الجمعة 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

هل يتحول العرب إلى “أمة قوارب”؟

الجمعة 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par رغيد الصلح

أطلق على الفيتناميين خلال السبعينات والثمانينات لقب “شعب القوارب”، في إشارة إلى المآسي التي اضطرتهم إلى، أو إصابتهم خلال ركوبهم القوارب للهجرة إلى دول ومناطق تقيهم من الدقع والقمع والتنكيل . هل تكون موجة الهجرة الجديدة سبباً لتجديد استخدام اللقب ولإطلاقه هذه المرة على العرب؟ هل تدفع الكوارث التي لحقت وتلحق بالمهاجرين العرب وغير العرب الذين يسعون إلى الانتقال من بلادهم إلى أوروبا أو أستراليا سبباً لتوصيفهم ب”أمة القوارب”، مع ما يحمل هذا التوصيف من ظلال قاتمة ومتشائمة؟ هل بلغت مآسي موجة الهجرة الجديدة حداً يصح معه مقارنتها بموجات الهجرة التي انطلقت من الهند الصينية؟

قد يرى في هذا الوصف مبالغة ومغالاة . ذلك أن عدد الذين قضوا من شعوب القوارب خلال عقدي السبعينات والثمانينات وصل إلى أرقام تراوح بين المئتين والأربعمئة ألف إنسان، حسب تقارير الأمم المتحدة . وبالمقارنة، فإن الذين لقوا حتفهم في مثل هذه الهجرات من البلاد العربية والإفريقية المجاورة لم يتجاوز خلال العقدين الماضيين العشرين ألفاً . من هذه الناحية كان حجم المأساة في الهند الصينية أكبر بكثير من حجم المأساة العربية . ولكن المأساة الأولى أصبحت ذكرى من التاريخ وقد حلت محلها صفحات واعدة في سجل شعوب الهند الصينية . ففيتنام اليوم تتحول إلى نمر آسيوي جديد، وكذلك لاوس وكمبوديا . أما دول الهجرة العربية فإنها تمر، كما يقول البعض، في أكثر اللحظات من تاريخها بؤساً وتعاسة، والأسباب التي تدفع بالمهاجرين إلى الهجرة تتفاقم ولا تتراجع، وبالتالي فإن المأساة مستمرة وسجل الضحايا في اتساع دائم . كل ذلك يرجح أن يكون توصيف “أمة القوارب”، وللأسف، في محله .

هناك مساع دولية وإقليمية ومحلية كثيرة لإنقاذ فلسطين من الاحتلال، وسوريا من الحرب المدمرة، وليبيا من حكم الغاب، والصومال من حال الدولة الفاشلة، والعراق من الاستبداد “الديمقراطي”، ولبنان من انزواء الدولة، والسودان من المزيد من التفكك، واليمن من العودة إلى التشظي، ولكن الأبواب تبدو مسدودة في وجه أكثر المساعي الإنقاذية، وحتى إذا نجحت هذه المساعي وتوصل السعاة إلى سلسلة من التفاهمات للخروج من الوضع السياسي الراهن، فإن تطبيق هذه التفاهمات على الأرض يحتاج إلى وقت، كذلك يحتاج نقل نتائج هذه التفاهمات من الحيز السياسي إلى الحيز الاجتماعي والاقتصادي إلى أمد أطول قد يمتد إلى سنوات . في خضم ذلك، تستمر الحوافز الملحة إلى الهجرة فاعلة ومؤثرة، ويبقى لقب “أمة القوارب” مسلطاً فوق الرأس العربي، وتبقى الأخطار المحيطة بالهجرة عبر البحار والمحيطات على حالها تهدد بارتفاع كبير في عدد الضحايا وفي تكوم جثث المهاجرين على اعتاب القيادات والهيئات والمؤسسات المعنية بقضايا الهجرة في العالم .

