الجمعة 20 أيلول (سبتمبر) 2013

العالَم الذي جَعَلَتْه الولايات المتحدة ضاحيةً لها!

الجمعة 20 أيلول (سبتمبر) 2013 par جواد البشيتي

لم تَقُلْ الولايات المتحدة يومًا (على ما أَذْكُر) إنَّ “الترسانة الكيميائية (والبيولوجية)” لسوريا تتهدَّد “أمنها القومي”؛ لكنَّها قالت ذلك الآن، حيث اسْتُخْدِمَت أسلحة كيميائية، منها، أو أهمها، غاز السَّارين، في غوطتي دمشق الشرقية والغربية، وفي أماكِن سوريَّة أخرى، من قَبْل.
الولايات المتحدة هي القوَّة النووية (والعسكرية) العظمى في العالَم؛ و“الخيال”، على أهميته التي تَفوق أهمية “المنطق”، وإنْ ليس دائمًا، لا يسمح لنا بافتراض أنْ تشن سوريا هجومًا كيميائيًّا على الولايات المتحدة؛ فكيف لـ“ترسانتها الكيميائية”، من ثمَّ، أنْ تتهدَّد “أمنها القومي”؟!
لإجابة هذا السؤال ينبغي لنا، على ما يبدو، أنْ نتسلَّح بـ“الخيال”، لا بـ“المنطق”؛ فآينشتاين فاضَل بينهما، ففضَّل “الخيال” على “المنطق”، إذ قال: إذا كان “المنطق” يُوصِلكَ من “الألف” إلى “الياء”، فإنَّ “الخيال” يُوصِلكَ إلى “أي مكان”!
أين تَقَع الولايات المتحدة؟
إذا أردت إجابة “خاطئة” عن هذا السؤال (الجغرافي) فما عليكَ إلاَّ أنْ تتسلَّح بـ“المنطق”؛ فتجيب قائلًا: إنَّها تَقَع غرب العالَم القديم، غرب المحيط الأطلسي، وشمال العالَم الجديد.
أمَّا إذا طَرَحْت “المنطق” جانبًا، وتسلَّحْت بـ“الخيال”، فتجيب، عندئذٍ، قائلًا: إنَّها كمثل “مركز الكون”، في نظرية “الانفجار الكبير” Big Bang، تَقَع في كل مكان (وفي أيِّ مكان) على سطح الكرة الأرضية؛ إنَّها تَقَع (أيضًا) في أوروبا وآسيا وإفريقيا؛ في روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، وفي إسرائيل والسعودية ومصر والأردن والضفة الغربية واليابان وكوريا الجنوبية..؛ في البحر المتوسط وبحر قزوين والخليج والمحيط الهندي..
لا أعْرِف “النِّسْبَة”، على وجه الدِّقَّة؛ لكنَّني أَظُن أن “نِصْف” الولايات المتحدة (أو أكثر قليلًا، أو أقل قليلًا) يَقَع (أو يًنْتَشِر) في كل مكان (تقريبًا) في العالَم.
أُنْظروا إلى “وجودها العالمي (في كل القارات، والعابر للقارات)”، بكل أوجهه: جزء عظيم متعاظِم من مواطنيها يعيش ويقيم ويعمل ويُوجِّه ويقود ويَحْكُم ويتحكَّم.. في كل الدول تقريبًا؛ وجزء عظيم ومتعاظم من قواها العسكرية والاقتصادية والمالية والاستثمارية والثقافية والفكرية والسياسية.. ينتشر في قارات العالَم جميعًا؛ وبعضه نراه كالبدو الرُّحل، ينتقلون من مكان إلى آخر، وفي يُسْرٍ وسهولة، طلبًا لأشياء ليست كالماء والعشب؛ لكن بأهميتهما عند الأقوام القديمة الرُّحَّل.
الولايات المتحدة هي القوَّة الإمبريالية العظمى، ليس في العالَم فحسب؛ وإنَّما في التاريخ؛ فـ“إمبريالية” روما القديمة هي دونها بكثير، وبكثير جدًّا.
في الأردن، يتعصَّب أهل السَّلْط لمدينتهم، ويُزيِّن لهم تعصُّبهم أنْ يَنْظروا إلى مدينتهم على أنَّها أكبر من الأردن، حتى أنَّ بعضهم يقول (ولو على سبيل المزاح) إنَّ الأردن هي عاصمة السَّلْط.
