السبت 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

ومتى كان الموقف الصهيوني جيداً؟!

السبت 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par د. فايز رشيد

وصف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبدربه, الموقف الإسرائيلي من المفاوضات “بالأسوأ” منذ عشرين عاماً.عبد ربه يبرر ذلك :بأن الإسرائيليين يريدون الأمن - حسب مفهومهم -أولاً, وأن يكون ترسيم حدود دولة فلسطين خاضعاً للاحتياجات والضرورات الأمنية «الإسرائيلية» التي لا تنتهي, والتي من شأنها تقويض إمكانية إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.وبحسب عبد ربه فإن إسرائيل تسعى إلى كسب الوقت والمماطلة لتوسيع الاستيطان , وفرض وقائع جديدة على الأرض تنسف المفاوضات وتدمر إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة.
الذي نسأله عبد ربه ما يلي: متى كان الموقف الإسرائيلي غير الذي هو عليه؟ ولعلم عبد ربه فإن إسرائيل مثّلت في كل مفاوضاتها مع الفلسطينيين ما يصرّح به قادتها, فالأمن هوالمسألة الكبرى لإسرائيل, وكذلك الاستيطان, وإبقاء القدس موحدة باعتبارها “العاصمة الأبدية لإسرائيل”, مع رفض مطلق لحق العودة ولسيادة الدولة الفلسطينية العتيدة. الذي لا يريد أن يفهم ما تقوله إسرائيل دائماً وأبداً هم أهل السلطة الفلسطينية أولاً،والعرب ثانياً. ولذلك فإن من لا يدرك حقيقة إسرائيل وموقفها من التسوية سواء أكانت في جانبها الفلسطيني أو في الآخر العربي لا يقرأ المواقف الإسرائيلية, والتي لم تتغير منذ مؤتمر مدريد مروراً بأوسلو ووصولاً إلى الوضع الحالي، ولا يعرف استراتيجيتها وتصوراتها للمنطقة. إن الذين يراهنون على إمكانية جنوح الدولة الصهيونية “للسلام العادل” خاطئون في رهانهم لأن إسرائيل تريد استسلاماً رسمياً فلسطينياً اولاً وعربياً ثانياً.
لقد ضغطت الولايات المتحدة على السلطة الفلسطينية من أجل العودة للمفاوضات مع إسرائيل، الضغوطات الأميركية تمارس على الفلسطينيين وليس على الإسرائيليين, هذه حقيقة أكيدة، أثبتت صحتها, العشرون سنة الماضية, فالمواقف الأميركية كانت خلالها إلى جانب الطلبات الإسرائيلية قلباً وقالباً. واشنطن لم تُجبر إسرائيل على وقف الاستيطان حتى خلال المفاوضات. بالتالي كل من يراهن على إمكانية قيام ضغوط أمريكية على تل أبيب،مخطئ في رهانه ووجهة نظره،وهو لم يستفد بالتأكيد من دروس المرحلة الماضية.إن إسرائيل لن تعترف بالحقوق الوطنية الفلسطينية ما لم تُجبر بالقوة على هذا الاعتراف، والقوة لها أسبابها بالطبع وعنوانها: المقاومة , وهو ما لا تريد السلطة الفلسطينية ممارسته أيضاً، وتعتبره“عُنفاً غير مشروع” بل تعتبره “إرهاباً” وفقاً لرئيسها محمود عباس. الدولة الفلسطينية بالمفهوم والمواصفات الفلسطينية لها لن تتأتى من خلال موازين القوى الحالية بين إسرائيل من جهة والفلسطينيين والعرب من جهة أخرى. إنها تميل للصالح الإسرائيلي, وليس هناك من تغيير فيها على المدى القريب المنظور, ما لم تتغير استراتيجية الرؤية الفلسطينية والعربية للمشروع الصهيوني في المنطقة، وما لم تتغير السياسات التكتيكية تجاه هذا المشروع. لنعترف: ليس من ضغوطات عليها أو خسائر تتكبدها إسرائيل من وضعية احتلالها الحالي للمناطق المحتلة و“السلام” بالنسبة إليها له مفهومه الخاص والذي يُختزل في جملة واحدة: الأمن الإسرائيلي أولاً وثانياً وأخيراً.
