السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

لأمريكا أن تستعيد عظمتها من مصر

السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par نسيم الخوري

نشرت بتاريخ (5-9-2011) نصّاً بعنوان: “روسيّا ترسم مستقبلها من المنطقة”، مركّزاً فيه على سوريّا باعتبار أنّ أسماء الدول العظمى الخمس تنتهي بالألف الحاملة الكثير من المعاني والرموز . استعادت روسيّا عظمتها من سوريا، وتفقد أمريكا بعضاً من عظمتها وألفها بين سوريا ومصر . معادلة تختصر مناخ توازن السلطات في الشرق الأوسط، قد يقي العرب “خريف” فوراتهم المتساقطة، على الرغم من تلاعب أمريكا والتفريط بأوراق عظمتها بغمز الإخوان المسلمين، أو دفعهم الى التسلّح والفوضى والطائفية في مصر، باسم ديمقراطية، لن يعثر الباحث العربي على آثارها قطعاً عند فتحه ألبوم الازدواجيات المتكرّرة في سياسة أمريكا الخارجية . هذه الازدواجيات المبطّنة باستقرار “إسرائيل” تغيظ حلفاءها التاريخيين وأعداءها ومخاصميها . والأخطر أنّها سياسات شرّعت لهيباً سوريّاً حافلاً بالأسرار ومتّكئاً على مثلثٍ عربي تركي إخواني جاذب للقوى الإسلامية المتعددة المفاهيم والأغراض والتبعيّات، وهي تريد نقل سوريا إلى مصر . الآن تتشكّل مفاهيم العظمة الدولية فوق العتبة السورية التي قسّمت العالم، وكأنّها تتهادى فوق “ثورات العرب” المكشوفة نحو مصر . صحيح أنّ شعرة معاوية لا تنقطع نهائياً في علوم العلاقات الدولية، لكنّ الصحيح أيضاً إمكان الحزم العربي المستعاد، بأنّ العرب لا يقرّون وبمرارة في تشرذمهم، تلك السياسة الأمريكية الغريبة العجيبة . لم نعد نستمرئ ضحكات الدبلوماسيين والمفكرين العربيّة أو الغربيّة المصفّقة لمطابخ أمريكا السياسية والمبرّرة تلك السياسات بالإجابة الناشفة غير الشافية: هذه هي أمريكا .

نعم هذه الأمريكا تفقد أحاديتها الإمبراطورية التي أضاعت معها العالم عندما شاءت أن تحوق الدنيا بحثاً عن سؤالها العظيم:Why they hate us أي لماذا يكرهوننا؟ سؤال جمهوري، كنت من الذين أجابوا عنه، في جامعة الدول العربية في القاهرة، قبل حركية الإخوان، وبحضور عمرو موسى، بالتخوّف من حربٍ عالمية ذات هوية مختلفة عن المألوف . سؤال ستستمرّ العظمة الدولية تبحث عن جوابه، فأنت قد ترى ذبابةً تجنّن أسداً عظيماً في غابة، فماذا تنتظر من الأوطانٍ المذعورة التي قتلتها الفوضى الدموية بين الشرق والغرب باسم توصيفات حضارية أو دينية مستوردة؟

سوريا مشغولة كثيراً بتضييق معابرها على المقاتلين، ومشغولة قليلاً بجنيف العظمة الجديدة الثالثة، وهي قايضت العدوان بسلاحها الكيماوي ترميه في خانة المهملات بعدما قايضت به النووي “الإسرائيلي” . لن تنقل الحالة السورية الى مصر بعد سوريا، مصر مشغولة بمناخ التوازن الدولي الجديد . فالجيش دمغة مصر داخلياً واقتصادياً وأداة للسلطة وردّ الغزاة واحترام النفوذ المتعدّد الاتّجاهات من دون التخلّي عن مركزيته الوطنية . حتّى الحياة السياسية والحزبية تبقى مرتبطة بقوة الجيش الذي لم يهمل عن الانفتاح والتحديث .

