السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

المشروع القومي العربي: رؤية مستقبلية

السبت 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par معن بشور

لم تكن العروبة مجرد هوية قومية لجماعة من البشر يتحدثون بلغة واحدة، ويستظلون بعقيدة واحدة، ويعيشون على ارض واحدة. ويواجهون التحديات نفسها ويقاومون الأعداء ذاتهم، وتجمعهم مشاعر ومصائر ومصالح مشتركة، بل ان العروبة هي كذلك دعوة تنطوي على مشروع للنهوض بكل ما يعنيه النهوض لأمة كالأمة العربية من وحدة تتجاوز حال التجزئة، ومن استقلال يخرج المحتلين من الأرض، ومن ديمقراطية تقاوم الاستبداد والفساد والتمييز، ومن تنمية تعالج مشكلات التخلف والفقر والجهل، ومن تجدد حضاري تضرب جذوره في عمق التراث الروحي والحضاري للأمة وتورق أغصانه في جنان العصر وعطاءاته في كل مجال.
مشروع النهوض الذي تنطوي عليه العروبة هذا هو المشروع القومي العربي الذي يطمح إلى ترجمة الرابطة القومية التي تجمع أبناء الأمة إلى كيان سياسي وثقافي واقتصادي ودفاعي وتربوي واجتماعي ناهض جامع سواء كان هذا الكيان اتحادياً أو كونفدرالياً أو على الطريق نحوهما.
ولقد اختارت مجموعة من مثقفي الأمة ومناضليها العمل مع مركز دراسات الوحدة العربية على تسمية هذا المشروع بالمشروع النهضوي العربي تأكيدا على ثلاثة أمور معاً، أولها الطابع النهضوي للمشروع القومي لكي لا يُسجن في الخطاب الماضوي المغلق، وثانيها الطابع الجامع لهذا المشروع بحيث لا يبقى محصوراً بتيارات قومية كلاسيكية بل لكي يصبح ملكاً للأمة كلها بكل تياراتها ومشاربها، وثالثها الطابع المرن للمشروع بحيث يكون خاضعاً للمراجعة والتطوير في كل حين ولا يتحول إلى نص مقدس لا يمكن التعديل فيه أو مناقشته.
ولقد نجح هذا المشروع أن يجذب بعناوينه العريضة المئات من أهل الفكر والرأي والنضال في الأمة إلى التحاور والتشاور في حال أمتهم في ضوء هذا المشروع سواء في المؤتمر القومي العربي الأول عام 1990 أو في أطر أخرى تتسع لتشمل تيارات الأمة كلها، لاسيّما التيار القومي والتيار الإسلامي في المؤتمر القومي - الإسلامي، وأحزاب الأمة بأغلبها في المؤتمر العام للأحزاب العربية، كما في ملتقى الحوار العربي الثوري الديمقراطي، ومؤتمر القوى الشعبية ، والتجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة بل لتجمع الآلاف من شرفاء الأمة وأحرار العالم في ملتقيات عربية ودولية انعقدت في العديد من دول المنطقة، لا سيما ملتقى القدس الدولي الذي انعقد في اسطنبول (2007) وملتقى حق العودة في دمشق بعد عام، ثم ملتقى الجولان في القنيطرة (2009)، وملتقى دعم المقاومة العربية المنعقد في بيروت (مطلع 2010)، فملتقى نصرة الاسرى في سجون الاحتلال المنعقد في الجزائر (خريف 2010)، فملتقى الحوار العربي – الافريقي في الخرطوم (خريف 2010)، ومنتديات مناهضة العدوان الاجنبي على سوريا التي انعقدت في بيروت عامي 2011 و2013، بالاضافة الى مبادرات كسر الحصار الجوي على العراق، والحصار البحري على غزة وحملة الملاحقة القانونية العالمية لملاحقة مجرمي الحرب على العراق وفلسطين ناهيك عن 23 مخيماً سنوياً للشباب القومي العربي تنعقد كل عام في قطر عربي، وثلاث منتديات للتواصل الشبابي العربي استشرفت دور الشباب في حركة التغيير العربية قبل ثورتي تونس ومصر وبعدهما.
أيها السيدات والسادة
إن مستقبلية المشروع القومي العربي مرهونة بتوفر شروط موضوعية تهيئ التربة الصالحة لانطلاقه، وشروط ذاتية ترعى هذه الانطلاقة وتصونها وتطورها وتقودها بالاتجاه الصحيح.
فهل الشروط الموضوعية متوفرة لإحياء هذا المشروع رغم كل ما يطفو على سطح الواقع في امتنا من تعقيدات وصعوبات وعقبات لخصناها دوما بمعادلة “الاحتلال الخارجي والاختلال الداخلي”.
ثم ما هي الشروط الذاتية الواجب توفرها لكي ينطلق هذا المشروع وينتصر؟!