على صعيد آخر ووفقما تشير المصادر والأنباء فإن ضغوطاً أميركية تمارس حالياً على الجانب الفلسطيني للقبول باتفاق مرحلي يؤلف بين الموقف الإسرائيلي المتعنت ومقترحات كلينتون, ما يشكل سقف مطالبة في تسوية نهائية تتوجها جلسات التفاوض، الممتدة منذ أشهر تقريباً. المقصود بمقترحات كلينتون تلك الأفكار التي قدمها في اجتماعات طابا بين الإسرائيليين والفلسطينيين في العام 2001 , والتي تقوم على ضم الكتل الاستيطانية الكبرى إلى إسرائيل, مع تبادل في الأراضي وترتيبات لوضع القدس باعتبارها مدينة مفتوحة للجميع، وبالتأكيد رفض حق العودة. كما يجري الحديث عن إعلان مبادئ أو اتفاق إطار يتم تنفيذه خلال ثلاث سنوات. هذا في الحين الذي ترفض فيه إسرائيل مبدأ تبادل الأراضي الذي وافق عليه الفلسطينيون والعرب, والتأجير لأراض في منطقة غور الأردن لإسرائيل مدة 40 عاماً.
أما الطلبات الجديدة من السلطة، تماماً مثلما صرّح نتنياهو مراراً بأن لا تسوية مع الفلسطينيين ما لم يعترفوا“بيهودية دولة إسرائيل.” إضافة إلى أن القدس ستظل بالمفهوم الصهيوني خاضعة للسيادة الإسرائيلية, فإسرائيل ضمت القدس بقرارات من الكنيست, وسنّت قوانين كثيرة تمنع أي حكومة حالية أو قادمة من الانسحاب من الجزء الشرقي منها. إضافة إلى موافقة إسرائيل على استئجار أراضي غور الأردن، ويجدد ذلك تلقائياً والحالة هذه ماذا يتبقى للفلسطينيين من حقوق؟ عملياً:لا شيء؟! إذن فإن الولايات المتحدة وبحلها الوسطي هذا فإنها أقرب إلى الموقف الإسرائيلي من التسوية! والضغوطات والحالة هذه لم تُمارس على الإسرائيليين بل على السلطة الفلسطينية لإبداء المزيد من التنازلات لصالح الحل الإسرائيلي الذي هو بتعيير آخر“حماية الأمن الإسرائيلي”.
هذا لا يعني انسداد باب الأمل أمام الفلسطينيين بل, بإمكانهم مواصلة طريق المقاومة وتحويل المشروع الاحتلالي الإسرائيلي إلى مشروع خاسر بالمعنيين الديموغرافي والاقتصادي. ومن أجل تحقيق هذا الأمر لابد من إنهاء الانقسام الفلسطيني والعودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية على أرضية ثابتة وعلى القواسم المشتركة بين كافة الفصائل. كذلك إجراء مراجعة شاملة لأحداث العقدين الماضيين منذ اتفاقيات أوسلو المشؤومة (والتي هي عملياً بحكم المتوفاة وفقاً لشارون ونتنياهو وحكومة الائتلاف العنصري الصهيوني الحاكم) وحتى هذه اللحظة. إن واحدة من أبرز المهمات المتوجب تحقيقها خلال المستقبل القريب وهي التلاحم العضوي بين الخاص الوطني والعام القومي، فإسرائيل أيضاً تشكل عدواً لكل أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج،وأمتنا تدرك المخاطر الإسرائيلية ـ الصهيونية عليها.
يبقى القول: إن الخيارات مفتوحة أيضاً أمام الشعب الفلسطيني لكن قيادته الرسمية أغلقتها للأسف عندما حشرت نفسها في زاوية استراتيجية المفاوضات والمفاوضات فقط.
الشعب الفلسطيني الذي يناضل منذ قرن زمني، والذي قدّم ولايزال يقدّم التضحيات سيسير بثورته وتضحياته حتى تحرير أرضه كاملة وحتى نيل حقوقه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2165981

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165981 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010