الثلاثاء 3 كانون الأول (ديسمبر) 2013

التسويات وحدود التغيير

الثلاثاء 3 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par سليمان تقي الدين

إذا كان الصراع الدولي قد تراجع في المنطقة بعد تفاهمات واتفاقات معلنة، فما هي عوامل الصراع الباقية وفي أي وجهة تتحرك؟
لا شك أن انكفاءً غربياً حصل بعد أن حقق جزءاً مهماً من أهدافه ومصالحه، أو على الأقل ارتضى بتسوية تضمن الحد الأدنى، أو احتفظ بالأولويات التي تهمه. لا جدال أن حصته من النفط والغاز وأمن إسرائيل وبعض مواقع نفوذه ودور حلفائه عناصر موجودة في التسويات. فلم يكن الغرب يوماً صاحب مشروع مبدئي أو عقائدي، ولا كانت مسألة الحرية والديموقراطية وحقوق الشعب قضية له. الغرب تعامل مع حرس أنظمة كانت ولا تزال عنواناً لنقيض هذه القيم وناهض أنظمة سعت إلى الحداثة والتحرر.
حرص الأميركيون على تطمين حلفائهم بأن التسويات لن تكون على حسابهم خاصة إسرائيل، ولا نظنهم يخادعون في ذلك. السلاح الكيماوي والسلاح النووي، ومكافحة «الإرهاب» عناصر أساسية في التسوية، وهي موضع اتفاق جدي بين القوات الدولية. كما أن أمن إسرائيل في الماضي والحاضر كان محل اتفاق دولي كذلك. لا «الاتحاد السوفياتي» ولا «روسيا» لهما موقف جذري من إسرائيل وقضية الشعب الفلسطيني. وإذا نحن أقمنا جردة حساب لسنوات الفوضى العربية فالحصيلة الأولية البارزة هي استنزاف المنطقة دولاً ومجتمعات وأنظمة وشعوباً، مادياً ومعنوياً. وليس أفضل من ذلك لكي يعلن الغرب بلوغه هدفاً كهذا يضمن مصالحه لعقود طويلة. فهو دخل على المخاض العربي من أجل التغيير ليدفع بالاتجاهات السلبية سواء في شبكه مع الصراعات الإقليمية وسواء بدعم قوى سياسية كبحت وتكبح ثقافة التغيير الديموقراطي. في النموذج المصري احتضن «الإسلام السياسي الإخواني» في سلوكه الرجعي والاستبدادي، وفي النموذج السوري احتضن كل أطياف العنف التدميري للدولة والمجتمع. بل هو غضّ الطرف عن كل القوى ولو متعارضة وهي تشارك في هذه المحرقة الكبرى. شجع الغرب «صراع الديكة» في حفل دموي قلّ مثيله لم يعرف بعد هدنة إنسانية واحدة. أي حل سياسي اقترحه أو يقترحه تضمّن الإنهاك المتبادل للطرفين حتى تخرج سوريا الدولة والمجتمع من موقع القوة إلى موقع الحماية.
خارج المعطيات الداخلية لأي بلد لم تجد الشعوب العربية نصيراً لها في الخارج الإقليمي والدولي. لا في البحرين واليمن وليبيا وتونس ولا في مصر وسوريا.
حركة الشعوب العربية خضعت لمصالح النزاعات الخارجية وكانت تواجه في كل مكان مقاومة الأنظمة وخطط الاحتواء والاستيعاب والتوظيف من الخارج. ولا معنى اليوم من الحديث عن توازن إقليمي أو متغيّر جيو سياسي يخدم قضية الشعوب. ولا معنى لأي زعم أن المنطقة حققت استقلالاً أكبر وأوسع تحت المظلة الكبرى للنظام الدولي. ولا معنى أكثر للقول إن الصراع الإقليمي الذي دار على أرض العرب وبينهم قد أسّس لحركة تقدم عربي. ضاعفت نزاعات الخارج ومداخلاته من التعقيدات والعوائق أمام حركات التغيير. أما مشاريع التسويات فهي كذلك همّها الأساسي هو مصالح الأمن الدولي والإقليمي والتوازنات الخارجية، من تسوية اليمن السلطوية، إلى إخماد ثورة البحرين، إلى اقتسام ليبيا كحقول نفط وتقسيمها بين الميليشيات، إلى ترك مصر على حافة النزاع الأهلي، إلى جعل سوريا دولة بلا هوية، وأرضاً بلا حدود.
لقد بلغ التواطؤ الدولي والإقليمي حداً أسقط كل القواعد والقوانين والمعايير، فلا دولة من دول الجوار خضعت لمساءلة عن دورها، ولا جهة فاعلة عسكرية تمّ التصويب على دورها في مجازر المدن والتهجير، ولا ذكّرت الأمم المتحدة مرة باتفاقات جنيف في الحروب، ولا سمعنا مطالعات عن عشرات آلاف السجناء والمخطوفين والمفقودين، ولا عدنا نسمع كلمة عن سيادة الدول ولا عن احتمالات التدخل لأهداف إنسانية. في أزمة سوريا سقط المجتمع الدولي أخلاقياً وسقط الكثير من فعالية القوانين والاتفاقات لأن الجميع قد تورّط في استخدام الشعب السوري مسرحاً لأهدافه الدنيئة.
ولعل الخلاصة الأبرز ليس فقط في مخاطر العنف، بل في العنف المستعار والمستورد بشكل خاص، أو في الاستقواء بالخارج في معركة الحرية والاستقلال. غذّى الخارج ظاهرات سياسية وعسكرية هي أورام في جسم الحركات المعارضة، كما غذّى الخارج الآخر انتفاخ أنظمة كانت من دون المداخلات الخارجية قد فقدت شرعيتها أو على الأقل لم تعد قادرة على إدارة الأمور كما سابق عهدها. فإذا كانت التسويات الدولية ستكبح ضراوة هذا العنف، أو هي ستسمح بالبحث عن مخارج سياسية وتحمي ظاهرة الحراك الشعبي والقوى السياسية وتحررها من التبعية أو من الاستقواء وبالتالي الارتهان، بما هو خارج قضيتها ومطالبها الوطنية والديموقراطية، فإن التسويات تساعد على إنقاذ ما تبقى، ليكون العرب ليسوا استثناء في العالم. قاموا بثوراتهم ولم ينجزوها، لكنهم استوعبوا دروساً ثمينة لبرنامج مستقبلي أساسه المواءمة بين الطموحات والإمكانات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2178523

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178523 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40