الشروط الموضوعية
إن أي مراقب للواقع العربي الراهن، بكل سلبياته وثغراته، لا يستطيع إلا أن يسجل جملة ملاحظات هامة تتصل بالإمكانيات الموضوعية المتوفرة للمشروع القومي العربي على غير مستوى، وفي غير مجال:
أولاً: اتضاح مأزق المشاريع القطرية والعنصرية والطائفية والمذهبية، التي ازدهر منطقها مع تراجع المشروع القومي خلال الخمسين عاماً الماضية، وانكشاف عجزها عن تقديم أي حلول للمشكلات التي يواجهها الإنسان العربي.
فالدولة القطرية المنعزلة عن تكامل قومي لم تستطع أن توفر لمواطنيها أمناً حقيقياً، سواء على المستوى القومي أو الوطني، فيما الاحتلال جاثم على الأرض والإرادة معاً، وانتهاك السيادة والاستقلال يأخذ ألف مظهر ومظهر لعل أبرزها هو الإذعان الرسمي للاملاءات الخارجية.
والدولة القطرية البعيدة عن التواصل العربي، غنية كانت ام فقيرة، لم توفر لشعوبها الحد الأدنى الناجح في تنمية اقتصادية واجتماعية تعالج مشكلات التخّلف والأمية والفقر والبطالة والهجرة والفساد الضارب في الجذور.
والدولة القطرية المحرومة من عمقها الاستراتيجي ومن دورها القومي، لم تستطع أن تصوغ علاقات سليمة داخل مجتمعاتها، فعم الاستبداد، وتفشت العصبيات المتخلفة، وتحولت المجتمعات إلى ساحات حروب أهلية بعضها معلن وبعض كامن كالنار تحت الرماد.
إن المنطق القطري أو الإقليمي الذي تفشى بعد الانفصال بين مصر وسوريا في 28 أيلول/سبتمبر 1961، منظّراً للتجزئة، ومقدساً للقطرية، يترنح اليوم تحت وطأة العجز المتفاقم لأنظمته، وتحت وطأة الاستباحة المتواصلة لأمن دوله وسيادتها واستقلالها، وبالتالي تنفتح الآفاق واسعة أمام عودة الاعتبار للمنطق القومي الجامع والمشروع القومي المتجاوز لكل العصبيات المريضة.
ثانياً: نمو الاتجاه العالمي نحو التكتلات الكبرى والتكامل الإقليمي والقاري وهو ما يجعل من الدعوة العربية إلى التكامل أو الوحدة، وهي جوهر المشروع القومي، دعوة منسجمة مع روح العصر ومع القانون العالمي السائد حيث لا مكان في عالم اليوم إلا للتكتلات الكبرى.
ثالثاً: تزايد الادراك الشعبي والثقافي والسياسي لدى أبناء الأمة العربية بمخاطر التصادم بين انتماءات متعددة للمواطن العربي الذي له اسمه وعائلته ومنطقته ووطنه ومذهبه ودينه وأمته وانتماؤه الإنساني الواسع، خصوصاً في ظل الاستباحة المتوحشة لدماء عشرات الالاف من ابناء الامة تحت ذرائع طائفية مذهبية او تكفيرية ،وأن وضع إحدى دوائر الانتماء الوطني أو القومي أو الديني أو الإنساني بوجه الأخرى هو محاولة حثيثة لإضعاف الأمة ناهيك عما تتضمنه هذه المحاولة من لوي للحقائق، وهذا ما بتنا نراه في غير ساحة عربية تواجه اوسع حملات التضليل والتحريض الطائفي والعرقي البغيض.
فالطريق لمواجهة هذا التحريض يبقى في الوعي القومي والبحث عن مشروع قومي يوحد الأمة وأقطارها ويحييها. ويصيغ تكاملاً خلاقاً بين دوائر الانتماء المتعددة للإنسان العربي.
رابعاً: اشتداد المخاطر التي تهدد الأمة العربية في وجودها واستقلالها وهويتها وعقيدتها والتي تهدد الإنسان العربي في أمنه ورزقه ومستقبل أبنائه، بما فيها توسع العدوان الصهيوني، كماً ونوعاً، كما نرى في فلسطين والعودة إلى الاستعمار القديم متمثلاً بالاحتلال العسكري المباشر للأرض العربية، كما رأينا في العراق والصومال والعدوان على ليبيا والتهديدات المتلاحقة لسوريا ولبنان بالاضافة الى الوجود العسكري الغربي في الخليج، ناهيك عن تدخل مباشر في الشؤون الداخلية لكل قطر من أقطار الأمة.
إن وحدة الوعي بهذه المخاطر تقود مع الوقت إلى وحدة النضال لمواجهتها والى وحدة المقاومة للتغلب عليها.
خامساً: اتساع نطاق الحراك الشعبي العربي، ولو بمستويات متفاوتة، لمواجهة التحديات الرئيسية التي تواجه الأمة لاسيّما التحديات الاستعمارية والصهيونية والتي تتلاقى الأمة حول خيار مقاومتها على مستوى الأمة كلها، وهي مقاومة آخذة في تطوير فعاليتها وتأثيرها، كماً ونوعاً، بما يعني انتقال المبادرة في المواجهة مع الأعداء من يد الأنظمة إلى يد الشعوب بكل ما يعنيه ذلك الانتقال من آثار حاسمة على نتائج المواجهة مع الأعداء كما أثبتت تجارب المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين والتي تشكل كلها اذرعة متكاملة لمقاومة عربية واحدة.
