الأحد 15 كانون الأول (ديسمبر) 2013

بوتين البيروني

الأحد 15 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par نينا خروشوفا

لقد تمت مقارنة الرئيس الروسي فلادمير بوتين بالعديد من الرجال الأقوياء من الماضي مثل جوزيف ستالين وليونيد بريجينيف والرئيس التشيلي السابق أوغسطو بينوشيه، ولكن بعد نحو 14 سنة في الحكم ربما تكون أفضل مقارنة هو مقارنة بوتين بشخصية تنتمي إلى الجنسين أي شخصية تمزج بين شخصية القائد الأرجنتيني السابق خوان بيرون وزوجته التي تتمتع بشهرة أسطورية إيفا (إيفيتا) .
لقد كان العقيد بيرون في بداية الأربعينات بصفته وزيراً للعمل وسكرتيراً للحرب من أقوى مستشاري حكام الأرجنتين وقبل انهيار الشيوعية سنة 1989 كان العقيد بوتين أيضاً من العملاء السريين المخلصين ل“كي .جي .بي”، حيث كانت مهمته نشر المعلومات المضللة وتجنيد العملاء السوفييت والأجانب في ألمانيا الشرقية .
لقد بدأ بيرون عمله في وزارة العمل بإصلاحات اجتماعية، بما في ذلك معونات رعاية اجتماعية للفقراء . بالرغم من أن الدافع لديه على الأقل جزئياً كان رغبته في تحقيق العدالة الاجتماعية، فإن بيرون كان عملياً يقوم برشوة المستفيدين من أجل دعم صعوده للسلطة والثروة وبوجود زوجته الجميلة التي تتمتع بالقدرة على مخاطبة الجماهير إلى جانبه “امرأة الشعب”، تمكن بيرون من اقناع الناخبين سنة 1946 انه كرئيس يستطيع ان يغير البلاد بشكل جذري .
لقد أوفى بيرون بوعوده فقامت حكومة بيرون بتأميم البنوك والسكك الحديدية، كما قام بيرون بزيادة الحد الأدنى للأجور وبتحسين مستويات المعيشة وتخفيض الدين الوطني (على الأقل لفترة محدودة)، كما قام بإعادة إحياء الاقتصاد . لقد أصبحت الأرجنتين أقل اعتماداً على التجارة الأجنبية بالرغم من أن التوجه للاكتفاء الذاتي أدى في نهاية المطاف إلى تقويض النمو، ما تسبب في خسارة البلاد لموقعها كواحدة من أغنى دول العالم .
لقد قام بيرون خلال تلك الفترة بتقويض حرية التعبير والانتخابات الحرة وغيرها من الجوانب الضرورية للديمقراطية، وقام هو وزوجته العاطفية في العلن بمعاداة ظلم الطبقة البرجوازية وحياة الترف، وأخيرا تمت إطاحة بيرون سنة 1955 بعد ثلاث سنوات من وفاة إيفيتا .
ومثل بيرون قبل نصف قرن وعد بوتين سنة 2000 بترويض الرأسمالية التي أطلق لها العنان في ظل الرئيس الذي سبقه بوريس يلتسين ولقد تعهد بوتين باستعادة روح الكرامة إلى بلد خسر للتو إمبرطوريته، وعانى من انكماش اقتصادي كبير خلال السنوات الأولى للفترة الانتقالية التي جاءت بعد الشيوعية .
لقد قام بوتين باعادة تأميم النفط والغاز وغيرها من الصناعات التي تم تخصيصها في التسعينات ووضعها تحت سيطرة الكرملين، وبفضل الأسعار العالمية المرتفعة للطاقة تمكن بوتين من دفع الأجور والرواتب التقاعدية المتأخرة والتي كانت حكومة يلتسين التي افتقرت للمبالغ النقدية تدين بها لعمال المناجم والسكك الحديدية والمعلمين، وكما في حالة بيرون تمت رشوة المواطنين من أجل دعم النظام .
ولكن مع تدفق ايرادات النفط والغاز إلى خزائن الدولة بدأ بوتين يملأ جيوبه، حيث تقدر ثروته الشخصية -بما في ذلك القصور واليخوت والساعات والسيارات- من 40 إلى 70 بليون دولار أمريكي . بالرغم من إصراره على أن ثروته لا تتمثل بالأموال والأصول، بل بثقة شعبه، فإن القليل من الروس فقط يشكون في كونه واحداً من أغنى رجال العالم .
وكما في حالة بيرون بدأ بوتين فترة رئاسته بشكل جيد، حيث أعجب العامة بالرجل القوي الجديد والذي استعرض عضلات روسيا السياسية في الخارج وعاقب الأشخاص المتنفذين “الذين يفتقرون للأمانة” في فترة حكم يلتسين، وقام بتقييد الصحافة “غير المسؤولة” وأصبحت السلطة مركزية مجدداً .
