الجمعة 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

“حماس” والهروب إلى المجهول

الجمعة 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par مأمون الحسيني

لا يبدو في الأفق ما يشير إلى إمكانية خروج حركة “حماس” من أزمتها البنيوية الشاملة التي تتعمق باستمرار على وقع اختلاط ألوان لوحة تحالفاتها العربية والإسلامية بعد سقوط التحالفات الرئيسة السابقة، وتراجع مكانتها في الأوساط الدولية عقب هزيمة مشروع “الإخوان” في مصر، واهتزازه في تونس والسودان . ويبدو أن تداعيات هذه الأزمة التي تطفو على السطح راهناً لا تقتصر على غياب مركزية القرار في أوساط الحركة كنتيجة حتمية لأخطاء وخطايا القيادة السياسية التي يتم تحميلها مسؤولية ما آلت إليه أمور “حماس” التي تجد نفسها اليوم محشورة في زوايا ضيقة، وتائهة في بحر من الظلمات، وإنما تمتد نحو آفاق أخرى لها علاقة بالتهديدات المصرية ب “رد قاس” على الحركة الإسلامية الفلسطينية “في حال تهديدها للأمن القومي المصري”، وارتفاع منسوب الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة بعد تدمير أكثر من 90 في المئة من الأنفاق، وتالياً، وصول نسبة العجز إلى نحو 250 مليون دولار نتيجة خسارة ما يوازي نحو 40 في المئة من ميزانية الحكومة المقالة التي تدفع، وفقاً لوزارة ماليتها، 37 مليون دولار شهرياً كرواتب لأكثر من 50 ألف موظف مدني وأمني، وانضمام عشرات آلاف العمال الغزيين إلى جيش البطالة في القطاع .

مشروعية هذا الاستنتاج المزعج ل “حماس” ومناصريها وحلفائها من قوى “الإسلام السياسي” التي تعتبر نفسها الوريثة الشرعية ل “دولة الأمة” التي مزقها الاستعمار، تستند إلى ركيزتين أساسيتين: الأولى تتعلق بعدم القدرة على إجراء مراجعة جدية وشاملة ومعمقة للمواقف والسياسات التي اعتمدتها الحركة منذ انطلاق ما سمي “الثورات العربية” مطلع العام ،2011 إذ وبخلاف المتوقع والمطلوب من “إخوان فلسطين” الذين هرولوا خلف نظرائهم في مصر وتونس والأردن من دون أي تدقيق أو تبصر، لم يسفر اجتماع الهيئة القيادية ل “حماس” الذي عقد، عبر الفيديو كونفرنس، في الثلث الأخير من أيلول/ سبتمبر الماضي، إلا عن مفارقات لا وظيفة لها سوى ضخ دماء جديدة في أزمة الحركة ودفعها نحو الحائط المسدود، من نمط فتح النار من قبل عدد وازن من الأعضاء على رئيس المكتب السياسي خالد مشعل وتحميله مسؤولية الوضع الرث للحركة، وعدم الموافقة، في الوقت نفسه، على رغبته في مغادرة موقعه التنظيمي والسياسي خوفاً على سمعة الحركة ووحدتها، فضلاً عن استنساخ المواقف والسياسات والتوجهات العامة ذاتها، والبحث في قضية إيجاد ملاذ آخر لمشعل الذي يعيش حالة من “البطالة” في قطر، يرجح أن يكون السودان، وفي كيفية إعادة إنتاج علاقات مرضية مع كل من إيران وسوريا و”حزب الله”، وتخفيف حالة الاحتقان مع مصر، و”دفع” عملية المصالحة الفلسطينية إلى الأمام .

أما الركيزة الثانية للاستنتاج بعدم قدرة “حماس” على الخروج من الأزمة التي تنخر صفوفها ومؤسساتها في المدى القريب، فتتصل بتخبط حكومة غزة، وعدم قدرتها على تدوير زوايا الأزمة التي تتمدد باتجاه المفاصل السياسية والاقتصادية والأمنية كافة . ولعل الأمثلة الأكثر بروزاً، في هذا المضمار، هي توجيه الاتهام لمسؤولين في حركة “فتح” وجهاز المخابرات العامة (في السلطة الفلسطينية) والسفارة الفلسطينية في القاهرة بتشويه صورة “حماس” واتهامها بالتدخل في الشأن المصري، بعد أيام قليلة على دعوة رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية للفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها “فتح”، إلى توسيع رقعة المشاركة في إدارة قطاع غزة، فضلاً عن إعادة التصويب على سلطة رام الله التي “فشلت في تحقيق الاستقلال للشعب الفلسطيني” الذي يستعد ل “انتفاضة ثالثة”، وفق ما كتب نائب رئيس المكتب السياسي ل “حماس” موسى أبو مرزوق في صفحته على “الفيس بوك”، وهو ما عنى للكثيرين بأن “حماس” لن تكون بعيدة عن أي تفجير محتمل للأوضاع في الضفة الغربية تحت مسمى “الانتفاضة” .

في موازاة ذلك، وفي مقابل العمل على إحكام القبضة الأمنية على غزة إلى أقصى حد ممكن، ولا سيما بعد إعلان حركة “تمرد” الفلسطينية الحادي عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل يوماً للتمرد على قيادات “حماس”، تحاول حكومة هنية التي تطارد كل من تعتقد أن له علاقة ب “تمرد” التي اتهمها القيادي الحمساوي صلاح البردويل بالحركة “الفاشية” و”النازية”، وتوجه التهديد لقيادات “فتح” بتحميلها مسؤولية أية تداعيات قد تنجم عن حراك هذه المجموعة التي تحاول محاكاة تجربة نظيرتها المصرية، تحاول طمأنة نفسها وأنصارها وحلفائها بأن الأمور على ما يرام، من خلال القيام باستعراضات شعبية وعسكرية مفتعلة، وبشكل لافت للنظر، في معظم مناطق القطاع .

ولأن قادة “حماس” يصرون على أن حركتهم ما زالت الممثل الأبرز والأهم ل “المقاومة الفلسطينية”، وعلى اعتبار جلّ، إن لم يكن كلّ، ما يحدث من إشكاليات سياسية واقتصادية وأمنية ليس أكثر من مؤامرة متعددة الأطراف هدفها وأد “التجربة المقاومة” في غزة، فإن ثمة أسئلة مقلقلة ومشروعة تتعلق بالموقف الصهيوني الحقيقي من حكم الحركة الإسلامية في القطاع، وسياسات “حماس” الداخلية والعربية والإقليمية، خاصة بعد تصريح قائد المنطقة العسكرية الجنوبية في جيش الاحتلال الجنرال سامي توردجمان للشبكة الثانية في التلفزيون “الإسرائيلي”، قبل أيام، بأن ما يهم كيانه في قطاع غزة هو توفر الأمن والهدوء، وأن حركة “حماس” التي تملك حالياً السلطة هناك “تعرف كيف تقوم بذلك” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2165332

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165332 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010