إن الهبات الشعبية العربية الموحدة التي شهدتها أقطارنا العربية على مدى العقود الأخيرة تضامناً مع فلسطين والعراق ولبنان وعودة بعض الحياة إلى شرايين العديد من أطر العمل الشعبي العربي، أحزاباً ونقابات واتحادات ومؤسسات مجتمع مدني الخ، تظهر أمرين في آن: أولهما وحدة الأمة في مشاعرها تجاه قضاياها وثانيهما بداية تأسيس أطر جامعة للحركة الشعبية العربية كحجر الزاوية في حركة أوسع على المستوى الإسلامي والدولي.
وهنا لا بد من الاقرار ان ما شهدته الامة على امتداد الاعوام الثلاثة الاخيرة كانت تصاعداً للحراك بوجه ثلاثية الفساد والاستبداد والتبعية من جهة أخرى، وتصعيداً للمؤامرة الصهيو – امريكية لحرف هذا الحراك عن اهدافه ولتحويله الى شكل من أشكال الاحتراب الاهلي الدموي المدمر.
الشروط الذاتية
أما على مستوى توفير الشروط الذاتية للاستفادة من الشروط الموضوعة، فان عملاً كبيرا على المستويات الفكرية والتنظيمية، وتضحيات ضخمة على المستويات العملية والنضالية، تنتظر أصحاب المشروع النهضوي العربي من اجل توفير هذه الشروط ليصبح بالفعل مشروعاً مستقبلياً ويمكن تلخيصها بالآتي:
1 - الانتقال بالعلاقة بين كل تيارات الأمة ومشاربها، الفكرية والسياسية، والمسكونة بوحدة الأمة ونهضتها، كما بالعلاقة داخل كل تيار منها، إلى مستوى عالٍ من الحوار والتواصل والتفاعل والتكامل وصولاً إلى بناء كتلة تاريخية تأخذ على عاتقها حمل لواء النهوض في الأمة وتضع حداً لحال التشرذم والتفتيت السائدة في حياتنا العربية، وتعالج كل مظاهر الاختلاف وجذوره التي قد تطفو على سطح العلاقات بين تيارات الامة او داخل كل تيار وهذا ما يحصل بشكل متدرج.
لقد صنع لنا المستعمر اتفاقية سايكس – بيكو لتجزئة امتنا إلى كيانات متباعدة ومتصادمة، ولكن علينا أن نقّر أننا صنعنا بأيدينا ألف سايكس – بيكو حين ترجمنا تجزئة الأمة إلى فعل تمزيق كياناتها بكل أنواع العصبيات الحزبية والجهوية والطائفية والمذهبية.
وكذلك قدم وزير خارجية بريطانيا بلفور وعده الشهير للحركة الصهيونية بوطن لها في فلسطين . فإذا بنا نعيش منذ ذلك الحين وعوداً عديدة قطعتها باسمنا أنظمة وقيادات من اجل تكريس الوعد المشؤوم في فلسطين وغير فلسطين وعلى حساب شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية، وابرز هذه الوعود هو تغليب عقلية الانقسام على المصالحة، والتناحر على التحاور، والتفتيت على الوحدة.
2- اعتبار المشروع القومي العربي مشروعاً للأمة بأسرها، بل مشروعا تسهم الأمة من خلاله في تأدية رسالتها الإنسانية، وبالتالي رفض حصره بجهة أو حزب أو حتى بتيار واحد بل السعي لكي يتلاقى الجميع حوله ويبنوا من خلاله اطر تواصلهم وتضامنهم وتفاعلهم.
من هنا تبرز أهمية استعمال مصطلح المشروع النهضوي العربي، كمصطلح يحرر المشروع القومي العربي من أي التباسات تعيق التفاف كل تيارات الأمة حوله، ويؤكد على الطابع النهضوي الجامع للحركة القومية العربية.
وهكذا فان المشروع النهضوي العربي ينقل العمل السياسي العربي عموماً من الاصطفافات الأيديولوجية المتقابلة إلى رحاب البرامج العملية الجامعة التي يحددها المشروع، كما ينزل الخطاب السياسي من علياء الشعارات الملتبسة والمثيرة للصراعات إلى أرضية المشاريع التفصيلية المحددة. فقد يختلف البعض على شعارات من نوع “عقيدتي هي الحل” ولكنهم يتفقون على برامج محددة لمقاومة الاحتلال أو مواجهة الاستبداد أو مكافحة الفساد.
3- قيام حملة المشروع القومي العربي بمراجعة عميقة وجريئة لأسباب تعثر المشروع في المراحل السابقة والسعي لاستخلاص الدروس والعبر لتوفير ظروف نجاحه في المستقبل.
هنا ينبغي التحذير من أن تتحول المراجعة إلى نبش أحقاد، أو فرصة لتبادل الاتهامات، أو غرق في إشكاليات سابقة، لأن المطلوب هنا هو الاستفادة من الماضي لا استعادته.
