الاثنين 23 أيلول (سبتمبر) 2013

رابين ومسدّس عرفات

الاثنين 23 أيلول (سبتمبر) 2013 par أمجد عرار

لم يكشف إيتان هابر مدير مكتب رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الأسبق إسحاق رابين سراً، ولم يخترع “الماء الساخن” بحديثه عن إبلاغ رابين الأمريكيين بعدم استعداده للقاء القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لتوقيع اتفاق أوسلو، إلا بعد أن يخلع الأخير بزّته العسكرية المزيّنة بالنياشين، وينزع مسدّسه الذي كان جزءاً من شخصيته ورمزيته .

هابر نطق صدقاً حين قال إن رابين كان متشكّكاً جداً حيال اتفاقية أوسلو ولم يكن مقتنعا بها قبيل توقيعها، فهذا القول يتقاطع مع ما قالته عقيلته ليئا بعد اغتياله حين اعترفت بأن زوجها لم يكن على استعداد لإعادة أكثر من نصف الأراضي التي احتلت عام 1967 لسلطة الحكم الذاتي التي أنشأها اتفاق أوسلو .

ما قاله هابر عن تعقيدات حفل التوقيع واشتراطات رابين الذي كان في البداية غير معني بالسفر للتوقيع، واقترح بدلاً منه وزير الخارجية آنذاك شمعون بيريز، وذلك لعدم رغبته في مصافحة عرفات، أيضاً هذا ليس مفاجئاً ولا جديداً، بل نتذكّر حين تم توقيع اتفاق القاهرة الذي مهّد لإنشاء السلطة، حيث كان القلم الذي وقّع به رابين الاتفاقية من النوع الرديء جداً، وهذا ليس تصرّفاً تلقائياً، بل قصد التعبير عن القيمة التي يمنحها لاتفاق مع طرف عربي فلسطيني، بعدما ظلّت غولدا مائير تردد “العربي الجيّد هو العربي الميّت”، وليس العربي الذي يوقّع، بغض النظر عن مضمون ما يوقّع عليه .

صورة حفل التوقيع ما زالت ماثلة في الأذهان، واللقطة المثيرة ما زالت تعطي دلالاتها، فرابين تأخّر كثيراً في الاستجابة ليد عرفات التي كانت ممدودة للمصافحة . كان يعرف معنى هذا التأخّر ووقعه على مشاهديه من “الإسرائيليين”، ولسان حاله كان يقول لهم، هذا شيء تكتيكي أفعله على مضض، فإن رحلت “صحّحوه” بعدي، وهذا ما حصل .

من المفروغ منه القول إن رابين لم يكن يخشى مسدّس عرفات بدلالته الأمنية، فما من عاقل يمكنه أن يتوقّع من الرجل أن يستل مسدّسه ويطلق النار على رابين . الأمر كان له دلالة سياسية . وإن كان رابين قبل بالتوقيع والمصافحة مع بقاء بعض الرمزية المزعجة له، فذاك لتمرير ما هو أهم، وهو الدخول في عملية دائرية مفرّغة لا تبرح الدائرة تحت عنوان كرّره رابين كثيراً “لا مواعيد مقدّسة” . وفي الحقيقة لم يتكشّف مع الأيام أن المواعيد وحدها ليست مقدّسة، إنما البنود والقضايا أيضاً .

لو كان بؤس عملية التسوية واتفاقاتها محصوراً بالشكليات والجوانب الرمزية، لهان الأمر كثيراً، لكن القيادة “الإسرائيلية” بعد ذلك تهاونت كثيراً في الشكل مقابل توجيه المضمون وفق نظرتها الاستراتيجية للصراع . القضايا الرئيسة في الصراع لم يكن ممكناً إيجاد تخريجة رمزية لها، فهي لا تحتمل ذلك، إما أن يتفق عليها أو تماطل “إسرائيل” مثلما فعلت وما زالت . الاستيطان مستمر، وقضايا القدس والاستيطان والسيادة، لم تحل لأنها تركت لما سمي بالحل النهائي الذي آن أوانه مع بدء السنة الثالثة بعد التوقيع، أي عام ،1996 وها نحن في العام ،2013 فيما “إسرائيل” تتهرّب وتشق خرائط جديدة لطرق فرعية بعيداً عن هذه القضايا .

من الواضح أن مساراً يستمر عشرين عاماً ولا يفيد سوى أحد الطرفين، ينبغي إعادة النظر به، والعودة إلى الشعب والخيارات المجدية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2182165

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2182165 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40