الخميس 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

مصر: نافذة جديدة لروسيا في المنطقة

الخميس 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par د. فايز رشيد

المتتبع للسياسة الروسية بالنسبة للشرق الأوسط، يلحظ بلا أدنى شك اندفاعاً قويًّا لموسكو في المنطقة، وبخاصة بعد عوامل عديدة ساعدت على هذا الاندفاع، وأبرزها النجاح الكبير للدبلوماسية الروسية فيما يتعلق بالأسلحة الكيماوية السورية. لقد كان من الواضح أن التهديد الأميركي بتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا اصطدم بعقبات كثيرة منها ما هو داخلي ويتعلق بالأزمة المالية التي تعيشها أميركا حتى قبل إعلاق (ومن ثم فتح) بعض المؤسسات الأميركية، بفعل عدم تصديق الجمهوريين في مجلس النواب على ميزانية عام 2014 ، التي تقدمت بها إدارة أوباما. ومنها ما هو خارجي متعلق بحذر واشنطن من تبعات خوض معركة عسكرية جديدة بعد حربي العراق وأفغانستان، وتكاليفهما الباهظة على الخزينة الأميركية. الحصيلة أن المبادرة الروسية ـ الأميركية لعبت دورا في إنقاذ إدارة أوباما من تبعات هذه الضربة، فمن السهل بدء الحرب لكن من الصعب إنهاءها وهذا ما لم يفهمه أوباما عندما أعلن تهديده.
هذا الوضع فتح آفاقاً جديدة للدبلوماسية الروسية للعودة إلى مصر، وبخاصة مع المتغيرات الجديدة فيها: الموقف الأميركي مستاء من خطوات الجيش المصري، فواشنطن لا ترى بأن هذه التغييرات ستخدم العملية الديموقراطية في مصر لا على الصعيد الآني ولا المستقبلي أيضاً، هذا أولاً.
ثانياً: لقد قامت الولايات المتحدة بتجميد بعض المساعدات العسكرية إلى الجيش المصري، الأمر الذي دعا أحد الدبلوماسيين المصريين للقول بأن القاهرة ستتجه إلى البديل، وقام بتسمية روسيا. في الاعتقاد بأن الأخيرة سترحب بالخطوة المصرية، ولن تُفشل هذا اللجوء المصري إليها، فموسكو ليس لها فيتو على إرسال أسلحة متطورة إلى المنطقة وبخاصة إلى سوريا، فهي كانت قد أبدت الاستعداد لإرسال صواريخ إس 300 إلى دمشق، ووفقاً لتصريحات العديدين من المسؤولين الروس فإن روسيا ماضية في صفقتها التسليحية مع سوريا. بالنسبة لمصر تدرك موسكو التأثير الاستراتيجي المصري عربياً وإقليمياً وإفريقياً ودولياً، وهي ستسعى بكل ما أوتيت من قوة للتعامل إيجابياً مع مصر في أوضاعها الجديدة، ففي عهدي السادات ومبارك والفترة الرئاسية القليلة لمرسي، فإن موسكو غابت عن الساحة المصرية بشكل تام، وهي المهمة كثيراً لأية قوة دولية تسعى إلى إيجاد موطئ قدم لديها في المنطقة.
ثالثاً: الانفتاح الإيراني المباشر على الغرب بعد تسلم الرئيس روحاني لمنصبه في طهران، يقلل من الحاجة الإيرانية إلى الدبلوماسية الروسية للعمل كوسيلة اتصال بينها وبين الغرب. أيضاً على صعيد العلاقات الروسية ـ التركية فإن تركيا قبلت للناتو أن ينصب صواريخ باتريوت على أراضيها تحت دعاوي“حماية أمنها من سوريا”. كذلك الموقف التركي من الصراع في سوريا، وتناقضه الاسترتيجي مع الموقف الروسي. فقدان موسكو لهذين العاملين شجعها على الإسراع في مد الخيوط الجاذبة مع القاهرة، التي رحبّت بدورها بهذا التقارب. روسيا أيضاً تدرك التراجع الأميركي المتدرج في المنطقة وهي تحاول ملء هذا الفراغ.لقد كانت واشنطن قصيرة النظر في تجميد مساعداتها العسكرية إلى الجيش المصري، وذلك لأن هذه الخطوة التراجعية ستحمل في طياتها آثاراً استراتيجية في صراع قوى النفوذ في المنطقة.روسيا في فترات الرئاسة البوتينية هي غيرها في المراحل الميدفيدفية.
رابعاً: موسكو تنطلق في حساباتها السياسية من احساسها وإدراكها بنظام عالم الأحادية القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ومنظومة الدول الاشتراكية، والتي وصلت خلالها العنجهية والتفرد الأميركي إلى أقصى مدياته. روسيا تدرك أهمية أن تكون قطباً عالمياً آخر في مواجهة الولايات المتحدة، لذا فإن أية ساحة جديدة لنفوذ لها، هي مسألة ذات أهمية فائقة بالنسبة إليها. إبّان فترتي رئاسة بوش الابن ومقولته الشهيرة“من ليس معنا فهو ضدنا”وشعاره“بالحرب ضد الإرهاب” فإن الاستفزاز الأميركي لروسيا كان كبيراً. فقد أحاطت واشنطن الحدود الروسية بسوار من الصواريخ الاستراتيجية (في بولندا وجمهوريات البلطيق وغروزيا وغيرها) الأمر الذي اعتبرته موسكو استفزازاً لها، وعدواناً سافراً عليها، وفي الذهن أزمة الصواريخ في كوبا في منتصف الستينيات عندما هدد الرئيس كينيدي بالحرب النووية إذا لم تقم روسيا بسحب صواريخها من الأراضي الكوبية. اضطر خروتشوف أيامها إلى سحب الصواريخ السوفياتية، مقابل تعهد من واشنطن بعدم غزو كوبا. المقصود القول إن أميركا هددت بحرب نتيجة لوجود صواريخ سوفياتية على مقربة من حدودها، بينما تسمح لنفسها ولحلفائها الناتويين بنصب صواريخ على حدود روسيا، لو كانت الأخيرة قطباً عالمياً ثانياً لما تجرأت واشنطن والعواصم الغربية على نصب هذه الصواريخ.
