الخميس 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

حق العودة وقلق السؤال« الإسرائيلي»

الخميس 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par علي بدوان

ما زالت قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين تُثير القلق والرعب الكبير عند صناع القرار في الدولة الصهيونية وعند عموم مفاصل أجهزة الأمن والعسكر وحتى عند عموم التشكيلات الحزبية بما في ذلك عند الصف العريض من الأنتلجنسيا اليهودية “الإسرائيلية”، التي ترى بأن هذه القضية توازي المقايضة على مصير “إسرائيل”.
فلماذا هذا القلق، وهذا التجاهل ومحاولات النفي “الإسرائيلية” لقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون نحو (65%) من أبناء الشعب الفلسطيني ما بين الداخل الفلسطيني المحتل عام 1967 ودياسبورا المنافي والشتات...؟
إن مصدر القلق الحقيقي يقوم على الدراية الكاملة بأن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى موطنهم الأصلي سينسف الرواية والأكاذيب الميثولوجية التي بنت عليها الحركة الصهيونية أيديولوجيتها الاستعمارية الإحلالية الإجلائية، وسيفتح بالضرورة الطريق أمام الحل العادل والناجز للقضية الوطنية للشعب الفلسطيني، وسيجعل من أرض فلسطين التاريخية وطناً موحداً لكل من يعيش فوق أرضها من عرب ويهود وحتى من أقليات. تماماً كما حصل في جنوب إفريقيا عندما انهار نظام الفصل العنصري (نظام الأبارتهايد) بعد أكثر من تسعين عاماً من قيامه في تلك البقعة الجغرافية من جنوب القارة السوداء، ليصبح فيها كل الناس تحت سقف المواطنة الواحدة (والصوت الواحد للمواطن الواحد). فهدف السلام الحقيقي والشامل والتام الذي يرجوه الشعب الفلسطيني على المستوى الاستراتيجي في مسار كفاحه الوطني يتمثل بالعمل من أجل “إزالة الظلم التاريخي وعدم العدل الذي لم يسبق له مثيل والذي أصابه في نكبة 1948، وتحقيق السلام العادل الناجز على كامل أرض فلسطين التاريخية”.
ومن المعروف بأن الدولة الصهيونية وبعد قيامها على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني كانت قد أصدرت عام 1952 ما يسمى بـ “قانون المواطنة” لغاية واضحة وهي إغلاق ملف اللاجئين الفلسطينيين للأبد وإعطاء الجنسية فقط لنحو مائة وخمسين ألف مواطن فلسطيني بقوا صامدين داخل المناطق التي أعلن فيها عن قيام اسرائيل، حيث تشترط المادة الثالثة من القانون على التالي “لكي يتمتع المرء بالمواطنة في إسرائيل أن يكون متواجدًا”في إسرائيل أو في منطقة أصبحت أرضًا إسرائيلية بعد تأسيس الدولة ابتداءً من تاريخ قيام الدولة في أيار/مايو 1948، ولغاية تاريخ دخول القانون حيز النفاذ في نيسان/إبريل 1952".
وتابعت “إسرائيل” إجراءاتها حين أَقرَّ الكنيست “قانون العودة” الذي يمنح اليهود كافة، ولا أحد سوى اليهود، الحق في دخول الدولة الوليدة وحمل جنسيتها، فيما عملت في العام 2001، ولضمان أن يظل المفاوض “الإسرائيلي” متمسكاً بالإجماع الصهيوني، عملت على “إصدار قانون”التأكيد على إنتفاء حق العودة.“حيث تُعرِّف المادة الأولى اللاجئ بأنه الشخص الذي”خرج من حدود دولة إسرائيل في زمن الحرب ولم يكن مواطنًا في دولة إسرائيل، بمن فيهم المشردون سنة 1967 واللاجئون سنة 1948 أو أفراد أسرهم“. أي، حتى لو قرّر القادة السياسيون”الإسرائيليون" كفّ النظام التابعين له عن إنتهاك القانون الدولي فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين، وهو أمر مُستبعد، فإنه سيتعين عليهم الحصول على موافقة الأغلبية البرلمانية لفعل ذلك.
