السبت 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

تراجع أوروبي متوقع

السبت 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par عوني صادق

كلما وصل حديث السياسة إلى أوروبا، كرر المتحدثون ما سبق لهم أن قيل منذ سنين، من أن أوروبا “عملاق اقتصادي، وقزم سياسي”! وفي هذه الأيام تتأكد هذه الحقيقة من جديد، حيث تبدو أوروبا مجرد عربة في قطار السياسة الأمريكية . ولا ندري إذا كانت فضيحة التنصت الأمريكية على الزعماء الأوروبيين ستغير شيئاً .

الموقف الأوروبي من المستوطنات “الإسرائيلية” في الأراضي العربية المحتلة في حرب يونيو/حزيران 1967 قديم ومعروف، وهو يعتبر كل هذه الأراضي محتلة وخارج حدود “دولة “إسرائيل””، وبالتالي فإن كل ما يطرأ عليها من تغييرات مناف للقانون الدولي وغير شرعي، وأول ذلك المستوطنات . مع ذلك، وبالرغم مما يملكه الاتحاد الأوروبي من أوراق ضغط على الكيان الصهيوني، فإنه لم يتخذ قراراً واحداً ضد هذه المستوطنات ونفذه بالفعل، مع أنه أعرب عن عدم اعترافه بشرعيتها أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة .

ففي أواخر يونيو/ حزيران الماضي، اتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً يقضي بحظر تمويل المستوطنات “الإسرائيلية” في الأراضي العربية المحتلة، أو الاستثمار فيها، أو تقديم منح لها . وأكدت الوثيقة التي وزعتها المفوضية الأوروبية بخصوص هذا القرار، أن الهدف منه هو تأكيد عدم اعتراف الاتحاد الأوروبي بالسيادة “الإسرائيلية” على تلك الأراضي، تمشياً مع القانون الدولي . ونتيجة لذلك، ثارت ثائرة الحكومة “الإسرائيلية”، وانتقلت فوراً من الدفاع إلى الهجوم فأصدر وزير الأمن “الإسرائيلي” موشي يعلون أمراً للمؤسسة العسكرية “الإسرائيلية” بوقف التعاون مع مندوبي الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، وعرقلة تحركاتهم منهما وإليهما وفيهما . وهدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعدم توقيع الاتفاق الخاص بالتعاون العلمي مع الاتحاد الأوروبي المعروف باسم (هورايزون 2020)، إن تضمن شيئاً يمنع الدعم والاستثمار مع جهات تتعامل مع المستوطنات بشكل مباشر أو غير مباشر .

لقد رأى “الإسرائيليون” في تنفيذ القرار المذكور أضراراً كثيرة وكبيرة لكيانهم . فقد وصفت رئيسة الأكاديمية “الإسرائيلية” للعلوم، البروفيسورة روث أرنون، تلك الأضرار في رسالة إلى نتنياهو بأنها “كارثية”، إذا لم يوقع على الاتفاق . لكن أوساطاً سياسية “إسرائيلية” رأت في تنفيذ القرار ما هو أخطر، حيث وجدت أن المعنى الحقيقي للقرار هو البدء بفرض مقاطعة على “إسرائيل” بالتدريج، وليس فقط على المستوطنات . وتتمثل المشكلة بالنسبة إلى هؤلاء، في أن قبول “إسرائيل” بالقرار الأوروبي يعني الاعتراف بحدود الرابع من يونيو/ حزيران ،1967 ما يجعل المستوطنات خارجها، في حين أن رفضه يعني خسارة مليارات اليوروات من الدعم، فضلاً عن تضرر مكانتها السياسية . وهناك من يرى أن القرار يأتي في سياق محاولات “نزع الشرعية” عن الكيان .

في هذه الأثناء، وفي إطار الحملة “الإسرائيلية” على القرار ومن وراءه، كشفت صحيفة (هآرتس- 8/9/2013)، أنه أثناء انعقاد القمة التي عقدت في بطرسبرغ الروسية، مارس وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، ضغوطاً كبيرة على 28 وزير خارجية أوروبياً لتخفيف نطاق المقاطعة والحد من آثاره وتخفيف القيود التي يفرضها حتى يتسنى للكيان الصهيوني المشاركة في مشروع البحث العلمي (هورايزون 2020) . ونقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع في الخارجية الأمريكية قوله إن وزراء الخارجية الأوروبيين الذين التقاهم كيري قرروا الاستجابة لمطالبه .

من جهة أخرى، قالت صحيفة إياها، إن مسؤولاً رفيعاً من المفوضية الأوروبية زار الكيان الصهيوني مؤخراً، وطمأن الجانب “الإسرائيلي” وأبلغه أن الاتحاد الأوروبي سيجد حلاً يتيح اسمتمرار التعاون مع “إسرائيل” في المشروع العلمي (هورايزون 2020) على الرغم من القيود التي سبق وأن تضمنها قراره السابق على الشركات والمؤسسات والجهات التي ترغب في المشاركة في المشروع . وأضافت الصحيفة، أن “إسرائيل” والولايات المتحدة تمارسان ضغوطاً كبيرة على وزيرة خارجية الاتحاد، كاترين أشتون، لهذا الغرض . وذكرت الصحيفة، أيضاً، أن نقطة الخلاف الأخيرة تدور حول طلب الاتحاد الأوروبي أن تتعهد الجهات “الإسرائيلية” المعنية بتقديم تصريح يؤكد أنه ليس لها أي نشاط داخل المستوطنات .

وكانت صحيفة “معاريف”، ذكرت أن الاتحاد الأوروبي يتعاون مع الكيان الصهيوني لإيجاد حل يمكن عملياً من الالتفاف على القرار المتخذ بشأن تمويل الجهات التي تتعامل مع المستوطنات . وأفادت الصحيفة، أن العمل جار بين الطرفين لإيجاد طرق بديلة للالتفاف على القرار المذكور . وقد اقترح الجانب “الإسرائيلي” أن تعلن كل جهة ترغب في الحصول على الدعم المالي، ضمن المشروع الأوروبي المذكور، بأنها تلتزم باستثمار الأموال فقط داخل حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 . وواضح أن الموافقة على هذا الاقتراح يعني تفريغ القرار الأوروبي من مضمونه السياسي الذي أكدت عليه وثيقة المفوضية الأوروبية .

في المقابل، اقترح الاتحاد الأوروبي، عرض التمويل لمؤسسات وجهات “إسرائيلية” لها نشاط محدود في الأراضي المحتلة، كالمصارف وشركات الوقود وصناديق المرضى، وشبكات التسويق والمراكز الأكاديمية، لغرض المشاركة في المشروع، وهكذا يكون بمقدورها تجاوز القيود الحالية . ويسعى الطرفان الآن للتوصل إلى “حل”، أو على الأصح “حيلة” تحل المشكلة قبل أن يبدأ سريان مفعول القرار وقيوده في يناير/كانون الثاني 2014 .

وفي الحالتين والاقتراحين، يعترف الطرفان، الأوروبي و”الإسرائيلي”، بأن الغرض من هذا التحايل هو إلغاء الهدف من القرار، وأنه في حال قبولهما لأي من الاقتراحين، يكون الاتحاد الأوروبي قد اتخذ قراراً ثم تراجع عنه لمصلحة الكيان الصهيوني وسياسته التوسعية ومخالفته للقانون الدولي، أو بعبارة أخرى لمواصلة سياسة قامت على تجاهل الاحتلال، وعملياً تأييد استمراره .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2182036

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2182036 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 44


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40