الجمعة 20 أيلول (سبتمبر) 2013

السياسة الأميركية .. من فشل إلى فشل!!

الجمعة 20 أيلول (سبتمبر) 2013 par سامي حامد

اهتزت صورة الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة مرتين متتاليتين خاصة فيما يتعلق بسياستها تجاه الشرق الأوسط .. المرة الأولى في مصر حين فشلت في دعم جماعة الإخوان المسلمين التي راهنت عليها، وجاءت ثورة الـ30 من يونيو التي أبهرت العالم لتقصي الإخوان عن الحكم .. والمرة الثانية في سوريا حين نجحت موسكو في كبح جماح واشنطن بالمبادرة الروسية التي أوقفت ضربة أميركية كانت مقررة وجاهزة لدمشق بحجة استخدام الجيش العربي السوري أسلحة كيماوية ضد معارضي نظام الرئيس بشار الأسد، حيث دفعت تلك المبادرة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الطلب من أعضاء الكونجرس إرجاء التصويت على قرار التدخل العسكري في سوريا لإتاحة الفرصة أمام المبادرة الروسية التي تنص على وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية!!
المبادرة الروسية التي وافقت عليها دمشق تتضمن 4 مراحل تبدأ بانضمام سوريا إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، وهو ما حدث بالفعل، وتنتهي بوضع تلك الأسلحة تحت رقابة الأمم المتحدة لتدميرها، وهي مبادرة رحبت بها دول العالم فيما عدا الدول القليلة المؤيدة للضربة الأميركية، بينما نددت المعارضة السورية بالمبادرة الروسية واعتبرتها مناورة سياسية لكسب الوقت .. ويمكن القول إن تلك المبادرة بصرف النظر عن ردود أفعالها نجحت إلى حد كبير في “فرملة” أميركا التي كانت في طريقها لشن عدوان على سوريا بشكل منفرد رغم الرفض الدولي لتلك الضربة، لدرجة أن حلفاء واشنطن الأقربين تخلوا عنها، وهو نجاح يحسب للدبلوماسية الروسية، يقابله فشل أميركي ذريع لتتلقى السياسة الأميركية ضربتين متتاليتين من القاهرة ودمشق!!
واشنطن يبدو أنها مصرة على تحقيق مخططها في منطقة الشرق الأوسط رغم الفشل المتلاحق .. فالقضية من وجهة نظرها ليست قضية أسلحة كيماوية في سوريا كما تزعم، وإنما القضية هي العمل على إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد لاستكمال منظومة الشرق الاوسط الجديد أو الكبير، وهو عمل كانت تسعى إليه بشكل عاجل لتحقق به نجاحا في دمشق يغطي فشلها في القاهرة، إلا أن الدبلوماسية الروسية أصابتها بـ“السكتة العسكرية” إن جاز التعبير، بعد أن كانت واشنطن قاب قوسين أو أدنى وعلى أهبة الاستعداد لضرب دمشق .. ورغم كل ذلك لا تزال الولايات المتحدة مصرة على مواصلة مخططها في المنطقة، ولذلك فهي تتعامل مع المبادرة الروسية على أساس أنها قد تكون نجحت بالفعل في منع توجيه ضربة عسكرية عاجلة لسوريا، إلا أنها لن تحول دون ضرب سوريا مستقبلا تحت أي ذريعة طالما استمر نظام الرئيس بشار الأسد!!
لقد أعلنت واشنطن عن استمرار دعمها للمعارضة السورية سياسيا وعسكريا، وقد تعمل في الخفاء على إفشال المبادرة الروسية تحت زعم عدم تعاون دمشق مع فريق المفتشين الدوليين أو بحجة إخفاء دمشق ترسانة أسلحة كيماوية أو بيولوجية .. لتعطي لنفسها في النهاية المبرر لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا بهدف إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أو أن تنجح المعارضة السورية في تحقيق هذا الهدف .. ما يعني أن المبادرة الروسية ربما تكون قد أرجأت تنفيذ هذا المخطط، لكنها لم تحبطه بحسب المفهوم الأميركي .. وهو نفس المنطق تماما الذي تتبعه واشنطن مع الوضع الحالي في مصر .. فهي لا ترحب بما حدث في ثورة الـ30 من يونيو التي أعادت “العسكر” إلى صدارة المشهد السياسي في مصر، وفي نفس الوقت تواصل دعمها لجماعة الإخوان المسلمين من خلال الضغط على مصر بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة على أمل عودة الإخوان إلى الحكم!!
والمبادرة الروسية في كل الأحوال لها عدة أوجه .. فقد تكون حافظت على ماء وجه الرئيس أوباما الذي كان سيجد نفسه مضطرا لضرب سوريا دون الحصول على أي تفويض دولي حتى من أقرب حلفائه، الأمر الذي سيؤدي إلى اهتزاز صورة أميركا أمام العالم واتهامها بالغطرسة والبلطجة .. وهناك وجه آخر لتلك المبادرة، وهو أن أميركا لم تعد الشرطي الوحيد في هذا العالم، فهناك قوى أخرى قادرة على مجاراة واشنطن في هذا المضمار .. ما يعني أن على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تدرك هذا الأمر جيدا وتعيد حساباتها الخاطئة في المنطقة .. فالرهان على صعود تيار الإسلام السياسي إلى الحكم في المنطقة لن يفيد واشنطن إلا إذا كانت تعتقد أن مصالحها تنبع من تفتيت وتقسيم دول المنطقة عبر رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط!!
إن التدخل الأميركي في الشأن الداخلي لكل من مصر وسوريا بات مكشوفا ومعلوما للجميع .. فهي لا تزال تراهن على صعود تيار الإسلام السياسي والتخلص من أنظمة الحكم التقليدية في المنطقة .. وسقوط نظام بشار الأسد هدف أميركي لا بديل عنه، وهناك تنسيق في هذا الصدد مع المعارضة السورية التي يقودها الإخوان المسلمون وجماعات دينية أخرى متطرفة، ما يعني أن واشنطن مصرة على تكرار تجربة الإخوان الفاشلة في مصر في سوريا أيضا .. وهي بذلك كمن يلعب بالنار التي من الممكن أن تطول صاحبها .. فهل حان الوقت لتدرك الولايات المتحدة حجم مخاطر ما يحدث في المنطقة .. فالقضية ليست قضية شرق أوسط مزدهر كما تزعم واشنطن، وإنما القضية قضية شرق أوسط متوتر تسوده الفوضى والعنف، بينما تنعم إسرائيل بالأمن والأمان .. فهل هذا هو ما تريده واشنطن حقا؟!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2181551

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2181551 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 45


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40