الثلاثاء 17 أيلول (سبتمبر) 2013

بعد 20 سنة من أوسلو.. محاولة إعادة التجربة

الثلاثاء 17 أيلول (سبتمبر) 2013 par د. جيمس زغبي

مضت 20 سنة منذ ان وقع رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحاق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات اتفاقات اوسلو في واشنطن في 13 سبتمبر 1993.
وفي مروج البيت الابيض حيث تم التوقيع، كان هناك شعور بالنشوة. وعندما تصافح عرفات ورابين، التفت العرب الاميركيون واليهود الاميركيون، الذين كانوا يتحاربون منذ زمن طويل في المجال العام، إلى بعضهم البعض للتعانق والاحتفال باللحظة. وبعد ذلك بيومين، وفي محاولة للبناء على هذا الشعور الايجابي، دعى الرئيس بيل كلينتون 150 من زعامات الجاليتين إلى البيت الابيض حاضا إياهم على العمل معا كمجموعة من اجل السلام.
كما كان هناك ايضا في اسرائيل والاراضي المحتلة احتفالات مع تعبير القيادات من الجانبين عن التفاؤل بشأن المسار المستقبلي. وبعد يومين فقط من التوقيع ظهر نبيل شعث كبير المفاوضين الفلسطينيين على برنامجي التلفزيوني وتم سؤاله عما اذا كانت الحكومة الفلسطينية الوليدة يمكن ان تكون قادرة على كبح جماح مرتكبي اعمال العنف ضد الاسرائيليين. فأجاب:“اذا عملت الاتفاقية واعتقد انها ستعمل، فبعد سنتين من الان سوف يزرع مزارعونا الأرض التي يتم تحريرها، وسوف يعمل شبابنا في الوظائف التي يتم خلقها، وسوف نبني البنية التحتية لدولتنا الجديدة. وفي خضم ذلك، فإذا ما ارتكب شخص ما عملا من اعمال العنف، فإن الشعب سوف يتحول إلينا ويقول: امنعو هؤلاء، لانهم يهددون كل شيء حققناه.”
كما كان هناك ايضا اسرائيليون بدوا واثقين من المستقبل. فقد قال يوسي بيلين مساعد وزير الخارجية الاسرائيلي:“اسرائيل ستكون اسرائيل اخرى، فنحن مستعدون لتغيير كثير من أفكارنا عن الماضي ومواءمة انفسنا مع الواقع الجديد. ومنظمة التحرير الفلسطينية لم تعد نفسها منظمة التحرير الفلسطينية. ويمكن تحقيق اشياء في الشرق الأوسط.”
بيد انه لم يكن كل واحد سعيدا. فقد اتهم نقاد اسرائيليون رابين بالاستسلام واعطاء شرعية للارهابيين الفلسطينيين، بينما اتهم نقاد فلسطينيون بأن وثائق اوسلو بها الكثير من الثغرات وانها ستطيل فقط من امد الاحتلال الاسرائيلي.
بأي مقياس، فإن الاتفاقات لم تكن مكتملة. فقد كانت مليئة بالغموض، حيث كانت الاطراف مراوغة بشأن الاختلافات لانهم لم يستطيعوا التوصل إلى اتفاق. وحل القضايا الاكثر اهمية مثل القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين والترتيبات الأمنية تم تأجيلها إلى ما بعد الفترة الانتقالية التي مدتها خمس سنوات. وقد وصف احد المراقبين، في ذلك الوقت، الاتفاقات بأنها اشبه كثيرا بالاستغاثة من كونها اتفاق سلام. وبدا الأمر كما لو ان الاسرائيليين والفلسطينيين كان لسان حالهم يقول“هذه بداية ـ بقدر ما يمكننا ان نذهب. فنحن نحتاج الى مساعدة حتى نصل الى خط النهاية.”
لكن حتى مع العيوب والغموض، فإن ما لا يمكن انكاره هو ان اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية قد اتخذا خطوات غير مسبوقة وكسرا المحظورات وبددا الاساطير.
في المقام الأول، فإن الاسرائيليين والفلسطينيين اعترفوا بشكل رسمي ببعضهم البعض ككيانات وطنية. وفي الوقت الذي الزم فيه الفلسطينيون انفسهم بالحل القائم على الدولتين في 1988، فإن التوقيع على اتفاق مع الاسرائيليين يعترف بشرعية دولة اسرائيلية مستقلة مثل اختراقا مذهلا. كما كان لاسرائيل ايضا قضية فيما يتعلق بالاعتراف. فحتى وقت اوسلو، كانوا يرفوضون الاعتراف بوجود شعب فلسطيني. ورفضوا ليس فقط التحدث إلى منظمة التحرير الفلسطينية بل بالإصرار على ان يتجنب الآخرون المنظمة ايضا. ففي 1985، وخلال حديث في فعالية في واشنطن، نقل عن رابين قوله“أي احد يوافق على الحديث إلى منظمة التحرير الفلسطينية يعني انه يقبل من حيث المبدأ اقامة دولة فلسطينية مستقلة وهذا امر غير مقبول.”
