الأحد 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

يريدون التنازلات لا التسوية

الأحد 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par د. فايز رشيد

هدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن السلطة ستستأنف التوجه للأمم المتحدة من أجل الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في المنظمة الدولية والانضمام أيضاً إلى الهيئات والمنظمات الدولية، وكان عباس قد أوقف المسألتين على ضوء استئناف المفاوضات مع إسرائيل, وتأكيد الأخيرة بأنها ستقوم بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الموجودين في سجون العدو الصهيوني منذ ما قبل اتفاقيات أوسلو. كان من المفترض أن يتم إطلاق سراحهم على ثلاث دفعات على مدى تسعة أشهر, كبادرة حسن نيّة, تبدأ الدفعة الأولى (26 أسيراً) ما قبل عيد الأضحى المبارك, لكن نتنياهو تراجع عن ذلك على ضوء تشديد شركائه الأكثر تطرفاً في الحكومة على عدم إطلاق سراحهم، وبخاصة بعد مقتل جنديين إسرائيليين في الضفة الغربية, والكشف عن اغتيال ضابط كبير برتبة عميد احتياط في منطقة غور الأردن (السبت 11 أكتوبر الحالي). تهديد عباس جاء في سياق مقابلة أجرتها معه فضائية فلسطين. كما أكد الرئيس على أن حدود عام 1967 هي حدود الدولة وأن عاصمتها هي القدس.
واقع الأمر أن رهان الرئيس عباس على تحصيل الحقوق الوطنية الفلسطينية من خلال المفاوضات مع الحكومة الأكثر تطرفاً في إسرائيل, وعلى مدى تسعة أشهر (المدة المقررة أميركياً للمفاوضات وتنتهي في مايو القادم) هو رهان خاسر, فإذا كانت عشرون سنة ليست كافية لتزحزح إسرائيل عن مواقفها المتعنتة في رفض هذه الحقوق، فهل من المعقول أن تعترف بها في غضون تسعة أشهر؟ واهم كل من يعتقد بهذا الأمر!من ناحية ثانية ازدادت اشتراطات نتنياهو على الفلسطينيين, (فقط) لإنجاز التسوية الإسرائيلية معهم شرطان رئيسيان ( وقد صرّح بذلك مراراً في الأشهر الأخيرة) هما ضرورة اعترافهم بيهودية دولة إسرائيل (أي أنها الدولة القومية للشعب اليهودي؟!) هذا أولاً أما ثانياً: فهو تخليهم عن حق العودة وبشكل علني وصريح وواضح.
الرئيس عباس يبدو أنه لا يدرك جملة من الحقائق التي كان عليه إدراكها منذ مدة طويلة ومن أبرزها:
أولاً: أن الموقف الإسرائيلي من حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية, معروف وواضح أجمعت عليه كافة الحكومات الإسرائيلية, منذ حكومة إسحق شامير أوائل التسعينيات حتى هذه اللحظة، ويتلخص فيما يلي: حدود عام 1967 ليست أساساً للتفاوض فإسرائيل أعلنت وبوضوح أن هذه الحدود لن تكون أساساً للتسوية.القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل. رفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم وأراضيهم, وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 191. إبقاء التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية, وتكون تابعة لإسرائيل.لا سيادة فلسطينية على المعابر الحدودية للدويلة العتيدة ولا على المياه الجوفية ، ولا على المياه الإقليمية ، ولا على السماء فوق مناطق الدولة حق التواجد الإسرائيلي في منطقة الغور على الحدود مع الأردن. حق إسرائيل في الدخول إلى مناطق الدولة إذا ما وجُد هناك ما يهدد الأمن الإسرائيلي الدولة منزوعة السلاح. هذه هي أهم عناصر التسوية الإسرائيلية, والكيان الصهيوني على استعداد تام للنظر؟ في التوقيع على تسوية مع الفلسطينيين إذا وافقوا على كل ما ورد , إضافة إلى الشرطين الجديدين!والسؤال هو أية دولة ستكون هذه؟ الجواب باختصار دولة مسخ؟!.