وعليه فإن “إسرائيل” ترفض وبعناد الاعتراف بالكارثة وبحقيقة الظلم الفظيع الذي أصاب الشعب الفلسطيني عام 1948، وترفض أن تتحمل مسؤولية ذلك هروباً من استحقاقات إزالة هذا الظلم. فيما تقف أقلية مؤتلفة في إطار “اليسار الراديكالي الإسرائيلي” المعادي للصهيونية الذي يمتلك تمثيلا لا بأس به في الجامعات “الإسرائيلية” وله مكان في وسائل الإعلام، في موقف الداعم لحل القضية الفلسطينية من كافة جوانبها وتحقيق العدالة الكاملة بتطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين وبناء الدولة الديمقراطية على كامل أرض فلسطين التاريخية.
في هذا السياق، عُقِدَ قبل أيام في “إسرائيل” مؤتمر دولي تحت عنوان “من الحقيقة إلى الإصلاح ــ عودة اللاجئين الفلسطينيين”، نظمته جمعية (مُتذكرات) على أراضي قرية (الشيخ مؤنس) العربية الفلسطينية المجاورة لمدينة يافا والتي اجتاحتها عصابات الهاجناه والبالماخ عام 1948 وطردت سكانها. وتناولت موضوعات المؤتمر في الأساس بناء “استراتيجية للدفع بالعودة قدما”، والجوانب المختلفة لتحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم التي طردوا منها عام النكبة. والمؤتمر إياه يأتي في مسارات العمل النشط من أجل إعادة الاعتبار لحق العودة للاجئين الفلسطينين بعدما اعتقد البعض بأنه بات أمراً مُستبعداً، وأن العودة ليست سوى “حلماً طوباويًّا” يراود خيال بعض الفلسطينيين اللاجئين في سوريا ولبنان.
إن قضية حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة راسخة في وجدان كل فلسطيني في الداخل والشتات بالرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون وحالة التفكك والإحباط التي تسود المنطقة عامة بشأن عملية التسوية الغارقة في الأوحال.
ومن هنا، إن إحداث تغيير حقيقي في مسار العملية السياسية يفترض بالفلسطينيين والعرب العمل من أجل إعادة النظر بمنهج المفاوضات الراهن والمستمر منذ إعلان اوسلو وحتى اليوم، وهو المنهج القائم على تجزئة القضايا فيما سمي قضايا الحل النهائي، الأمر الذي يعني في ظل استبعاد وإضعاف مرجعية قرارات الأمم المتحدة ورفض “اسرائيل” الالتزام بها، بأن صيغة الحل والدولة والتسوية ستنطلق من التعامل الجزئي مع كل قضية من قضايا الحل النهائي على حدة، ومن ثم تركيب خلاصة حلول هذه القضايا كما يتم التوافق عليها أو كما يجري بلورتها بين “إسرائيل” والولايات المتحدة لتصبح هي الصيغة الاجمالية للحل، وهذا المنهج الخطر هو الذي قاد وسيقود إلى تمييع وهبوط في سقف كل هذه القضايا وعلى رأسها قضية حق اللاجئين الفلسطينيين، حيث باتت وكأنها مسألة جمع شمل بعض الأسر الفلسطينية أو القفز عنها على شاكلة ورقة جنيف سيئة الذكر التي وقعها البعض قل سنوات وفيها المساس المباشر بحق العودة.
أخيراً، وبعد أكثر من (67) عاماً من النكبة يتجدد تمسك الفلسطينيين بحق العودة، الذي هو حق أساسي لكل انسان، وشرط ضروري لإقامة العدالة على أرض فلسطين التاريخية. فالعودة هي بمنزلة إزالة لظلم النكبة، وإقرار للعدالة على أرض فلسطين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 46 / 2165961

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165961 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010