فمن خلال الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، لم تفتح اسرائيل الباب فقط امام حتمية الدولة الفلسطينية بل انها هدمت المحظورات ضد منظمة التحرير الفلسطينية (وقد تم ترسيخ ذلك). فعلى مدار سنوات، فإن النفوذ السياسي القوي لأنصار اسرائيل من الاميركيين كان يثير قلق الاميركيين العرب وغيرهم بمعاقبتهم على اتصالهم بمنظمة محظورة. كما بددت اتفاقات اوسلو اسطورة ان الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني غير قابل للحل والنتيجة هي صراع قديم متجزر في جينات الطرفين. صحيح ان اوسلو لم توفر الحل، لكنها اظهرت إرادة الطرفين لايجاده.
كان هناك اختراقات اخرى ناتجة عن اوسلو. ففي الوقت الذي لم تتحقق فيه دولة فلسطينية، إلا ان مكان السلطة الفلسطينية وصنع القرار قد انتقل للمرة الأولى إلى الاراضي الفلسطينية. وفي الوقت الذي لا يزال فيه الاحتلال حقيقة حياة جائرة لأغلب الفلسطينيين، فإن مجرد الانسحاب المحدود للقوات الاسرائيلية من اغلب مدن الضفة الغربية، قد اعطى الفلسطينيين مهلة محل ترحيب.
لقد وفرت اتفاقات اوسلو انتشارا اسرائيليا اوليا محدودا كان يمكن ان يؤدي إلى مرحلة انتقالية لمدة خمس سنوات، يمكن ان تستمر المفاوضات خلالها. وكان يمكن عند نهاية فترة هذه السنوات الخمس ان يبدأ الاطراف في العمل الجدي لحل ما اطلق عليه قضايا الوضع النهائي. وكانت الفرضية القائمة وراء هذه المقاربة تكمن في ان خمس سنوات من الثقة الكافية من خلال العلاقات السلمية يمكن ان تتطور الى منح المفاوضين مساحة لمعالجة القضايا الشائكة.
وكي تمضي العملية وتسير كما كان متصورا لها كان يجب حدوث عدة اشياء:
كان يجب ان يتحول دور الولايات المتحدة من كونها مراقبا، مع الميل لتأييد احد الاطراف، إلى مشارك متوازن منخرط بشكل كامل. فكما اوضح الاتفاق، فإن الاسرائيليين والفلسطينيين لا يستطيعون الذهاب الى ما هو ابعد من ذلك بأنفسهم. فقد كانوا يحتاجون لأحد ما يستجيب لصرختهم من أجل المساعدة ورعايتهم للوصول إلى الهدف.
كان يجب على الأطراف التحرك بسرعة. ففي صياغة جداولهم الزمنية، لم يحلل مهندسو اوسلو قدرة مفجر انتحاري أو مستوطنون على الاهتياج أو القوة المفرطة من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي في حل الغاز العملية. وقوض العنف من قبل الفلسطينيين والمستوطنين الاسرائيليين المعارضين لاوسلو الثقة العامة في عملية السلام مما جعل من الصعب من الناحية السياسية بالنسبة للمفاوضين اكمال عملهم.
وكان يجب وضع بنود لتقريب فوائد السلام لكلا الطرفين بغية تعزيز ثقتهم في عملية من خمس سنوات. وكانت المشكلة انه في الوقت الذي نما فيه الاقتصاد الاسرائيلي بسرعة كبيرة بعد اوسلو، انكمش الاقتصاد الفلسطيني. وبسبب التصرفات الاسرائيلية المتطرفة، في السنتين الاوليين بعد اوسلو: زادت المستوطنات بمعدل غير مسبوق، وبسبب السياسات الاسرائيلية المقيدة، تضاعف معدل البحث عن العمل بين الفلسطينيين وانخفض الدخل وأغلقت المشروعات لأنها لم تستطع ان تستورد أو تصدر بحرية.
في النهاية، فإن عيوب اوسلو اثبتت انها قاتلة. واليوم فإن عدد المستوطنين الاسرائيليين تضاعف ثلاثة اضعاف؛ ولا يزال الاقتصاد الفلسطيني يعتمد على حسن النية الاسرائيلي والسخاء الدولي وتم قتل الالاف، ضحايا أعمال الارهاب والاعتداءات الاسرائيلية غير المناسبة وعنف المستوطنين. ونتيجة لذلك فإن الثقة صارت عند ادنى مستواها.
بعد فجوة طويلة، استأنف الطرفان مرة اخرى المفاوضات. ويمكن فقط للمرء ان يأمل ان يكونوا قد تعلموا الدروس من خبرة اوسلو:
المنهج المرحلي والمؤقت لا يعمل. لأن معارضي السلام سوف يستفيدون من الفترة المؤقتة في محاولة تخريب أي اتفاق.
لا يمكن للولايات المتحدة ان تكون مراقبا. فالفلسطينيون ضعاف بشكل كبير وليس لديهم أي قوة. ويتعين ممارسة الضغط على الاسرائيليين للمساعدة على تسوية الملعب.
كما يتعين ان تكون هناك اشارات تحسن مباشرة في الحياة اليومية للشعبين. فيتعين ان يشعر الاسرائيليون بأمن اكبر، ويتعين ان يشعر الفلسطينيون بحرية اكبر ويتعين ان يروا اشارات واضحة بأن مستقبلهم سوف يكون مزدهرا وعادلا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 56 / 2165870

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165870 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010