الجمعة 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

الرياض- طهران: الامتحان اللبناني

الجمعة 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par محمد قواص

تأويلات كثيرة واكبت إلغاء، أو تأجيل، زيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان إلى السعودية (والإمارات). ورغم أن الزيارة عاديةٌ لا تحمل سمات استثنائية أو حتى تاريخية، إلا أن حدث التأجيل يحفلُ بالمعاني المتّصلة بتطورات دبلوماسية لافتة شهدتها أروقة نيويورك الأسبوع الماضي.
التأجيلُ سعودي تلقّاه الطرف اللبناني قدرا لا قدرة له على تبديله. والتأجيل سعودي يرسمُ الإشارات الأولى لمزاج دولي جديد تعملُ الرياض على دراسته والتأني في استيعابه. والتأجيل سعودي هدفه ترتيب الأوراق بعد خلطها المرتجل في نيويورك، على نحو يتيح للمملكة الإطلالة على الصفقات الكامنة والمحتملة، فتمنع أضرارا قد ينتجها تسرع المتسرعين، وتحصد ثماراً قد تُنضجها التسويات.

قبل انقشاع الغيوم، لا حاجة للرياض للإيحاء بإشارات سلبية أو إيجابية قد تفسرها قمة الرئيس اللبناني بالعاهل السعودي. ولئن كانت الزيارة مرتبة قبل الصفقات والتسويات، فإن تزامن الضجيج النيويوركي مع زيارة سليمان ينفخ ضبابا غير مجدٍ يضاف إلى ضباب كثيف أغار على حدث زيارة الرئيس الإيراني لاميركا، وما واكبها من مواقف وتصريحات واتصالات، كان أبرزها تلك المكالمة الهاتفية بين سيد البيت الأبيض والرئيس الإيراني الجديد.

طبعا لم تكن الرياض لتؤجل زيارة يقوم بها أي رئيس في العالم، بما في ذلك أي رئيس عربي. لكن المفارقة التاريخية أرادت أن تجعل من لبنان، هذا البلد الصغير، ميدان تقاطعات إقليمية عربية ودولية، تجعل منه، بمناسبة الحدث النيويوركي الأخير، صندوق بريد ثمين لتبادل رسائل الفرقاء.

لعب الطرفان الأميركي والإيراني بصبيانية لافتة لعبة التواصل والرغبة في تسوية النزاع (تبادل فريقا أوباما وروحاني الزعم برغبة الفريق الآخر بالوقوف وراء الاتصال الشهير بين الرئيسين). لم تهرول واشنطن لتلقف خطاب روحاني الانفتاحي، وتدللت بالتمهل لتفقد النوايا وتفحّص ما وراء القول من عزم على عمل. تأنى الجانب الإيراني في استعجال لقاء بين الرئيسين روحاني وأوباما، ورفضه حين أرادته واشنطن هامشيا عابرا. أمعن روحاني في إغراء العالم، والولايات المتحدة خصوصا، بصدق سعيه، فكان أن التقى وزراء خارجية البلدين، ما شكل الحدث اللافت، قبل أن يتوج الوصل بالاتصال الهاتفي- الحدث بين أوباما وروحاني.

تشعر الرياض أن الإدارة الأميركية ذاهبة نحو إشراك طهران في تسويات المنطقة. في المعلومات الدبلوماسية، أن إيران كانت شريكا كاملا ودون ضجيج في إنجاح المبادرة الروسية حول الكيماوي السوري، وأن السرعة القياسية لاستجابة دمشق لتلك المبادرة، تعود، بالإضافة لضغوط موسكو، إلى أمر عمليات إيراني وجه للأسد في هذا الشأن. أرادت طهران إقحام نفسها شريكا دوليا في أية تسوية قادمة بشأن سوريا. وتحفظت الرياض عن حسم موقفها (إلى حد إلغاء الخطاب السنوي للمملكة من على منبر الأمم المتحدة وهي سابقة في تاريخ الدبلوماسية السعودية).

تدرك الرياض أن تحفّظها على مشاركة إيران في جنيف2، يتناقض مع إشارات نيويورك الأخيرة. فالمملكة لا تستسيغ تطبيعا محتملا للعلاقات الدولية مع طهران، دون أن تقدم الجمهورية الإسلامية ما يفيد بقبول الحكم في طهران لأصول اللعبة الإقليمية. وشروط ذلك يتطلب وقف تدخل إيران في شؤون المنطقة، سواء تعلق الأمر بتشجيع الحراك الشيعي في الخليج، أو دعم المعارضة في البحرين (روحاني كتب في الواشنطن بوست مقترحا وساطة في النزاع البحريني الداخلي)، أو العبث في الملف الحوثي في اليمن، أو الهيمنة على القرار في العراق، أو التدخل المباشر في سوريا، وذلك غير المباشر، من خلال حزب الله، في لبنان.

