في وقت تتهيأ الأمم المتحدة للإعلان عن قائمة المدعوين للمشاركة في مؤتمر “جنيف 2” السوري، ثمة حفلات من الصراع الممتد على كامل الإقليم وصولاً إلى الداخل السوري . والقضية الأبرز في هذا السياق لم تعد فقط مَن سيدعى إليه ومَن سيستبعد عنه، بقدر ما تشكل هذه الدعوات رسماً تقريبياً لمضمون مباحثاته والنتائج التي يمكن أن يتوصل إليها .
وليس خفياً على أحد، أن مجرد الاتفاق على دعوة جهة معينة، هي في الواقع موافقة مبدئية على تصوراته، بل على قدراته في فرض شروطه، وهذا ما بدا واضحاً في شكل وصورة بورصة المدعوين التي تغيّرت وتبدّلت غير مرة لجهة الحجم والنوع الداخلي والإقليمي للممثلين . والمفارقة الطبيعية في هذا المجال، أن الجدل الحاصل حول الاعتراض أو الموافقة هو انعكاس واضح ودقيق، لمجريات الوضع الأمني والعسكري الداخلي في سوريا، إضافة إلى متفرعاته وتداعياته في الجوار السوري وخاصة اللبناني منه .
وبصرف النظر عن الحجم والنوع وهو مهم في المبدأ، ثمة عقبات متصلة بمآلات المؤتمر ونتائجه المرتقبة قياساً على المؤتمر الأول . وعلى الرغم من الفوارق والمتغيرات الكبيرة الحاصلة بين المؤتمر الأول والمزمع عقده، ما زالت النقاط العالقة أساساً هي هي، وبالتالي أن ثمة جهداً كبيراً جداً ينبغي تقديمه، للتوصل إلى بيئة قابلة لتأمين اختراقات مهمة بهدف انطلاق المؤتمر وتكوين الحد الأدنى لمستلزمات نجاحه المبدئية . وإذا كانت المعارضة السورية بمختلف أجنحتها وفروعها المتباينة والمتقاتلة في بعضها، تصرّ على شرط مسبق وهو الذهاب إلى المؤتمر عبر التسليم بحكومة انتقالية لها صلاحيات كاملة، يقف النظام خلف موقف مبدئي وهو التفاوض على مبدأ استمرار السلطة باعتباره ليس جزءاً منها بل هو راعيها . وفي ظل هذين الموقفين المتناقضين تتواصل العمليات العسكرية التي تبدو جزءاً أساسياً من أوراق التفاوض المزمعة في المؤتمر . فإذا كانت معركة القصير مثلاً، قد حجّمت مفاعيل وبيئة “جنيف1”، فإن مفاعيل معركة القلمون الجارية ستحدد إطار “جنيف 2”، وما يمكن أن يشهد فيه من عمليات شد وجذب سياسي وعسكري محتمل .
وفي هذا السياق أيضاً، يبدو أن أطراف الأزمة السورية الدوليين والإقليميين هم سائرون إلى النهاية في جملة تصوراتهم وطموحاتهم، وبالتالي إن احتمال التوصل إلى تسوية ما بين هذه الأطراف إن وجدت، فستكون مكلفة للأطراف جميعاً، كما أن سبل التوصل إليها هي صعبة المنال في أوقات منظورة، وبالتالي ستشهد مدينة جنيف مزيداً من الأرقام التي ربما تطول بطول مطالب أطرافها ومستوى الضغوط الداخلية السورية وغيرها من دول الجوار .
علاوة على ذلك، إن حجم ارتباطات الأزمة السورية والمتدخلين فيها، باتت معقدة ومرهونة بسياقات ملفات أخرى لا تقل تعقيداً عنها، منها اتفاق الإطار الإيراني مع الدول الست، الذي سيشهد فترة اختبار مبدئي لا يقل عن ستة أشهر مقبلة، ما يعني أن “جنيف 2” ستمتد جولاته إلى السياق الزمني نفسه . إضافة إلى الارتباطات المتفرعة الأخرى ومن بينها مثلاً الملف اللبناني بتفاصيله كافة التي بات فعلياً وعملياً من أدوات الحل والربط في سياق الضغوط المتبادلة بين الأزمتين .
في مختلف حقبات التاريخ السياسي للمنطقة، ظلت المسألة الشرقية حاضرة في لعبة الأمم، وقد أفرزت فيما مضى اتفاقات لعبت دوراً محورياً هائلاً في الجغرافيا السياسية لكيانات كثيرة أنشئت فيه، فهل ما يحدث حالياً هو بداية لإرهاصات مماثلة؟ إن التدقيق في مستوى التفاعلات الإقليمية والدولية والمحلية لمجمل هذه الأزمات يشير إلى أن تفاهمات كثيرة بدأت تتشكل، وليس بالضرورة أن يكون أطرافها المحليون جزءاً منها بقدر ما سيكونون أدوات فيها بصرف النظر عن الحجم والنوع اللذين يشكلونه .
الأربعاء 18 كانون الأول (ديسمبر) 2013
“جنيف 2” بين الدعوات والانعقاد
الأربعاء 18 كانون الأول (ديسمبر) 2013
par
د. خليل حسين
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
21 /
2165986
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
19 من الزوار الآن
2165986 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 18