الخميس 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

لعبة الوقت بين «اسرائيل» والسلطة

الخميس 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par عوني صادق

في محاضرة للجنرال المتقاعد، عاموس جلعاد، مسؤول الاستخبارات السياسية في وزارة الحرب “الإسرائيلية” السابق، ألقاها في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قال: “إننا نعيش في أفضل وقت أمني بالنسبة ل “إسرائيل”، كوننا هزمنا الإرهاب، وتخلصنا من الأسلحة الكيماوية السورية، وأنهينا القدرة العسكرية النظامية العربية . . . والتزام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأمن “إسرائيل” وسلامتها لا يهتز” . وكان منطقيا أن يصل إلى النتيجة التالية: “إن الوقت ليس مواتيا لعقد صفقة سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل” .

منذ زمن بعيد بات معروفاً لكل من راقب سلوك الحكومات “الإسرائيلية”، في تفاوضها مع السلطة الفلسطينية، وتعاملها مع “عملية السلام” المزعومة، أن غرضها الأساسي كان كسب الوقت، ومزيد من الوقت، لتنفذ مخططاتها لبناء وتوسيع المستوطنات، ومصادرة الأرض، وتهويد المدن، بأقل التكاليف والحرج الدولي . وهذا الغرض “الإسرائيلي”، ومن قبله السلوك “الإسرائيلي”، لم يعودا مجرد “اتهامات” يطلقها بعض الفلسطينيين، أو بعض من ليس له مصلحة في التغطية على التلاعب والتحايل “الإسرائيليين”، بل أصبحا حقيقة واضحة جلية يراها الكثير من “الإسرائيليين” الذين لم يعد في استطاعتهم تغطية الشمس بالغربال .

ومن آخر ما قيل عن المفاوضات الجارية، ما كتبه شمعون شيفر في صحيفة “يديعوت أحرونوت” (10-10-2013)، حيث اعتبرها مجرد “إضاعة للوقت”، لأن القضايا المطروحة للبحث تشكل عائقا و”سوراً حصيناً في طريق الاتفاق”، وليقرر أنه مهما عصرت “ليمونة المفاوضات”، فلن تحصل منها ولو على نقطة واحدة . وتأكيداً لما ذهب إليه شيفر، ذكرت صحيفة “معاريف” (15-10-2013) أن المفاوضات على وشك الانهيار، والسبب تمسك “إسرائيل” بالسيطرة على الأغوار والحدود الشرقية مع الأردن، ورفضها وجود أي قوات دولية فيها، كما فهم مراسلها السياسي، شالوم يروشاليمي، من خطاب نتنياهو في الكنيست يوم 14-10 في مناسبة الذكرى السنوية لاغتيال اسحق رابين . ثم عادت الصحيفة نفسها لتؤكد في عددها الصادر يوم 17-10 أن “المفاوضات دخلت بالفعل في طريق مسدود” للأسباب المذكورة .

من جانبه، قال عمير بيرتس، الوزير بلا حقيبة في حكومة نتنياهو عن حزب “الحركة”، الذي تتزعمه تسيبي ليفني المسؤولة عن المفاوضات، للإذاعة “الإسرائيلية”: إن “مجرد إجراء المفاوضات يساهم في تعزيز مكانة “إسرائيل” في العالم، ومساعي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على التعامل مع قضية المشروع النووي الإيراني” . لكنه لم يتطرق إلى ما سببه الاتحاد الأوروبي من حرج لحكومة نتنياهو، عندما اتخذ قراراً بوقف التعامل مع المستوطنات، إذ لم تكن من حيلة للتخفيف من آثاره والالتفاف عليه غير الذهاب إلى المفاوضات، وكأن ذلك القرار جاء رغماً عن نتنياهو وحكومته .

لقد كان شرط السلطة الفلسطينية للعودة إلى المفاوضات يكاد يقتصر على وقف الاستيطان، ثم عادت إلى الطاولة متناسية هذا الشرط . واستمرت عمليات الاستيطان بتسارع أكبر، حيث أفادت “حركة السلام الآن” في آخر تقاريرها بأن الزيادة في بناء المستوطنات في النصف الأول بلغت 70% بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، ما أخرج صائب عريقات عن صمته، كما قالت الصحيفة “الإسرائيلية”، ليتهم الحكومة “الإسرائيلية” ب “إفشال المفاوضات وتدمير العملة السلمية” . ومع عودتها إلى المفاوضات، ادعت السلطة الفلسطينية أنها حققت “مكاسب” أخرى، أهمها طرح كل “قضايا الحل النهائي” على الطاولة، وتحديد سقف زمني للتوصل إلى اتفاق . أما طرح “كل” القضايا على الطاولة، فبعد ما يقرب من ثلاثة أشهر على بدء المفاوضات، لم تتم مناقشة أي قضية من تلك القضايا، باستثناء “الحدود” التي ربطت ب “الأمن”، والتي انتهى الأمر فيها إلى الدخول في الطريق المسدود، بحسب “معاريف” . أما السقف الزمني الذي تحدد بتسعة أشهر، فقد بدأ التلميح إلى إمكانية تمديد المدة مبكراً على الألسنة “الإسرائيلية” .

ومنذ البداية، صرح زعيم “إسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان، الحليف الأساسي لنتنياهو ورئيس “لجنة الخارجية والأمن” في الكنيست، أن تسعة أشهر ليست كافية للتوصل إلى اتفاق . لكنه عاد مجدداً ليعلن أنه ليس ممكنا التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين في الظروف الراهنة . والأكثر دفعاً للاستغراب هو ما جاء على لسان تسيبي ليفني “المتهمة” بأنها الأكثر حماساً للتوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية، إذ قالت: إن المفاوضات قد تمتد لأكثر من تسعة أشهر، موضحة أن النتائج الإيجابية أهم من الالتزام بالوقت الذي يجب ألا يكون مقصلة للمفاوضات . كل ذلك جعل ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، يشن حملة “شعواء” على نتنياهو قبل أسبوعين، اتهمه فيها بأنه “يريد كسب الوقت”، ومعلقاً على تصريحات ليفني عن تمديد الشهور التسعة .

وسط تلك الألاعيب “الإسرائيلية”، وتحايلاتهم الواضحة على “لعبة الوقت” لكسبه، قام الرئيس محمود عباس بجولة في بعض الدول الأوروبية لإقناعها بالضغط على حكومة نتنياهو لوقف الاستيطان ودعم المفاوضات . وأثناء وجوده في ألمانيا، قال في مقابلة تلفزيونية حول المفاوضات الجارية: “ما زلنا في البداية، ولدينا الوقت الكافي لنتابع الموضوعات الأساسية والصعبة” . وأضاف: “المفاوضات شاقة، لكنها لم تصل إلى طريق مسدود” .

هكذا يمارسون “لعبة الوقت” في تل أبيب، وهكذا يمارسونها في رام الله . في تل أبيب يفهمون الوقت فرصة لتحقيق مآربهم ومخططاتهم الاستيطانية والتهويدية، وفي رام الله يفهمونه فرصة للمراهنات وإرضاء الولايات المتحدة و”المجتمع الدولي”، فتتقدم برامج نتنياهو، وتحصل السلطة في كل مرة على قبض الريح .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2178138

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178138 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40