هنا يكمن حدث تأجيل زيارة سليمان للرياض في أن المملكة تريد أن لا تتخذ موقفا جديدا أو مستجدا من الشأن اللبناني قبل أن يتضح ما استجد في نيويورك. تدرك الرياض أن إيران مارست ما يشبه الحرب ضد مزاجها اللبناني. وما الواقع الحكومي المستقيل الراهن في لبنان، وما واكبه من إبعاد سياسي (وحتى أمني في حالة الرئيس سعد الحريري) للفريق من السعودية، إلا نتاج سياسة وقرار إيرانيين مؤداهما هيمنة القرار الإيراني على حساب نفوذ المملكة ومصالحها في لبنان.

على أن سلوك إيران السابق في لبنان ينعطف على راهن لم يتغير. تراقب الرياض سعيا تعطيليا تمارسه إيران، عبر حلفائها، لإمكانية تشكيل حكومة برئاسة تمام سلام القريب منها، رغم طروحات الرجل الذي يبشر بحكومة حيادية لا تعيد الفريق القريب من السعودية إلى الحكم. فإذا ما كانت الإشارات الإيرانية (لاسيما أخطرها المتمثل بمشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام في سوريا) مازالت توحي، وحتى إشعار آخر، بالعدائية ضد الخيارات السعودية، فإن موقفا جديدا من الشأن اللبناني، يستحق إشعارا آخر، من خلال عملية تأجيل زيارة الرئيس سليمان. ومن المبكر اعتبار رد الفعل السعودي على تطورات العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران سلبيا، ذلك أن تأجيل زيارة الرئيس اللبناني، قد تهدف إلى عدم الخروج بخلاصات قد تُفهم سلبية على ما يُراد له أن يكون إيجابيا في التحول الإيراني المزعوم أو المنشود. بمعنى آخر، تعطي الرياض إشارة واضحة على استعدادها للانخراط في ما هو إيجابي إذا ما وضحت الإيجابية الإيرانية وحُسم قرارها.

قد تشكك السعودية بالأعراض الأولية التي وشى بها انتخاب حسن روحاني رئيسا للجمهورية الإيرانية (موقف الحرس الثوري السلبي من الاتصال الهاتفي بين أوباما ورحاني يؤكد تلك الشكوك). صحيح أن الرجل خص المملكة بلفتات انفتاحية لافتة، لكن الرياض ما زالت ترى أن خيارات المرشد علي خامنئي الكلاسيكية هي المهيمن على السياسة الخارجية لإيران، لاسيما في ملف حساس كملف العلاقة معها. ولئن كانت السعودية قد بادلت روحاني انفتاحه بدعوته لحج هذا العام (وهي دعوة لن يلبيها على ما أعلنته مصادر في الخارجية الإيرانية)، فإن الرياض تريد لهذا الانفتاح المعلن أن يقترن بسلوك ينسحب على ملفات عديدة، تظهر مفاعيله الأولية في مؤشرات الشأن اللبناني.

تعرف طهران أن التباشير الأولى لترطيب علاقة جافة بين إيران والغرب، لا يقارن بخصوبة تلك العلاقة وتاريخيتها بين هذا الغرب والسعودية. وتعرف واشنطن أن أي تسويات مع إيران في المنطقة، لا يمكن أن تمر دون رضى القوى الإقليمية الأساسية الأخرى، لاسيما السعودية (جدير تأمل الصحافة البحرينية القريبة من الرياض المتوجسة مما قد يحاك بين واشنطن وطهران). فإذا ما بدأ موسم الصفقات على ما أوحت به النسمات الواردة من نيويورك، فإن السعودية تتجهز لأخذ مكانها على طاولة تلك التسويات (خصوصا الخاصة بسوريا في جنيف).

اليد التي مدها أوباما نحو نظيره الإيراني اعتبرها صقور طهران انتصارا. وحده لبنان، لحسن أو سوء حظ اللبنانيين، بإمكانه أن يمثل، من جديد، ساحة سجال ميداني، قد تعِدُ بوأد الفتنة المذهبية الكبرى أو إذكائها.

العالم يراقب ضجيج روحاني الجديد. السعودية تتأمل ضجيج نيويورك الطارئ. وعلى لبنان أن يُسمع الجميع اتجاهات أصداء هذا الضجيج. وحين ينضج ذلك يقوم الرئيس اللبناني بزيارته المنتظرة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165820

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165820 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010