ثانياً:إن الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي وعلى رأسه نتنياهو يريد استسلاماً نهائياً وكاملاً من الفلسطينيين بدايةً, ومن ثم من كافة العرب حتى (تتكرم) إسرائيل بالتصويت على هذا القرار في الحكومة والتي في معظمها ترفض إقامة دولة فلسطينية ( حتى لو وافق الفلسطينيون على كل الشروط السابقة).لا نقول ذلك جزافاً فوزير الإسكان أوري ارييل ( رعيم حزب البيت اليهودي) وليبرمان (زعيم حزب إسرائيل بيتنا) وأطراف عديدة في الليكود, كل هؤلاء أعلنوا مراراً وتكراراً بأنهم لا يؤيدون قيام دولة فلسطينية, وأنه إن جرى طرح هذا الاقتراح في الحكومة فسيتم رفضه بالأغلبية. نعتقد أن هذه القضية يدركها القاصي والداني، والأحرى بالرئيس الفلسطيني أن يعيها تماماً, فواقع حال التحولات الداخلية الإسرائيلية بالمعنى الفعلي تسير في هذا الاتجاه. أما الأطراف التي تدّعي أنها ليست ضد قيام دولة فلسطينية مثل تسيبي ليفني مسؤولة الملف التفاوضي مع الفلسطينيين في الحكومة الحالية، فقد كانت وزيرة للخارجية في عهد حكومة أولمرت, فهل قامت هذه الحكومة بالتوقيع على إقامة دولة فلسطينية أثناء تسلمها للحكم؟ كذلك هي حكومة إسحق رابين وحكومة إيهود باراك...هل أنجزتا التسوية؟ هذا الأمر يدعونا فعلاً إلى التمحيص في مقولة أن هناك أطرافاً تشارك في الحكومات الإسرائيلية وقابلة بوجود دولة فلسطينية مستقلة (حتى ولو نسبيا)؟! أم أن ذلك هو بهدف ذر الرّماد في العيون ليس إلاّ أن هذه الأطراف تدّعي ذلك من أجل إقناع العالم بأن هناك حركة سياسية ناشطة بين الفلسطينيين وإسرائيل؟!.
ثالثاً: إن التنازلات التي يبديها الجانب الفلسطيني أو الجانب العربي لن تقود إلا إلى تنازلات جديدة , تنفتح عليها الشهية الإسرائيلية الشايلوكية النهمة فمثلاً:وثيقة بيلين - عبد ربه التي أبدى فيها الأخير تفهماً لطلب إسرائيل من الفلسطينيين التخلي عن حق العودة ,واستبدال ذلك بعودة بضعة آلاف ,والقبول الفلسطيني بتغييرات طفيفة على حدود عام 1967،والتراجع عن شرط وقف الاستيطان كثمن للعودة للمفاوضات مع إسرائيل، وتنازل مبادرة (السلام) العربية عن حق العودة وإخضاعه للمفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل , والاتفاق على هذا الأمر بينهما، كذلك ما صرّح به وفد جامعة الدول العربية في واشنطن قبل بضعة شهور من الموافقة على تبادل طفيف على الأراضي عام 1967... كل ذلك وغيره أدى إلى الابتزاز الإسرائيلي بفرض المزيد من الاشتراطات! هذه هي طبيعة الكيان الصهيوني ولن تخرج إسرائيل من جلدها!.
رابعاً: الفلسطينيون والعرب مطالبون بانتهاج استراتيجية جديدة في مواجهة إسرائيل , تتأسس على مقاومة المشروع الإسرائيلي في فلسطين, والذي لا يقتصر خطره على الفلسطينيين وفلسطين وإنما على العرب جميعاً وعلى كافة الدول العربية بلا استثناء، هذه الاستراتيجية تتوّحد بتكتيك سياسي قائم على رفض المشروع الإسرائيلي في عموم المنطقة. بديل على ذلك هو أن الكيان الصهيوني يريد تسويةً إسرائيلية فقط قائمة على التنازلات المتدرجة الفلسطينية والعربية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2165473

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165473 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010