4- في هذا الإطار لا بد من الوقوف مثلاً أمام علاقة أصحاب المشروع القومي العربي بالديمقراطية والتي شهدت في اغلب الأحيان توترات والتباسات شوهت صورة المشروع ذاته، والفكر القومي نفسه، وأضعفت من صدقية أهله وجاذبيتهم لدى الجمهور الواسع خصوصاً أن الديمقراطية، وركيزتها المواطنة، هي الأقدر على تنظيم علاقات سليمة بين مكونات المجتمع، جماعات كانت أم أفراد، وخصوصاً ايضا ان الديمقراطية من الاهداف الصعب تحقيقها ولكن من السهل استغلالها لضرب التماسك الوطني والقومي للامة ولنا في هذا المجال أمثلة عديدة في تاريخنا الاقرب والابعد.
كما إن شيوع الثقافة الديمقراطية في المجتمع، وبين الجماعات والأفراد، هو الضمانة في وجه الاستبداد والاحتكار والإقصاء والإبعاد والاجتثاث، وبالتالي الضمانة بوجه التناحر الاختزالي الذي يضعف من قوة المجتمع ويمهد لتفتيته.
5- كذلك لا بد من التوقف ملياً أمام ما انتاب العلاقة بين الإسلام والعروبة من مفاهيم متوترة، ومهتزة، وملتبسة، نتيجة اجتهادات متعددة، ومصالح متناقضة، واستخدامات سياسية مشبوهة. ولقد صورت المجابهة بين بعض الحركات والأنظمة القومية منها والإسلامية بأنها صدام بين العروبة والإسلام، فيما يكشف لنا التأمل الدقيق أنها كانت صراعات سياسية وسلطوية صريحة لم ينج منها القوميون أنفسهم، كما لم ينج منها أيضاً الإسلاميون خصوصاً بعد أن رأينا نماذج من هذه الصراعات الدموية داخل كل التيارات بل والأحزاب.. والأمثلة على ذلك كثيرة.
لقد أثبتت التطورات ان الحركات الاسلامية غير المحصنة بالعروبة تتحوّل بسرعة الى حركات مذهبية وطائفية، فيما الحركات القومية والعروبية غير المحصنة بالاسلام والرسالات السماوية تتحول الى حركات فاشية وعنصرية لانها تفقد تلك الصلة التي تتيح للامة ان تتواصل وتتفاعل مع الجوار كما مع العالم من حولها.
6- ضرورة توضيح العلاقة التكاملية بين الدوائر الوطنية والقومية والإسلامية والعالمية، وتصويب الخطاب والأداء بما يخدم هذا التكامل، ورفض النظرة التي تحاول تبني أحدى هذه الدوائر لنفي الدوائر الأخرى، والسعي إلى ترجمة هذه العلاقة التكاملية عبر آليات وشبكات وملتقيات ومبادرات كالتي نسعى إليها من خلال الملتقيات العربية الدولية حول الحقوق العربية، ومن خلال مبادرات كمبادرة أسطول الحرية التي كانت الترجمة المتألقة لهذا التكامل بين الدوائر.
7- التأكيد على ربط المشروع القومي العربي العام على مستوى الأمة، برؤى وبرامج تفصيلية على المستوى القطري تتحدد وجهتها أولاً من خلال اهتمامها بالحياة اليومية للمواطنين وتقديم حلول للمشكلات التي تواجهها، ثانياً من خلال ربط هذه البرامج داخل الدولة القطرية بآفاق مفتوحة على المشروع القومي في ظل معادلة بسيطة : أن لا تشغلنا الهموم المحلية عن المهام القومية وان لا تبعدنا المهام القومية عن هموم الناس اليومية.
8- التأكيد على التواصل بين الأفكار والأقطار والأجيال لا كمجرد آلية عمل بل أيضاً كقيمة إنسانية هامة، لأن التواصل ينطوي على مبدأ احترام الآخر وقبوله والتعاون معه والتأكيد على أن الحقيقة ليست احتكاراً لأحد بل هي نتاج تواصل أفكار وأجيال وأقطار وتفاعلها.
9- التأكيد على تكامل المبادرات والجهود باتجاه تحقيق المشروع القومي والهدف الوحدوي، فالتكامل هنا، هو كالتواصل ، مبدأ ديمقراطي، وقيمة وحدوية، وفضيلة تنموية، وبالتالي فهو فعل نهضوي بامتياز لأنه يرفض الاحتكار، ويوحد الطاقات، ويبرز حاجة الواحد للآخر.
10- التأكيد على فكرة التراكم في المشروع القومي النهضوي، فالوحدة تتحقق بقدر ما يتم التمهيد لها بإجراءات وحدوية متراكمة، وكذلك الديمقراطية، والتنمية، والعدالة الاجتماعية، والاستقلال الوطني، والتجدد الحضاري، بل إن التراكم يسقط عيباً شائعاً في حياتنا العربية وهو أن الكثيرين يعتبرون أن الحياة بدأت معهم، وربما تنتهي معهم، متناسين ما سبق من انجازات، وما لحق، ومتجاهلين أن نهضة الشعوب ناهيك عن وحدتها، هي نتاج فعل تراكمي طويل.