وإنِّي لأقول (لكن ليس على سبيل المزاح، وليس تَعصُّبًا للولايات المتحدة) إنَّ التاريخ لم يَعْرِف دولة أكبر من العالَم، في كل شيء إلاَّ جغرافيًّا وديمغرافيًّا، غير الولايات المتحدة؛ وإنَّه لأمرٌ كان “واقعيًّا” في القِدَم، فأصبح الآن “طوباوية خالصة”، أنْ يُدْعى إلى عودة الولايات المتحدة إلى العزلة والانعزال عن العالَم، فتُعيد كل مَنْ، وما، خَرَج منها إلى حيث كان قبل عشرات، ومئات، السنين؛ فإذا كان العالَم يتَّسِع للولايات المتحدة المتعاظِمة حجمًا ونموًّا، فإنَّ الولايات المتحدة لا تتَّسِع للعالَم، أو للقسم الأكبر منه، إذا ما قيس بالمقاييس النوعية.
قديمًا، كانت الرأسمالية الأوروبية تُقيم صلات اقتصادية، تجارية (أيْ بيع وشراء) في المقام الأوَّل، مع آسيا وإفريقيا، ولم يكن لديها، من ثمَّ، من ضخامة الاستثمار هناك ما يشدِّد لديها الحاجة إلى أنْ تكون كمثل “حكومة عالمية”؛ أمَّا الآن فنرى قسمًا عظيمًا متعاظِمًا من قوى الولايات المتحدة (من اقتصادها وأموالها ورؤوس أموالها الثابتة والمتغيِّرة، ومن مواطنيها، من ثمَّ) ينتشر في قارات العالَم جميعًا؛ وينبغي لها، من ثمَّ، أنْ تكون “شرطي العالَم”، وأنْ تنشر جنودها وأسلحتها في قواعد عسكرية أوروبية وآسيوية وإفريقية؛ فإنَّ لديها في خارج حدودها من الأشياء الثمينة ما يستحق أنْ تحامي عنه، وتدافع، بكل ما أُوتيت من قوَّة؛ وهل كانت “مصادفة” أنْ تكون الولايات المتحدة هي صانعة “حاملات الطائرات”، وكل سلاح يسمح لها بتذليل عقبتي الزمان والمكان، وبالتغلُّب على “حاجز الأطلسي”؟!
الولايات المتحدة هي قلب ومركز النظام الرأسمالي العالمي; فإن قيمة الناتج القومي (في هذا البلد الأكبر من العالم) 16 تريليون دولار (التريليون 1000 بليون دولار). وحصة الصناعة منه لا تتعدى 21 في المئة.
إنَّ العالم يستثمر نحو 12 تريليون دولار في سوق الأسهم والسندات.. في الولايات المتحدة, أي أنه مقرض القوة العظمى في العالم هذا المبلغ المالي الضخم؛ ومعظم هذا المال (نحو 9 تريليونات دولار) هو على هيئة قروض أقرضها العالم لحكومة الولايات المتحدة.
في الريغانية (وفي امتدادها البوشية) وبها, وبدءًا منها, تحولت الرأسمالية في الولايات المتحدة من أكبر رب عمل صناعي في العالم, يُنْتِج للعالم السلع, إلى أكبر مرابٍ في التاريخ, فالفوائض المالية الهائلة, المتراكمة في مصارفها, أغرت عاصمة الرأسمال العالمي بالتحول إلى رأسمالية ربوية يهودية شايلوكية, تفضل الأرباح السهلة السريعة المضمونة المتأتية من إقراض العالم على الأرباح المتأتية من الصناعة, ومن بيعها سلعا للعالم.
وها هي إدارة الرئيس أوباما تخاطب شعبها قائلةً: إنَّ لدينا في كوريا الجنوبية عشرات الآلاف من الجنود؛ فتخيَّلوا أنَّ كوريا الشمالية “فَعَلَتْها”، مُرْسِلَةً إلى سماء كوريا الشمالية سُحُبًا من غاز السَّارين، فتُمْطِر على قواعدنا العسكرية هناك.
قصارى ما أُريد قوله هو الآتي: اعْرَفوا أين تَقَع الولايات المتحدة حتى تَقِفوا على معنى قولها إنَّ الترسانة الكيميائية السورية تتهدَّد أمنها القومي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165592

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

2165592 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010