الأحد 15 أيلول (سبتمبر) 2013

تقييم للمبادرة الروسية

الأحد 15 أيلول (سبتمبر) 2013 par د. فايز رشيد

بعد موافقة سوريا على وضع أسلحتها الكيماوية تحت الإشراف الدولي، سارع الكثيرون من المحللين السياسيين الشامتين فيها، وكذلك وسائل الإعلام المعرضة... سارعوا جميعاً إلى اتهام سوريا“بالهزيمة” وبأن موافقتها هي “استسلام”للولايات المتحدة وللعرب عموماً! واقع الأمر أن المبادرة الروسية كان قد أطلقها بوتين بعد مباحثات بشأنها مع الرئيس الأميركي أوباما أثناء اجتماع قمة العشرين في مدينة سانت بطرسبرج والذي عُقد مؤحراً في المدينة الروسية الثانية. كيري التقط مبادرة بوتين، وكان تصريحه الشهير عن طرحها! من ثم زار وزير الخارجية السوري موسكو وأعلن في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره لافروف عن موافقة سوريا على المبادرة الروسية بعد أن طرحها وزير الخارجية الأميركي. هذه التفاصيل مهمة لمعرفة خلفيات المبادرة والظروف التي جرى طرحها فيها.
بدايةً، فإن رويسا طرحت المبادرة بعد الاتصال مع الأميركيين (أي أن المبادرة هي روسية بموافقة الولايات المتحدة) بما يعني أن المبادرة هي تعبير عن رغبة أميركية بالحل السياسي، وبخاصة وكما تبين من مناقشات الكونجرس، بأنه قد لا يُعطي تفويضاً لأوباما لضرب سوريا، فالرئيس الأميركي أحال القضية إلى الكونغرس هرباً من التداعيات الممكنة لمثل هذه الضربة، واحتمال قيام حرب إقليمية واسعة، وذلك وسط رفض شعبي أمريكي لدخول حرب جديدة ، وفي ظل أزمات أميركية اقتصادية، اجتماعية(أوضاع المهمشين والفقراء)بالدرجة الأولى نتيجة الحروب الأميركية الفاشلة في العراق وأفغانستان. لذلك فإن موافقة سوريا على المبادرة وعدا كونها تسحب البساط الذرائعي من تحت قدمي أميركا والغرب لضرب سوريا، فإنها في نفس الوقت تُعتبر إنقاذاً لماء وجه الرئيس أوباما في التراجع عن هذه الضربة العسكرية هذا أولاً.
ثانياً: فإن المبادرة الروسية تعني(وفقاً لتصريحات لافروف) منعاً للولايات المتحدة وحلفائها بالقيام بعدوان عسكري على سوريا. كذلك فإنه وفقاً للموقف الروسي، فإن روسيا ليست على استعداد لجعل المبادرة ابتزازاً لسوريا. لذلك وقفت موسكو بالمرصاد للمشروع الفرنسي، ذي النقاط الخمس الابتزازية، المقدم إلى مجلس الأمن( بعد طلب روسيا عقد المجلس) وسحبت روسيا طلبها المجلس بالانعقاد أمام هذا الابتزاز، وأعلنت بوضوح وبصوتٍ عال إنها ضد المشروع الفرنسي، وبذلك تمنع إعادة تكرار الشكل الابتزازي للولايات المتحدة والغرب عموماً في العراق.
صحيح أن الولايات المتحدة والغرب قد يفتحوا شهياتهم(وبخاصة وأن أنباءً تتحدث عن أن الإدارة الأميركية ستستعمل القبول السوري كوسيلة ضغط إضافية على الكونجرس من أجل تفويض أوباما بضرب سوريا، من خلال القول بأن مجرد التهديد كان كافياً لإرغام سوريا على قبول المبادرة، فكيف يكون الحال إذا ما تم توجيه ضربه إليها؟) لكن من الصحيح أيضاً أن الضمانات الروسية لسوريا في منتهى الوضوح والصرامة. فقط إشراف دولي على أسلحة سوريا الكيماوية وليس أكثر من ذلك. ثم إن سوريا لن ترضح في أي حال للمزيد من الطلبات الأميركية- الغربية ، بمعنى أنها لن توافق على استباحة أراضيها.
من زاوية أخرى فإن عديدين من المراقبين ينطلقون من وجهة نظر مفادها:أن رضوح سوريا للتهديد يمكن تطبيق نموذجه على المشروع النووي الإيراني! بمعنى تهديد إيران هي وسيلة لرضوحها(صحيفة معاريف الإسرائيلية الثلاثاء 10 سبتمبر الحالي) ذكرت: أن تطبيق المبادرة الروسية بشأن كيميائي سوريا سيكون له تداعيات إيجابية على الملف النووي الإيراني من خلال التهديد بالخيار العسكري ضد إيران).إيران من جهتها قطعت الشك باليقين بعدم جدوى التهديد. جرى ذلك من خلال تصريح للرئيس روحاني قال فيه:“بأن إيران لن تتخلى قيد أُنملة على حقوقها النووية”.
على صعيد ثان، فإن العديد من المحللين السياسيين يقارن بين الموقف الروسي الحالي وبين الموقف السوفياتي في عام 1962 فيما اصطلح على تسميته بــ“بأزمة خليج الخنازير”حين بادر خروتشوف إلى حل الأزمة مع إدارة الرئيس كينيدي. سحبت موسكو أيامها صواريخها من كوبا، مقابل ضمانات من الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا. حينها كادت تندلع حرب عالمية ثالثة، ولكن بالذكاء السوفياتي تم احتواء الأزمة.اليوم التاريخ يكرر نفسه، فقد خطفت موسكو الأضواء على المستوى الدولي، ووقفت بذكاء أمام احتواء حرب في المنطقة قد تجر وراءها تداعيات كثيرة وكبيرة. المرونة التي أبدتها سوريا تأتي في نفس السياق، فهي بقبولها للمبادرة الروسية جنبّت سوريا وجيشها المزيد من الدمار والخسائر وشل قدرات الجيش العربي السوري، الذي هو في أمس الحاجة للاحتفاظ بقدراته في التصدي لمجموعات الإرهابيين، الذين يخوضون حرباً بالنيابة عن المعسكر الغربي وإسرائيل وأوساط عديدة في المنطقة، في وجه سوريا، خدمةً للأمن الإسرائيلي.
انزعاج ما يسمى بـ“الجيش السوري الحر” والمنظمات التكفيرية، وتركيا وإسرائيل وبعض الأوساط في العالم العربي من قبول سوريا للمبادرة دليل على صحة وذكاء الموقف السوري، فهذه الأطراف مجتمعة وعندما علمت بالموافقة السورية، حطّ في أيديها وكأن الطير وقع على رؤوس أصحابها، فهؤلاء يحضون على ضرب سوريا البلد العربي ذي الدور الإقليمي الكبير وأيضاً على صعيد المنطقة.
يبقى القول:إن روسيا وسوريا فوتتا الفرصة على الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما العرب لضرب سوريا وتطبيق النموذج العراقي فيها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2179091

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2179091 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40