لقد طرحنا في المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن في 28 أيلول/سبتمبر 2009 (ذكرى الانفصال المشؤوم لأول وحدة عربية معاصرة) جملة مبادرات وحدوية، داعين إلى تشكيل لجان المبادرة الوحدوية في كل قطر لتبنيها والعمل لتحقيقها، وهي مبادرة إنشاء سكة حديد على امتداد الوطن العربي (وهو مشروع أقرته قمة الكويت الاقتصادية عام 2009 وما زال ينتظر التنفيذ) ومبادرة إلغاء التأشيرات بين الدول العربية، ومبادرة إقامة مرصد للعمل العربي المشترك يواكب ويراقب ويسأل عن مصير قرارات العمل العربي المشترك وهيئاته وعن دورها ومهامها، وما زلنا نتطلع الى من يسعى لاحتضان هذه المبادرات وتوفير الامكانيات الضرورية لتجسيدها في ارض الواقع.
إن تلاقي القوى الحية في الأمة حول هذه المبادرات والعمل على تحقيقها، وهو ليس بالأمر المستحيل، من شأنه أن يشكل لبنة أساسية في صرح المشروع القومي الوحدوي في الأمة، وأن يخرج الاهتمامات الغارقة في التفاصيل المحلية، وأحياناً في الاحتراب الاهلي، الى آفاق الرؤى القومية والتطلعات النهضوية.
11- التأكيد على عمق العلاقة بين المشروع القومي والعلم والتكنولوجيا التي يجب أن تكون حاضرة في أية مراجعة، لتطوير الخطاب القومي وأدواته ووسائله بما ينسجم مع روح العصر وثوراته المعلوماتية، فعروبة المستقبل هي المستندة على تلك العلاقة المتوازنة بين الإيمان والعلم، بين الأصالة والمعاصرة، بين الجذور والآفاق، بين عمق الانتماء ورحابة الانفتاح على الآخر.
12- ومما لا شك فيه أيضاً إن المشروع القومي مدعو إلى تعميق مضمونه الثقافي وتجلياته الإبداعية، فيحصن نفسه من اجتياح السياسة للأدب والفن والفلسفة والفكر بكل تجلياته، تماماً مثلما أن المشروع القومي مدعو إلى توضيح مضمونه الوحدوي والديمقراطي والاستقلالي والاقتصادي والاجتماعي بحيث تبدو بصمات الوحدة والديمقراطية والاستقلال والتنمية المستقلة والعدل الاجتماعي بارزة في كل تعابيره الفكرية والسياسية.
13- التأكيد على إن احد ابرز سمات المشروع القومي العربي هي انه مشروع مقاوم، مقاوم للاحتلال الاجنبي واثاره، وللاختلال الداخلي وتداعياته، وذلك تجسيداً لحقيقة عززتها كل تجارب النهوض والمقاومة في الأمة كتعبير عن تلازم الاحتلال الخارجي بكل أشكاله والاختلال الداخلي بكل عناوينه، فالمقاومة وحدها تحمي مشاريع النهوض، تماماً مثلما يسلح فكرُ النهوضِ والوحدة المقاومةَ بأفعل أسلحتها وأكثرها قدرة على فتح أوسع الآفاق أمامها.
وإذا كان مشروع النهوض في الأمة هو مشروع متكامل لا يقف عند جانب من جوانب الحياة العربية بل يسعى إلى التصدي لها جميعاً، فان مفهوم المقاومة أيضاً لا يقف عند شكل محدد من أشكال المقاومة بل يسعى إلى الإحاطة بها جميعاً مدركاً أن المقاومة الثقافية وثقافة المقاومة مثلا لا يقلان أهمية عن المقاومة المسلحة، بل هما درعها وحصنها ومددها الروحي والمعنوي. فالفعل بدون فكر أعمى لا بد ان يصطدم بالحائط المسدود والفكر بدون فعل عقيم وعاجز عن التطور ولا بد ان يصبح خارج اهتمام الناس ووجدانهم.
لقد بات أعداء الأمة يدركون أن كسر شوكة الأمة لا يتم إلا عبر كسر إرادتها، وكسر إرادتها لا يمكن أن يتم دون استباحة المخزون الثقافي والحضاري والروحي للأمة، وليس من قبيل الصدف أبداً أن يكون أول أهداف الحرب العدوانية على العراق هو نهب متحفه ومكتباته بما ترمز إليه من عمق حضاري وثقافي، وان يكون علماؤه وأكاديميون، بما يشكلون من رصيد علمي وقوة كامنة، الهدف المستمر لملاحقة المحتل الأمريكي ونشاط الموساد الصهيوني.كما ليس من قبيل الصدف ان تكون اضرحة الاولياء وتماثيل الشعراء والقادة هي الهدف الاول لقوى ظلامية تسعى لأن تدمر صلة الامة بتراثها وماضيها كمقدمة لضرب صلتها بتقدمها ومستقبلها.