بالطبع كثيرون يعتقدون بأن روسيا وحدها غير قادرة على تشكيل قطب عالمي ثان في مواجهة واشنطن، في هذا القول نمط من الصحة، لكن اهتمام الصين منصب بشكل أساسي على تحقيق قفزات كبيرة اقتصادياً، وبالفعل هي أصبحت الآن عملاقاً اقتصادياً عالمياً. ربما في مرحلة قريبة (ولكن ليس على المدى المنظور) ستبدأ اهتماماتها في تشكيل هذا القطب، ولكنها الآن هي عامل مساعد مهم لتبوؤ موسكو هذا الموقع، فقضايا سياسية دولية عديدة توحد موقفي روسيا والصين منها، والبلدان عضوان مهمان فيما يعرف“بدول البريكس”.
كل هذه العوامل وغيرها تؤكد أهمية أية ساحات نفوذ بالنسبة للدبلوماسية الروسية، فمن المقرر أن يصل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى القاهرة أوائل شهر نوفمبر القادم، للمباحثات ولترتيب زيارة يقوم بها الرئيس بوتين إليها، الأمر الذي يشي بأن العلاقات الروسية ـ المصرية تشهد انفتاحاً ملحوظاً، وهذا الأمر الذي يلقي بظلاله على المتغيرات السياسية في المنطقة وعلى الصعيد الدولي.
العلاقات بالطبع مرهونة بطبيعتها أولاً، وبالعوامل المؤثرة فيها ثانياً، والمتغيرات السياسية في بنيتي كل من روسيا ومصر ثالثاً، وبطبيعة الظرف الحالي رابعاً، والظواهر لا يمكن محاسبتها إلا في إطار ظهورها وبروزها التاريخي، ذلك بالتأكيد وفقاً للمقولة الفلسفية“من أن التاريخ لا يستطيع تكرار نفسه مرتين وإلا سيكون هذا التكرار إما على شكل مأساة وإما على شكل مهزلة”. من الصعوبة عودة العلاقة إلى ما كانت عليه في الستينيات فموسكو أيضاً تعاني من بعض عناصر الأزمة الاقتصادية، ثم إن النظامين سواء في روسيا أو في مصر مختلفان عمّا كانا عليه، وبالتالي فإن العلاقات قد تتطور ولكن ومثلما قال سيرجي فريشنين مدير قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الروسية في تصريح حديثٍ له:“إن روسيا تعتزم العمل على تطوير تعاونها مع مصر ومع ذلك فإن موسكو تفهم أنها لن تتمكن من استعادة شدة الدعم الذي منحه في حينه الاتحاد السوفياتي لمصر إننا لن نعود إلى الأيام التي بنينا بها سد أسوان”.
على صعيد العلاقات مع إسرائيل ففي الحقبة السوفياتية الماضية، وفي عهد الرئيس عبد الناصر فإن العلاقات بين موسكو وإسرائيل تميزت بالفتور الواضح، في ظل علاقات قوية ومتينة مع مصر. في العهد الروسي وبخاصة إبان تسلم يلتسين للرئاسة في روسيا، فإن العلاقات مع إسرائيل شهدت تطوراً واضحاً. فيما بعد وحينما تسلم بوتين الرئاسة فإن اتفاقيات عديدة جرى توقيعها مع إسرائيل، ولكن أصابها بعض الفتور. بالرغم من ذلك فإن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لا تزال متينة، وهذا وفقاً لما ذكرته صحيفة“معاريف”الإسرائيلية مؤخراً، والتي نشرت مقالاً طويلاً تحت عنوان“الدب الروسي يعود إلى الشرق الأوسط” أعربت فيه عن تخوف وانزعاج إسرائيل من التعاون الروسي-المصري، ومن “عودة روسيا إلى الساحة بكل الزخم” وأوضحت أن إسرائيل ترقب هذه المتغيرات بأهمية بالغة. كذلك عكست غالبية الصحف الإسرائيلية والفضائيات هذا الانزعاج من حالة أي تقارب روسي مع مصر، ومن المتوقع أن يقوم نتنياهو بافتتاح مؤتمر اقتصادي مشترك للدولتين يعقد في ديسمبر المقبل.
بالطبع مؤسف هذا التطور في العلاقات الروسية-الإسرائيلية، ولكن ما دام الفريق المتنفذ في منظمة التحرير الفلسطينية قد عقد اتفاقية أوسلو مع الكيان الصهيوني، وما دامت بعض الدول العربية قد عقدت ما يسمى باتفاقيات سلام مع إسرائيل، فهل نلوم روسيا؟ يبقى القول إننا على أعتاب مرحلة جديدة من الأهتمام الروسي بالمنطقة من خلال النافذة المصرية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 55 / 2178248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40