الاثنين 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

عجلة الاستيطان أسرع من عجلة التفاوض

الاثنين 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par محمود الريماوي

الفشل الذي منيت به المفاوضات الفلسطينية الصهيونية كان أمراً محتماً . لذلك لم يفاجأ أحد بهذا الفشل، ولم يعلق أحد على الفور على هذه النتيجة باستثناء بيان مقتضب لمنظمة التحرير أعلنت فيه عن اللجوء إلى اتخاذ خطوات في الأيام المقبلة رداً على تصعيد الاستيطان . كان الأمر سيحمل مفاجأة لو أن المفاوضات حققت تقدماً ما . ولا شك أن القيادة الفلسطينية نفسها لم تكن تساورها أوهام حول تجديد المسار التفاوضي مع حكومة نتنياهو . فما الذي دفعها اذن لمعاودة التفاوض؟

ما حملها على ذلك هو بالدرجة الأولى ضغوط أمريكية مارسها الوزير جون كيري، في وقت أغلقت فيه السلطة على نفسها أية خيارات ذاتية بديلة . والإنصاف يقتضي القول أن المفاوض الفلسطيني أبدى صموداً في هذه المفاوضات وسط تجاهل إقليمي ودولي، تجاهل أو انشغل بقضايا ساخنة أخرى، لا فرق . . فالنتيجة واحدة .

يعود الفشل إلى تمسك الاحتلال بمشاريع الغزو الاستيطاني للضفة الغربية وتعمد إهانة الوفد المفاوض الفلسطيني بالإعلان عن الاستعداد للشروع في بناء 1500 وحدة استيطانية خلال المفاوضات . علاوة على ما يشكله الاستيطان من افتئات على الحقوق الفلسطينية في جميع الأحوال وفي كل الأوقات . وقد تصاعدت هذه الموجة من الإهانات مع تسريب مصادر إعلامية صهيونية بأن الإفراج عن عشرات من الأسرى هو لقاء مواصلة الاستيطان، وذلك وفق مقايضة مع السلطة الفلسطينية! وهو ما سارعت السلطة لنفيه نفياً قاطعاً . في واقع الأمر ان الإفراج عن الأسرى (52 أسيراً حتى الآن من أصل 104) كان مقابل استئناف التفاوض وهي الصفقة التي أبرمها كيري من وراء ستار .

الآن يستعد رئيس الدبلوماسية الأمريكية ضمن جولته الجديدة في المنطقة للقاء الجانب الفلسطيني في بيت لحم يوم غد (الثلاثاء) وذلك في أول تفاعل مع المبادرة لوقف التفاوض من الطرف الفلسطيني . ولا يحتاج المرء للتنبؤ بأن كيري لن ينجح في ملامسة المعضلة القائمة، وأنه سيكرر مواقف لفظية ناقدة للاستيطان، وغير مرتبطة باتخاذ أية إجراءات ضد السياسة الاستيطانية، مع وعود استرضائية للسلطة بتقديم بعض المعونات الأمريكية لها، ودعوة الاحتلال للتخفيف من إجراءاته التضييقية على مواطني الضفة الغربية .

شيء مثل هذا حدث في الماضي مع الوزيرة كلينتون، وكونداليزا رايس! فكل وزير خارجية أمريكي يضغط باسم إدارة بلاده من أجل استئناف التفاوض ولا يرحب بالاستيطان، فتدور عجلة المفاوضات ولا تلبث أن تتوقف لأن عجلة الاستيطان أسرع منها، ونتائجها على الأرض ملموسة أكثر من سجالات التفاوض الدائرة في غرف مغلقة . ومن العبث الاستمرار بالدوران في هذه الحلقة المفرغة، التي لا يتبدد فيها الوقت فحسب، بل تنسحب الأرض من تحت اقدام المفاوضين وشعبهم .

البديل لذلك هو بناء استراتيجية صمود وطني، تتمسك بالحقوق المشروعة والأهداف الثابتة وتعمل على انتزاعها . وإذا كانت السلطة قد أصابها هرم مبكر وكذلك الحال مع بقية الفصائل، فإن المجتمع الفلسطيني برمته، وبقواه الحية على الخصوص مدعو للأخذ بهذا التوجه بدلاً من الانشغال المديد ب: هل نتفاوض أم لا؟ ففي نهاية الأمر وفي أجود الأحوال فإن المفاوضات هي وسيلة سياسية وليست غاية أو قضية قائمة بذاتها، ولا يعقل أن يطغى الاهتمام بوسيلةٍ ما على الأهداف والغايات الوطنية، التي تستحق ان تكون محور كل انشغال .

لم يخفف الاحتلال من نزوعه التوسعي والعدواني منذ بدء مسيرة أوسلو، علماً بأن هذه المسيرة ليست هي المسؤولة عن تواصل هذا النزوع، بمفاوضات ومن دونها . . بأوسلو ومن دونه، فإن القوى الأكثر يمينية وتطرفاً ماضية في نهجهها بابتلاع القدس والضفة الغربية ومنع نشوء كيان فلسطيني مستقل على الأرض المحتلة منذ العام 1967 . وليس من قبيل المصادفة أن يتم الإعلان عن المزيد من الخطط الاستيطانية، بالتزامن مع تجدد حملة عسكرية شرسة على قطاع غزة رغم انخفاض أعمال المقاومة انطلاقاً من القطاع انخفاضاً ملحوظاً . إذ بذلك تكتمل الممارسة الصهيونية الثابتة بالاستيلاء على الأرض من جهة، ودوام التنكيل بالشعب الرازح تحت الاحتلال من جهة ثانية، ولا بأس خلال ذلك بل من الأفضل أن تكون هناك مفاوضات لا أفق ولا نهاية لها، فإذا ما أوقفها الجانب الفلسطيني يصبح وفق الدعاية الصهيونية غير جاد في نواياه السلمية!

بهذا تتبدى عبثية التعامل مع المفاوضات كسلاح سياسي رئيسي، فمن شأن ذلك أن يطمس واقع الصراع ومتغيراته، ويسمح للعدو باستغلال التفاوض لمواصلة تنفيذ مخططاته، فالأصل أن تنشأ حالة وطنية دينامية تستجيب لتحدي الصراع ومناهضة الاحتلال، وأن تقود هذه الحالة إلى القبول بالتفاوض أو رفضه وفقاً للمصالح الوطنية العليا في كل مرحلة .

يبدو هذا الاستخلاص نظرياً للأسف، فالسلطة مكبلة بالتزامات وقيود، وبنيتها لا تسمح بخوض صراع سياسي حازم . وبقية الفصائل تركن إلى أساليب إصدار البيانات والتحشدات الموسمية الظرفية لرفع راية هذا التنظيم أو ذاك، وهو ما يؤشر إلى أزمة عميقة تشهدها الحركة الوطنية الفلسطينية “التقليدية” والعصية على التجدد، في وقت يمتلك فيه المجتمع الصهيوني زخماً عقائدياً عدوانياً تتجدد معه أجياله، كما تتجدد وسائل تواصله مع العالم ومع الجاليات اليهودية في كل مكان .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165488

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165488 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010