ومن هنا تبدو للفكر القومي العربي المعاصر مهمة تعزيز المقاومة الثقافية بكل مستوياتها، وبناء ثقافة المقاومة لا كدعوة مستمرة إلى المقاومة فحسب، بل بمعناها الأوسع كارتقاء مستمر بالمقاومة، فعلاً وخطاباً وعلاقات، إلى مستوى التحديات الراهنة.
14- ضرورة صياغة آليات وبرامج تطوير الرأسمال المعرفي في الأمة باعتبار أن مثل هذا الرأسمال بات اليوم معياراً لقوة الأمم، ولاستقلالها، ولقدرتها على الدخول في ركاب العصر، بل ولسد الفجوة التكنولوجية المتنامية بينها وبين الأمم المتقدمة.
فالتصدي لظاهرة الأمية المتفشية في وطننا العربي، حيث أكثر من ثلث أبناء الأمة أميون لا يعرفون الكتابة والقراءة، ناهيك بالأمية الحديثة، أي أمية التعاطي مع التطور الالكتروني، يجب أن يحتل الصدارة في برامج العمل القومي العربي المعاصر، وهو بهذا يستأنف تقليداً عرفته بعض الحركات القومية والتقدمية والإسلامية في بدايات نشوئها في القرن الماضي مدركة أن النهوض بالأمة لا يمكن أن يتم في ظل تفشي الأمية بين أبنائها.
وفي مقابل التصدي لظاهرة الأمية على مستوى الجماهير، يشكل التصدي لظاهرة “هجرة الأدمغة العربية” أو “لحماية العلماء العرب” أو كحد أدنى لإبقاء التواصل معهم، والاستفادة من طاقاتهم حيث هم، احد ابرز عناوين بناء الرأسمال المعرفي العربي القادر على مواجهة التحديات الراهنة، خصوصاً إذا أدركنا أن أكثر من مليون وربع عالم عربي موجودون في الخارج بينهم ما لا يقل عن 800 ألف عالم مصري حسب ما تشير المعلومات المتداولة.
وبين التصدي لظاهرتي الأمية وهجرة الأدمغة تبرز أيضاً الحاجة إلى بلورة نظرية عربية عصرية لمناهج التعليم والتربية تخرجها من حال الجمود والتخلف من جهة وتحميها من المحاولات الاستعمارية المحمومة لتشويهها وضرب أي ارتباط لها بتراث الأمة وهويتها وخصوصاً بلغتها القومية التي تكاد تكون اليوم هدفاً للعديد من المخططات الهادفة إلى ضرب عروبة الأمة ووحدتها.
إننا ندرك بوضوح عمق الصلة بين التصدي لهذه القضايا، وفي مقدمها قضية هجرة الأدمغة، وبين التصدي لمجمل الثغرات في واقعنا العربي الراهن وأبرزها ثغرة تغييب الحد الأدنى من احترام حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة، وثغرة النقص المعيب والمريب في تخصيصات مراكز البحث والأبحاث في الموازنات العربية، ومن هنا فإننا نعتبر أن الفكر القومي العربي مدعو إلى تسليط الضوء على هذه المشكلة وسبل معالجتها وان مؤسسات العمل القومي العربي مدعوة إلى العمل من اجل توفير سبل المعالجة.
وفي إطار تنمية الرأسمال المعرفي لا بد أن يعيد المشروع القومي العربي بناء مرجعية معرفية عربية إسلامية تحررنا من هذا الانسياق المبهور وراء المرجعيات الغربية التي لا يجوز تجاهلها كما لا يجوز الاستسلام لها، خصوصا أن للأمة العربية تراث معرفي كبير، وانه كما يقول الاقتصادي البارز د. زياد الحافظ: “إذا كانت مجتمعات الغرب تنتج الثروة ، فأمتنا كانت تنتج المعرفة”.
15- في موازاة مسألة تنمية الرأسمال المعرفي بكل مستوياتها وأبعادها، تنتظر المشروع القومي العربي المعاصر مسألة لا تقل أهمية عن تلك خصوصاً في مجال تعبئة طاقات الأمة وتنظيمها وتنميتها وتغذيتها باستمرار، لاسيّما حين ندرك أن دولنا، التي يفترض فيها أن تكون أوعية الاستفادة من هذه الطاقات وأقنيتها، هي ذاتها معطلة ومشلولة ومنخورة بما نعرفه جميعاً من واقع الهدر والفساد والاستبداد والاستخذاء أمام الضغوط الخارجية.
هذه المسألة يمكن تلخيصها بوصفها “بالمسألة التنظيمية” أو “إشكالية الآليات” أو قضية “البنى المؤسسية” في واقعنا العربي، الرسمي والشعبي.
إن جهداً فكرياً كبيراً يجب أن ينصب على “المسألة التنظيمية” أو مسألة “إدارة موارد الأمة وطاقاتها البشرية” التي ما تزال حتى الساعة إدارة متخلفة على المستوى الشعبي، وإدارة فاسدة على المستوى الرسمي.