حتى وقت قريب فإن الشبه بين بوتين وإيفيتا لم يكن واضحاً للغاية، (بالرغم من قيامه بشكل دوري بالعلاج باستخدام البوتوكس بحيث أصبح يشبه إيفيتا بعد تحنيطها)، ولكن هذا الشبه أصبح أكثر وضوحاً مع مرور الوقت . إن رسائل إيفيتا الحماسية المتعلقة بالمعاناة وجدت لها صدى عند فقراء الأرجنتين، وهذا يشبه الصدى الذي لقيته دعوات بوتين القوية والمتعجرفة عند أغلبية الروس، خاصة في المناطق النائية والمدن الإقليمية .
إن إيفيتا وبوتين يشتركان في خصلة واحدة وهي خصلة الحقد، فإيفيتا حطمت حياة أي شخص أبدى تشككاً بصورتها كعرابة الأرجنتين، وبوتين انتقم من أي شخص -سواء كان سجيناً سياسياً وصاحب نفوذ سابق مثل ميخائيل خودوركوفسكي أو عضوات الفرقة الموسيقية “بوسي ريوت” أو مواطنين عاديين انضموا إلى احتجاجات الكرملين، يتحدى وضعه “كأب للأمه”، وربما ليس من المصادفة في شيء أن ترتفع معدلات هروب رؤوس الأموال، كما أن 300000 روسي، ومن بينهم الأفضل تعليماً يغادرون البلاد كل عام .
أما في أوكرانيا، فإن قرار فيكتور يانكوفيتش بعدم التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي قد أدى إلى تعبئة الملايين من المحتجين، علماً أن هذا الوضع يمثل لحظة الحقيقة بالنسبة إلى روسيا، وبينما يرحب الكثيرون بالاحتجاحات الأوكرانية، فإن هناك أيضاً العديد من الناس الذين يصرون على أنه يتوجب على أوكرانيا الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع روسيا . إن بوتين الذي كان المحرك وراء قرار يانكوفيتش الاحتفاظ ببلاده ضمن الفلك الروسي يلوم بشكل ينم عن النفاق القوى الخارجية فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا السياسية .
لكن كلما زاد استهزاء العالم باستعراضية بوتين، زاد الدعم له من الروس التواقين إلى العودة لوضعية الدولة العظمى، وكذلك عندما كانت إيفيتا تحتضر بسبب السرطان، انتشرت عبارات على الجدران في طول بيونس آيريس وعرضها تقول “يعيش السرطان”، ولكن العديد استمروا في التعبير عن الإعجاب الشديد بها بسبب مساعدتها للفقراء بغض النظر عن تصرفاتها الأنانية . إن نفس الخليط العجيب من الاستهزاء والإعجاب يميز حقبة روسيا بوتين أيضاً .
إن من الممكن أن سنوات بيرون الأخيرة فيها تشابه يثير القلق، فلقد عاد بيرون للسلطة سنة ،1973 أي بعد 18 سنة من إطاحة حكمه، حيث أعاد جثة إيفيتا المحنطة حتى يعبّر الأرجنتينون عن إعجابهم بها مجدداً، ولقد توفي في السنة التي تليها تاركاً الحكومة في أيدي زوجته الثالثة إيزابيل، حيث أدى سوء إدارتها للاقتصاد إلى قيام حركة عصابات عنيفة وانقلاب عسكري خلال عامين .
ولكن اليوم وطبقاً للباحث في شؤون أمريكا اللاتينية مايكل كوهين “معظم المجتمع الأرجنتيني هو بيروني، فبيرون، أنشأ دولة الرعاية الاجتماعية التي تستفيد منها الطبقة المتوسطة”، وهذا ينطبق على الوضع الروسي، حيث إن معظم الروس يؤيدون تصور بوتين المتعلق برأسمالية الدولة والعديد من الناس يقدرون سخاءه .
لقد اعتقدت في السابق أن زوال بوتين يمكن أن يشبه السقوط المفاجئ والدموي للافرينتي بيريا وهو مسؤول الأمن القوي في عهد ستالين، حيث تم القضاء عليه من قبل نفس نظام العدالة التعسفي الذي ساعد على إنشائه، ولكن ما يبدو أكثر احتمالية الآن، نظراً لاعتماد معظم الروس على مساعدات الدولة، هو أنه عندما يغادر القائد الروسي أخيراً المشهد السياسي، فإن من الغريب أن البوتينية مثل البيرونيه سوف تبقى وتستمر لعقود من الزمان.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2176670

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2176670 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40