السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

القلق من الأسد والتطرف

السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par د. عصام نعمان

ثمة تباين بين الرياض وواشنطن حول المسألة السورية . تجلّى ذلك مؤخراً في اجتماع “أصدقاء سوريا” في لندن . الرياض تشترط التوافق بين خصوم النظام السوري على إقصاء الرئيس بشار الأسد، وحتى على “ترحيله” إذا أمكن، قبل انعقاد مؤتمر “جنيف -2” . الولايات المتحدة لا تمانع بإقصاء الأسد في نهاية المطاف، لكنها تدعو للقبول بواقع استمراره في السلطة أثناء انعقاد المؤتمر على ألاّ يكون له لاحقاً دور في مستقبل سوريا . هذا الموقف الأمريكي جرى تبنيه في اجتماع “أصدقاء سوريا”، إذ دعا بيانه الختامي إلى “تشكيل حكومة انتقالية تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة، تشمل الأمن والدفاع والبنى الاستخبارية”، وحين يتمّ تأليف الحكومة الانتقالية فإن الأسد ومساعديه القريبين لن يضطلعوا بأي دور في البلاد” .

الرياض تعتبر هذا النص مجرد وعد غير موثق بأي ضمانة . رئيس “الائتلاف الوطني لقوى المعارضة في سوريا” أحمد الجربا وافق السعودية في رفض الموقف الأمريكي، مؤكداً أن “لا تفاوض من جهتنا إلاّ عبر ثابتة الانتقال الكامل للسلطة بكل مكوّناتها ورحيل الأسد” . لم يكتفِ الجربا برفض مؤتمر جنيف حسب القراءة الأمريكية بل طالب أيضاً “بدعم عسكري خصوصاً بالسلاح النوعي لخلق توازن على الأرض” .

موقف الجربا يعني تمديد العمل بالحل العسكري، لكن وزير خارجية أمريكا جون كيري كان ردّ مسبقاً على موقفي السعودية والائتلاف بقوله “إن الحل العسكري سيؤدي إلى مزيد من استنزاف الأرواح في سوريا لاسيما تدفق المزيد من العناصر المتطرفة وتهديد دول الجوار” .

من الواضح أن محور التباين بين الرياض وواشنطن هو الموقف من الأسد ومن المجموعات المتطرفة، وقد حددها البيان الختامي السالف الذكر بأنها “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) و”جبهة النصرة”، كما أرضى السعودية و”الائتلاف” بإضافة “عناصر من حزب الله ومقاتلين أجانب آخرين يهددون القوى المعتدلة، وكذلك سيادة البلاد والأمن الإقليمي والدولي” .

السعودية و”الائتلاف” يعتقدان أن المهمة الأولى ل”أصدقاء سوريا” يجب أن تكون “ترحيل” الأسد أو إقصاءه، فيما ترى الولايات المتحدة أن المهمة المركزية لمؤتمر جنيف يجب أن تصبح “ترحيل” الإسلاميين المتطرفين “الجهاديين” الذين لا يهددون أمن سوريا ووحدتها فحسب بل أمن دول متعددة . وتردّد أن دولاً أوروبية عدة، بما فيها فرنسا وبريطانيا وحتى روسيا، صارحت واشنطن بأن “الجهاديين” يهددون أمنها فعلاً، لا سيما بعد عودتهم من سوريا الى بلدانهم في أوروبا وغيرها .

ماذا وراء التباين بين الرياض وواشنطن، وهل يمكن حصره بمسألة الإسلاميين المتطرفين؟

للتباين أسباب أبعد من ذلك . لعل أحدها، وأبرزها، جنوح واشنطن مؤخراً إلى التفاوض بإيجابية مع طهران بشأن برنامجها النووي . الرياض تخشى أن تنتهي المفاوضات الى عقد صفقة بين الدولتين تكون على حساب أمن دول الخليج . إلى ذلك، ثمة “شعور بالإحباط لدى السعوديين”، على حد تعبير كيري، سببه إحجام الولايات المتحدة عن توجيه ضربة عسكرية الى سوريا كما كانت قد هددت .