هل نعود مجدّداً 3081 سنة الى الوراء أي الى 1258 قبل الميلاد لتوضيح الصراع على مصر وسوريا مذكّرين بمعارك رمسيس الثاني وملوك الحيثيين؟ أليست تلك المعارك هي العنوان الأبرز لوضع منطق الحرب وشروط الصلح ومعاهداته، ليس على مستوى مصر وحسب بل على مستوى العرب والشرق والمسلمين والعالم، حيث لا تزال معاهدة الصلح التي أعقبت معركة قادش في القصير آنذاك والمتكرّرة اليوم، معلّقة في الأمم المتحدة كوثيقة لأوّل معاهدة صلح في التاريخ لأضخم معركةٍ في التاريخ؟ كان المصريون أبطالاً منذ ذلك التاريخ، محفوظة في متحف عابدين أو اسطمبول . هل نذكّر بمعارك مجيدو أو حطين فى العصور الوسطى وعين جالوت والمنصورة وعكا ومرج الصفر والمغول والصليبيين، أو في العصر البطلمي حيث برز الجيش المصري أقوى جيش في العالم، وكان أسطوله البحرى سيداً للمتوسط .

أقامت معاندة مصر الوطنية داخل مثلث من القوى البريطانية- الفرنسية- التركية ممّا حدّ من قوتها حتّى فتح الفلاح ابن الفلاح أحمد عرابي نافذة تدفق عبرها الفلاّحون الى الجيش، بعدما كان ممنوعاً عليهم ذلك . وكانوا معه ممثّلين الشخصية المصرية عند إعلان ثورته مجسّداً فكر الطنطاوي وتلميذه محمد عبده الذي تردد في دعم ثورة عرابي واصفاً مكامن الخلل بالإسلاميين لا في جوهر الإسلام تماماً كما اليوم . هاجمت بريطانيا عرابي ولم تهاجم محمد علي البلقاني الغريب المؤسس للجيش المعاصر، ولعبت على التضاد القائم بين المشرق والمغرب، مسقطاً فكرة الأمة عن مصر باعتبارها مجموعات متنافرة إثنياً ودينياً وأفشلتها روح مصر ليكمل بها مصطفى كامل وسعد زغلول الأزهري والمشبع بالفرنسية الذي اعتبرته مصر منقذها من الاحتلال البريطاني . ماذا يعني هذا؟

يعني أنّ مصر بقيت هي الجيش والأزهر والحضارة المصرية والثقافة الغربية . هكذا نفهم استقلال مصر عن العثمانيين الذي حوّلها ملجأ للنخب اللبنانية والسورية ومنبراً للدعوة الإسلامية التي بلغت الذرى مع جمال الدين الأفغاني . كانت إيديولوجية محمد عبده الإسلامية الباب المفتوح الذي نفذ منه الإخوان المسلمون وصاغوه من عبده الى رشيد رضا ثم حسن البنا فسيد قطب، بما بقي يعني القطيعة الكاملة مع مصر وهي تتجدّد اليوم . لم تغيّر الأفكار حاجة مصر في حكم نفسها على الدوام ولو بحضورها العسكري .حتّى نابليون بونابرت رفع قبّعته لعظمة مصر مسقطاً قناع الغازي عن رأسه فأعجب بحضارتها، وكان همّه ليس سحبها من قبضة المماليك بل الانخراط في نفخ روح الأمة الى حدود إسلامه . وعلى الرغم من أن الأسطول البريطاني قد دمّر الفرنسي في “أبو قير” فيسيد المتوسط ،1798 لكن الفرنسيين تركوا بذوراً في ثورة محمد علي الذي ساعد في طردهم، ولكنه تماهى بثورتهم في تأسيسه لأول دولة حديثة في الشرق الإسلامي تكمن قوتها العظمى في الجيش الذي وصل عديده إلى 300 ألف عسكري . وكان “الجيش في خدمة الشعب” شعاراً لثورة 1952 أي حركة الضباط الأحرار التي وفّق فيها عبد الناصر بين العسكري والإسلامي والعروبي والوطني لتتوجّه نحو الشرق على حساب الغرب .

لأمريكا التي أحرقت أصابعها ورأيها العام العالمي مع “الإخوان” أن تتأمّل باستعادة بعضٍ من عظمتها المفقودة بتجليس سياستها في الشرق الأوسط . كان “الإخوان” منذ ثمانية عقود مرآة للازدواجيات التي أسقطت أزياءهم الغربيّة المتطرّفة المتفاقمة باستهداف الجيش المصري في سيناء بالتنغيم مع التنظيمات الأصولية والتكفيرية تحت حراك الحرية والعدالة الخارجتين في عرى مفضوح من النسيج العربي والمصري الذي يتصوّر أنّ العيون العربيّة لم تدرك سباحته لا في النيل ولا في الأوسط، بل في مجاري الصهيونية والخرائط الشرق أوسطية والأفكار الغريبة عن ديار المسلمين والعرب .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2166050

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166050 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 30


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010