لقد استوردنا في إداراتنا الرسمية والشعبية منظومات لا تتطابق بالضرورة مع حاجياتنا وخصوصياتنا ومستوى تطورنا، فأدت الاستعانة بها إلى تعثر، كما إلى شيوع نوع من الفوضى الفكرية والردة التنظيمية وصلت أحياناً إلى حدود العبث بأبسط حقوقنا وأغنى مواردنا.
فإذا لم تستطع برلماناتنا المنتخبة مثلاً أن تعبر عن طموحات الناس وآمالها، عبر العقود الماضية، فقد جرنا البعض إلى تمجيد “الانقلاب العسكري” أو “الصيغ الثورية المستحدثة” من المجالس التمثيلية التي قد تحتوي على كل أنوع التمثيل إلا تمثيل الشعب الذي قامت باسمه ومن اجله، وإذا فشلت أحزاب معيّنة في أدائها أو ممارساتها، انصب غضبنا على كل أشكال العمل الحزبي أو المنظم، وتراجعنا مرة أخرى إلى تمجيد أنواع متخلفة من العلاقات التقليدية اعتبرناها الشكل التنظيمي الأسهل والأفضل، فأدخلنا مجتمعاتنا، وبما تعانيه أساساً من تخلف وتجاذبات وانقسامات، في حلقة مفرغة تبدأ بواقع التخلف وتعالجه بأدوات التخلف ليعيد التخلف إنتاج ذاته.
ولو إن الأمر اقتصر على إدامة التخلف لأمكن تحمله، لكن اللجوء إلى العصبيات التقليدية كبديل عن المؤسسات الحديثة أخذ يحمل في ثناياه بذور تصادم هذه العصبيات ذاتها وتناحرها الدموي بما يؤدي حتما إلى ما بتنا نخشاه جميعاً من حروب أهلية متجولة من أقصى الوطن الكبير إلى أقصاه، لاسيّما في ظل هيمنة أجنبية، استعمارية وصهيونية، تدرك أن الاحتياطي الاستراتيجي الذي تعتمد عليه هو مشروع تفتيت المجتمعات العربية عبر إحلال عصبيات عرقية ومذهبية وقبلية بديلاً عن مؤسسات وطنية حديثة وجامعة.
إن مثل هذه الاستراتيجية التفتيتية التي لم تكن أدبياتها غائبة يوماً عن الوعي العربي، لم تجد من الفكر العربي عموماً، والفكر القومي خصوصاً، جهداً فكرياً وعلمياً متناسباً مع حجم المخاطر التي تنطوي عليها.
16- لقد غرق المفكرون والمثقفون العرب في أغلبيتهم على مدى عقود، وربما قرون، في نقاشات نظرية عميقة وهامة، لكنهم لم يعطوا “فكر الآليات” و “فكر الوسائل” و “فكر الأدوات” و “فكر الاستراتيجيات” بل وحتى “فكر التكتيك” ما يستحقه من نقاش، ربما لأنهم اعتبروا أن حسم النقاش النظري في مسائل كالأصالة والمعاصرة، كالأممية والقومية، كالقومية والدين، كالاشتراكية والديمقراطية، كالتنمية والعدالة، كاف وحده لاستنباط الآليات والوسائل والأدوات والاستراتيجيات الملاءمة، وهو رهان لم تثبت التطورات صحته، بل رأينا أفكاراً بالغة التقدم والتطور والرقي تفتقد إلى الحد الأدنى من آليات التنظيم والتطبيق والتنفيذ.
إن المشروع القومي العربي مدعو إذن إلى إيلاء “المسألة التنظيمية” ما تستحقه من اهتمام فكري أولاً وصولاً، إلى الصيغ والآليات العملية، وهي دعوة لا تنبع من ضرورة تحصين المشروع القومي من اختراقات متعددة تستغل الثغرات في البنى التنظيمية والآليات والوسائل فحسب، بل تنبع أساساً من أن نظرية فكرية عربية في المسألة التنظيمية تضع حدا لهذا الهدر الهائل في الطاقات والإمكانيات التي نشهده حالياً.
17- إن هناك مفارقة نلمسها جميعاً وهي ذلك الفارق الضخم بين التضحيات الهائلة التي بذلتها وما تزال امتنا في نضالها وصراعها مع أعدائها، وبين النتائج المحدودة التي تم التوصل إليها. ولا يمكن تفسير هذا الفارق إلا بأسباب يقف في مقدمها ما يمكن تسميته “بسوء إدارة موارد الأمة وطاقاتها البشرية وتضحياتها الجسيمة”، أي بتردي “المسالة التنظيمية” في حيانا العربية، وهي المسألة التي تشمل الإدارات الرسمية كما تشمل المؤسسات الأهلية والشعبية والسياسية ذاتها.
إن هذه النظرية العربية في المسألة التنظيمية ينبغي أن تكون حصيلة تأمل وتمحص في مجمل التجارب الإدارية والتنظيمية العربية، الحديثة والقديمة، كما يجب أن تكون حصيلة دراسة لمجمل التجارب العالمية، القريبة منها إلينا في الجغرافيا أو التاريخ او الحضارة أو في مستوى التطور أو حتى البعيدة عنا منها.