التباين بين الرياض وواشنطن لم ينحصر بموقف سعودي من انعقاد مؤتمر “جنيف -2” بل تعداه إلى أمور أخرى لا تقل أهمية . فقد نسبت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إلى مدير الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان أنه “يخطط لتقليص التعاون الأمني مع الولايات المتحدة في تسليح وتدريب المعارضة السورية” . مصدر سعودي، لعله الأمير بندر نفسه، أشار لوكالة “رويترز” إلى أن التغيير المزمع في العلاقات مع الولايات المتحدة سيكون له تأثير في مجالات كثيرة، بينها مشتريات السلاح ومبيعات النفط، وأن جميع الخيارات على الطاولة الآن وسيكون هناك بالتأكيد بعض التأثير” .

ما يُنسب الى مدير الاستخبارات السعودية هو نتائج للتباين الحاصل وليس سبباً له . السبب يعود، بالدرجة الأولى، إلى موقف السعودية من حوار واشنطن مع إيران واحتمال توصلهما الى صفقة متكاملة يخشى المسؤولون السعوديون أن تأتي على حساب السعودية ودول الخليج . ومن الواضح أن الأمريكيين والسعوديين يتبادلون الضغوط في الملفين السوري والإيراني من أجل الحصول على تنازلات . فالرياض تساوم واشنطن بورقة المعارضة السورية المسلحة وإمكان المشاركة أو عدم المشاركة في مؤتمر “جنيف -2” للحصول على تنازلات من واشنطن لجهة مستقبل علاقتها بطهران بعد الصفقة النووية، فيما يستعمل الأمريكيون ورقة التفاوض مع إيران للحصول على تنازلات من الرياض في الملف السوري ومؤتمر جنيف .

إذا كان هذا واقع التباين والتجاذب بين الرياض وواشنطن، فماذا تراه يكون موقف أوروبا وروسيا من موضوع مؤتمر “جنيف-2” وملابساته؟

الإعلاميون الذين تسنّى لهم التحادث مع بعض وزراء الخارجية الأوروبيين على هامش اجتماع لندن لمسوا القلق المتزايد لديهم من تصاعد نشاط المجموعات الإسلامية المتطرفة في شمالي سوريا، ولاسيما تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” و”جبهة النصرة” وسيطرتهما على مواقع كان يهيمن عليها “الجيش السوري الحر” المحسوب على “الائتلاف” المعتدل بالمقارنة مع سائر التنظيمات المحاربة .

هذا القلق الأوروبي جرت ترجمته في البيان الختامي لاجتماع لندن، وخاصة لجهة المطالبة “بوقف الدعم للمجموعات المتطرفة” . فالمسؤولون الأوروبيون لا يتخوفون من أن يؤدي الانخراط المتزايد للمتطرفين إلى مزيد من “تغذية الصراع وتشكيل تهديد للاستقرار الإقليمي” فحسب بل هم لا يكتمون قلقهم أيضاً مما يحتمل أن يقوم به “الجهاديون” الأوروبيون في بلدانهم بعد عودتهم من “الجهاد” في سوريا .

موسكو هي الأخرى قلقة من نشاط “الجهاديين” في سوريا وانعكاساته السلبية المحتملة داخل روسيا نفسها، لاسيما في صفوف المجتمعات المسلمة في القوقاز . ولعل أبلغ تعبير عن قلق موسكو في هذا المجال اتهام الرئيس فلاديمير بوتين مؤخراً خصوماً أجانب لبلاده باستغلال التشدد الإسلامي لإضعاف الدولة الروسية، وذلك غداة قيام امرأة مسلمة انتحارية بتفجير نفسها داخل حافلة ما أدى إلى مقتل ستة أشخاص في بلدة “أوفا” شمال القوقاز .

ديبلوماسي أوروبي أسرّ لأحد الإعلاميين على هامش اجتماع لندن الأخير أنه لا يستبعد أن تتلاقى أوروبا وروسيا، وحتى أمريكا أيضاً، في المستقبل المنظور على تحويل مطلب ترحيل الأسد إلى مطلب ترحيل “الجهاديين” أو التعاون معه على تصفيتهم في سوريا لئلا يعودوا الى بلدانهم ويباشروا فيها “جهاداً” من طراز آخر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 54 / 2165816

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165816 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010