الاثنين 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

ماذا تبقى من وحدة المعارضة السورية المسلحة؟

الاثنين 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par د. عبد الاله بلقزيز

يزدحم الشمال السوري بوقائع الاقتتال والتصفيات المتبادلة بين الجماعات المسلحة المختلفة، من التي كانت، حتى عهد قريب، تشكل فريقاً واحداً في المواجهة العسكرية مع النظام والجيش السوري . يتدحرج خط المواجهات من القتال بين “داعش” (الدولة الإسلامية في العراق والشام) و”جبهة النصرة” و(بين) “الجيش السوري الحر”، إلى قتال بين تنظيمين مرتبطين ب “القاعدة” هما “داعش” و”جبهة النصرة” . بالموازاة، ينطلق مسلسل التفكك داخل “الجيش الحر”، فتنفصل منه ألوية لتنضم إلى “جبهة النصرة” مقدمة البيعة لها، والبقية تأتي في منحدر قد يأخذ الوضع السوري إلى مزيد من التآكل والاهتراء (في شمال سوريا ومحيط حلب خاصة) .

استهدفت المواجهات المسلحة، في مراحلها الأولى، إخراج “الجيش الحر” من مناطق الشمال (الحسكة والرقة وريف حلب . .)، من أجل أن تبسط الجماعات “الجهادية التكفيرية” سيطرتها على هذه المناطق المتاخمة للحدود السورية - التركية (تمتد في الشمال الشرقي إلى الحدود مع العراق)، بسبب الأهمية الحيوية لهذه المناطق التي توفر خطوط الدعم اللوجستي للجماعات المسلحة . ثم استهدفت، في مرحلة ثانية، فرض هيمنة الجماعات المرتبطة بتنظيم “القاعدة” على مجموع المناطق الخاضعة للمجموعات “الجهادية” . وها هي تستهدف، اليوم، إنهاء الازدواجية في تمثيل تنظيم “القاعدة” في سوريا، والتنازع على احتكار ذلك التمثيل بين “داعش” و”جبهة النصرة”، لمصلحة أحدهما، حيث بات اتساع نطاق عمل “جبهة النصرة”، والتحاق ألوية قتالية جديدة بها (كانت منتمية إلى “الجيش الحر”)، يقلقان “دولة العراق والشام”، ويضعان عقبات جديدة أمام سعيها في احتكار تمثيل “القاعدة” .

أدى خروج هذه المناطق عن سيطرة الدولة، وجيشها، إلى أثمان إنسانية فادحة على الناس والأهالي في المدن والبلدات والقرى والأحياء، التي سقطت في قبضة هذه الجماعات، فإلى أن هذه الأخيرة فرضت شريعتها الخاصة على حياة الناس، فقد بلغ أذاها مداه على غير المسلمين من المواطنين السوريين (المسيحيين)، وعلى المسلمين غير السنة، وعلى النساء من سائر الملل والنحل! هكذا أعيد إحياء أحكام الجزية على المسيحيين ممن تمسكوا بدينهم ورفضوا تغييره، أو ممن لم يقتل منهم أو يهجر، ودمرت كنائس وهدمت صلبان على غير ما قضت به تعاليم الإسلام ونبيه والخلفاء بعده (وما حصل في بلدة معلولا أخيراً قليل من كثير مما أصاب مسيحيي سوريا من تلك الجماعات التكفيرية، خاصة في الشمال وحمص) . وهكذا، أيضاً، ذبح كثير من معتنقي مذاهب أخرى في الإسلام غير مذهب الجماعات المسلحة التي كفرتهم، وأباحت دماءهم . وهكذا عادت إلى الاجتماع السوري الحديث مشاهد السبايا والأسلاب كما لو أن الجاهلية تبعث من جديد . لم يقو على رد العداء عليه، ومقاومة هذه الغائلة، سوى الحركة السياسية الكردية في الشمال، التي تمتعت بقدرة قتالية حمت بها الأهالي، والكثير من المناطق، من أحكام هذه الاستباحة الهوجاء .

ولم تخسر الدولة سيادتها وسيطرتها الأمنية على هذه المناطق فحسب، وإنما خسرت مقدراتها أيضاً: منشآت نفطية ومصانع ومطارات ومخازن سلاح وثكنات ومعابر حدودية ومؤسسات إنتاجية، خاصة في حلب عاصمة الاقتصاد السوري التي كانت تتضور جوعاً من جراء حصار الجماعات المسلحة الطويل لها، والنتيجة هذه الأزمة الاقتصادية والغذائية والمالية، التي تنهش في جسم الدولة والمجتمع، بسبب تعطل الإنتاج، وندرة المواد الغذائية، وانخفاض قيمة الليرة، ونزوح أو لجوء أعداد هائلة من القوى المنتجة خارج مناطقها، أو خارج البلد . وها هي سوريا اليوم، التي كانت قبل الأحداث، البلد العربي الوحيد، وربما البلد العالمثالثي الوحيد، الذي حقق الاكتفاء الذاتي الغذائي، تعاني ما يشبه المجاعة جراء الحرب الجارية عليها .

أما الخاسر الأكبر في هذا كله فهو “الجيش الحر” ومعه “الائتلاف الوطني السوري”، فإلى أنه فقد مواقعه العديدة في حمص والقصير وحلب وحماة وريف اللاذقية ودرعا، في مواجهة الجيش النظامي، ويفقدها اليوم في الغوطتين الشرقية والغربية في محيط دمشق، فقد مواقعه تباعاً في مواجهة “داعش” و”جبهة النصرة”، ويفقد ألويته الكثيرة التي تسارع إلى تقديم البيعة ل “القاعدة” . وها هي التنظيمات “الجهادية” تنزع شرعية التمثيل السياسي عن “الائتلاف الوطني السوري”، وتفرض عليه أن يتحول إلى مجرد متحدث باسمه فقط: باسم قسم من معارضة الخارج، وربما باسم “الجيش الحر” حصراً . وهو خسران تتحمل معارضة الخارج مسؤوليته، لأنها - ومعها “الجيش الحر” - راهنت على التحالف مع جماعات “جهادية” مستوردة من الخارج من عشرات الآلاف من المقاتلين المرتزقة، من دون أن تحسب في ذلك حساب الأمد الأبعد . ولأنها غطت أفعالها سياسياً، بل دافعت عنها حين بدأ العالم يبدي حيالها خطاباً متبرماً . من ينسى دفاع “الإخوان المسلمين” السوريين عن “جبهة النصرة”، فهو في خطأ يهمع، وضعتها أمريكا على قائمة المنظمات الإرهابية حين تبينت علاقتها ب “القاعدة” (وقد وصلت العلاقة تلك حد إعلانها البيعة لأيمن الظواهري)، لكن “إخوان” سوريا ردوا بأنها منظمة “مجاهدة” . ها هي الجماعة “المجاهدة” - وحليفاتها - “تجاهد” في المعارضة وجيشها . . وما خفي أعظم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2177512

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2177512 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40