بل ينبغي لمثل هذه النظرية أن تتفهم بعمق المكونات المتعددة لمجتمعاتنا العربية وان تتعامل معها برفق فتسعى إلى تطويرها نحو الحداثة لا إلى تكسيرها بذريعة أنها متخلفة.
ومثل هذه النظرية مدعوة إلى الابتعاد عن الاستعجال، والارتجال، والتبسيط المخل، والتقليد المضلل، بل إلى الإدراك إلى أن الطبيعة المعقدة والمركبة لمهمات النهوض والمقاومة في الأمة تستوجب آليات وصيغ معقدة ومركبة في المسألة الإدارية والتنظيمية.
18- إن نقطة البداية في هذا البناء النظري تكمن في إعادة الاعتبار لروح المبادرة على مستوى الفرد، ولحرية الحركة للوحدة الأصغر على مستوى المجتمع الأهلي.
فالتنظيم الناجح مهمته احتضان المبادرات لا مصادرتها، وتحقيق التفاعل بينها لا وأغلاق الأبواب بوجهها، كما أن الإدارة الناجحة هي التي تكون مراتبها الأعلى حصيلة جهود وحداتها الأصغر وتواصلها، فيما بتنا نجد ظاهرة “المركزية”، سواء على مستوى الدولة أو المؤسسات الأهلية، ليست أكثر من مصادرة لروح المبادرة وتضييق الخناق على أصحابها، تماما كما بتنا نجد أن الطريق بين المراتب الإدارية والتنظيمية المتدرجة سالكة على خط واحد، أي من فوق إلى تحت بكل ما يؤديه ذلك من تجويف داخلي للمؤسسات، ومن ترهل وجمود.
هنا تبرز قضية استكمال العمل الحزبي والجمعوي بالصيغة الشبكية التي تحقق أوسع تواصل وتكامل وتفاعل بين إفراد وهيئات عاملة في مجال معيّن مستفيدة دون شك من التطور الهائل في وسائل الاتصال ونقل المعلومات.
19- كما إن مثل هذه النظرية العربية للمسألة التنظيمية مدعوة إلى التوقف بتأن وعمق أمام الإدارة الإسلامية لطاقات الأمة لاسيّما في فجر الإسلام حيث “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ”، فكيف استطاع الرسول العربي الكريم (ص) أن يعبئ طاقات ويهيئ جيوشاً، وينظم علاقات بين قوى متباينة.
والتجربة الميثاقية الاولى في حياة الاسلام كانت “صحيفة” المدينة التي كانت وثيقة لتنظيم العلاقة بين اهل المدينة ومنهم المسلمون واهل الكتاب وحتى الملحدون، ألا تستحق هذه التجربة قراءة جادة لادراك ابعادها ولاستخلاص عبرها.
ألا تستحق قاعدة شرعية مثل “لا يكلف الله نفساً إلا وسعها”، دراسة معمقة في عملنا التنظيمي، الحزبي والأهلي، التي كثيراً ما كانت تضع المناضل أو الناشط أمام احد خيارين أما أن “تعطينا كل شيء أو لا نقبل منك أي شيء”، وهما خياران يحملان في طياتهما بذور الفكرة “الشمولية” و“الاستبدادية” التي طبعت الكثير من أنظمتنا وممارساتنا، فمن يظن انه قدم كل شيء في مرحلة النضال يرى أن من حقه أن يمتلك كل شيء في مرحلة الانتصار.
20- وإذا كانت مهمة التطوير الفكري لبرنامج التراكم المعرفي وللمسائل المتصلة بالتنظيم والإدارة في الأمة العربية تندرج في إطار بناء مستلزمات القوة والقدرة العربية، فان المشروع القومي العربي مدعو أيضاً إلى الانكباب على قضية أخرى تشكل اليوم جوهر العمل النهضوي والمقاوم في حياتنا وهي مسالة توازن القوى وعلاقتها بتوازن الإرادات في عالم اليوم الذي يبدو أن المهيمنين عليه نجحوا في سلبنا الكثير من أسباب القوة لكنهم لم ينجحوا في مصادرة إرادتنا التي تعبر عن نفسها كل يوم بصيغ ومبادرات جهادية أو كفاحية او تنموية متعددة.
فبين من يسعى إلى تدمير إرادتنا بفارق القوة التي يمتلك وبين سعينا إلى تحويل إرادتنا إلى قوة تحمي حقوقنا ووجودنا وهويتنا وحضارتنا صراع ينبغي للمشروع القومي العربي أن يكتشف قوانين حركته بفكره ويرسم سبل خوض هذا الصراع بشكل ناجح، وهو ما يحول فكرنا القومي إلى علم متكامل يتناول كل جوانب حياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية فيغوص في عوامل القوة الكامنة فيها ليطورها، ويرصد عناصر الضعف فيها فيسعى إلى تجاوزها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 353 / 2165514

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165514 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010