايضة” تُعدَّل الحدود، ويتبادل الطرفان (أو الدولتان) أراضٍ، بما يسمح بضمِّ الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية إلى إسرائيل، وبضمِّ القدس الشرقية (أو معظمها) إلى “دولة فلسطين”، وبجعل “الممر” بين الضفة الغربية وقطاع غزة جزءًا من إقليم “دولة فلسطين”، يخضع لسيادتها، وبتخلِّي إسرائيل عن جزء آخر (متَّفَق عليه) من إقليمها لضمِّه إلى إقليم “دولة فلسطين”، التي تعترف بها إسرائيل على أنَّها دولة قومية للشعب الفلسطيني بأسره.
وإذا ما أُضيف إلى كل ذلك ضمانات أمن دولية قوية وكافية لـ“دولة فلسطين” فلن تحتاج هذه الدولة إلى أنْ تتسلَّح بما يثير خوف وقلق إسرائيل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2177190

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177190 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40