يسمع المرء ويقرأ الكتابات الكثيرة، خاصة باللغة الأجنبية، التي تتساءل عن سبب قيام المهاجرين بالرحلات الخطرة وغير المأمونة عبر البحار، وصولاً إلى بلاد الاغتراب، في حين أن الهجرة هي أيسر بكثير الى بلاد الجوار . ولكن هذه الملاحظات تنطوي إما على جهل أو تجاهل لواقع الهجرة في المنطقة . ذلك أن الأكثرية الساحقة من الذين هاجروا خلال العقود المنصرمة إلى خارج البلاد العربية انتقلوا إلى دول عربية مجاورة . فنسبة المهاجرين في بعض الدول العربية تصل في بعض الأحيان إلى ما يفوق الخمسين في المئة من مجموع سكان البلاد . وفي حين تتمتع بعض البلاد العربية، مثل دول الخليج، التي تفتح أبوابها أمام أبناء وبنات الدول العربية الأخرى للإقامة والعمل، بإمكانات مالية ضخمة، فإن بعض الدول العربية التي تصل نسبة المهاجرين فيها إلى ما يقارب الثلاثين أو الأربعين في المئة من عدد سكانها مثل لبنان والأردن، تعاني متاعب اقتصادية واجتماعية متفاقمة . وسواء كانت هذه الدول العربية غنية أو لا فإن قدراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على استيعات الهجرات الخارجية لا تضاهى ولا تقارن بقدرات الدول الأطلسية على استيعاب الأعداد المحدودة، نسبياً، من الهجرات الخارجية اليها . رغم أن هذه الدول الأخيرة تتوقع أن يقلع العرب شوكهم بأيديهم، وألا ينقلوا مشكلاتهم إلى الخارج عبر الهجرة . في هذا السياق نجد إدارة بوش تسمح لسبعة آلاف عراقي فقط، من الذين تعاونوا مع قوات الاحتلال الأمريكي، بالإقامة والعمل في أمريكا، بينما كان ما يقارب من المليوني عراقي وعراقية يتدفقون عبر الحدود إلى سوريا والأردن وبعض دول الخليج .

في مطلق الأحوال، تجد الدول المعنية بالهجرة نفسها مضطرة إلى النظر بجدية إلى مسألة الهجرة . ينطبق هذا الأمر على الدول المصدرة للهجرة مثل الدول العربية، أو المستهدفة من قبل المهاجرين ومن قبل شعوب القوارب، مثل الدول الأوروبية . وقد توقعت المنظمات المعنية بقضايا الهجرة أن تنكب القمة الأوروبية على بحث هذه القضية بصورة معمقة وإصدار القرارات المناسبة بصددها . لكن نتائج هذه القمة الأوروبية حول مسألة الهجرة كانت مخيبة لتوقعات المعنيين بهذه المسألة، إذ أعلن القادة الأوروبيون إرجاء اتخاذ أية قرارات بهذا الصدد إلى القمة الأوروبية المقبلة في نهاية هذا العام . وخلال هذه الفترة فإنه من المرجح أن يعتمد الاتحاد الأوروبي تقوية “وكالة فرونتكس” التي استحدثتها المفوضية الأوروبية من أجل ضبط الأمن الحدودي . وتقول منظمات حقوق الإنسان الأوروبية إن صلاحيات هذه الوكالة تنحصر في تطبيق التشريعات الأوروبية الراهنة في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية . بالمقابل فإن هذه الصلاحيات لا تشمل مراقبة الحدود البرية والبحرية بقصد الحيلولة دون تكرار حوادث غرق زوارق المهاجرين، وإنقاذ المهددين منهم بالغرق . وإذ تدعو هذه المنظمات الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة سياسته تجاه الهجرة، فإنها تخشى أن يكون تأجيل النظر في هذه القضية مقدمة لاستمرار غلبة المنظور الأمني على سياسة الاتحاد تجاهها بعد أن تمر عاصفة الانتقادات والتفاعلات التي اعقبت مأساة غرق اللاجئين على مقربة من مدينة لامبيدوسا .

كانت الانتقادات الموجهة إلى جامعة الدول العربية أكبر بكثير من الانتقادات الموجهة إلى الاتحاد الأوروبي بسبب إخفاق الجامعة في النظر الجاد في قضية المهاجرين وفي بحث أية حلول لها . لقد وصف، انريكو ليتا، رئيس الحكومة الإيطالي، قضية المهاجرين بأنها قضية أوروبية وليست إيطالية أو إسبانية أو يونانية، ومن ثم وجبت معالجتها في الإطار الأوروبي . ولكن الحقيقة أن هذه القضية هي عربية أيضاً، بل هي عربية أولاً، إذ إن العدد الأكبر من الضحايا الذين سقطوا خلال العقدين الماضيين والبالغ ما يقارب العشرين ألفاً من المهاجرين هم من العرب . ويحتل العرب - كما كان الأمر عام 2012-المرتبة الأولى من بين المهاجرين الذين يطلبون اللجوء السياسي في أوروبا . ورغم ذلك فشلت الجامعة في اتخاذ أي قرار بصدد مسألة المهاجرين العرب حتى ولو كان رمزياً، كما فعل الاتحاد الإفريقي عندما أعلن يوم الثالث من شهر أكتوبر/تشرين الأول يوم حداد قاري تكريماً لذكرى الضحايا الذين سقطوا على شواطئ بلدة لامبيدوسا الإيطالية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2178098

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178098 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 28


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40