الخميس 19 كانون الأول (ديسمبر) 2013

مسؤولية إنهاء الاحتلال

الخميس 19 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par ناجي صادق شراب

القضية الفلسطينية من القضايا والنزاعات الدولية المركبة والمعقدة، ليس فقط بسبب مكوناتها المتعددة والمتشابكة كاللاجئين والقدس والمياه والمستوطنات، وفي المقابل “الإسرائيلي” هناك قضايا تتعلق بالأمن والحدود والاعتراف، وأيضاً بسبب تعدد الأطراف الإقليمية والدولية التي تتحكم في مسار القضية الفلسطينية والحلول المطروحة لتسويتها . هي قضية، إذاً، معقدة ولا يمكن لأطرافها المباشرين الفلسطينيين و“الإسرائيليين” حلها من دون دعم إقليمي ودولي .
وهنا يبرز السؤال: ماذا يعني هذا من منظور المصالح القومية للدول؟ فالقضية الفلسطينية وبحكم بعديها الإقليمي والإسلامي لا يمكن حلها بمنأى عن مصالح الدول المهمة في هذا الإقليم، وبعبارة أخرى أن تسوية القضية الفلسطينية له ثمن إقليمي على مستوى الدول العربية وحتى الإسلامية . وهذا الثمن سيكون بالاعتراف ب “إسرائيل” والقبول بها كأي دولة في المنطقة، وعلى المستوى الفلسطيني يوجد ثمن فيما يتعلق بتسوية قضية اللاجئين وتواجدهم في دول عربية بعدد كبير مثل لبنان وسوريا والأردن، وهي قضية لا يمكن حلها في جميع الأحوال علي المستوى الفلسطيني أو “الإسرائيلي” .
والأمر قد ينطبق على القدس ولكن بدرجة أقل . وأيضاً هناك مسألة الحدود الآمنة التي تطالب بها “إسرائيل”، وأقصد أن الالتزام بأمن “إسرائيل” ثمن سياسي آخر ستدفعه الدول العربية، خصوصاً المجاورة مثل مصر والأردن ولبنان وسوريا . وهذه الالتزامات تعالجها الدول من منظور مصالحها القومية والأمنية، وهو ما قد ينعكس على مواقفها من تسوية القضية الفلسطينية .
وعلى المستوى الإقليمي، فالقضية الفلسطينية ترتبط بتحولات القوة المتحركة، ورغبة الدول المركزية مثل إيران التي تسعى لامتلاك القوة النووية، وهذا السعي له علاقة مباشرة بأمن “إسرائيل”، وحتى يتم الاعتراف بقوة إيران يستلزم الأمر اعترافاً إيرانياً بأمن “إسرائيل”، وهذا لن يتحقق إلا من خلال تسوية القضية الفلسطينية، وهو ما قد يفسر لنا كيف أن القضية الفلسطينية أصبحت ورقة مساومة وتأثير في السياسة الإيرانية بتحكمها وتأثيرها في القوى الفاعلة فلسطينياً . وبالنسبة إلى تركيا فقد حلت مشكلتها بعلاقاتها التاريخية مع “إسرائيل” وبعلاقاتها المتوازنة مع الفلسطينيين والدول العربية . أما الدول العربية فهي طرف مباشر في أي تسوية للقضية، ولا يمكن أن تنأى بنفسها عن أي تسوية سياسية لأن لها علاقة مباشرة على أمن هذه الدول، وهذا الذي يفسر لنا طرح المبادرة العربية والتمسك بها حتى الآن .
وحتى قيام الدولة الفلسطينية ستكون له تداعياته على أمن ومستقبل بعض الدول العربية، وإلى جانب ذلك الدعم الاقتصادي للدولة الفلسطينية المتوقعة، لأن أي دولة فلسطينية ستكون ضعيفة الموارد الاقتصادية نظراً لتحكم “إسرائيل” وسيطرتها وتحكمها في معظم هذه الموارد . وأما على المستوى الدولي فالالتزام واضح وسببه ببساطة ارتباط أمن الدول الرئيسية كالولايات المتحدة وأوروبا بأمن “إسرائيل” .
وحتى الدول الكبرى الأخرى، مثل روسيا والصين، تدرك قواعد لعبة القوة في المنطقة، ولا يمكن أن تكون بعيدة عن منطقة تشكل أهمية اقتصادية واستراتيجية لها .
هذا التحليل المبسط يبين لنا أن هناك مسؤولية إقليمية ودولية بوضع حد لإنهاء الاحتلال “الإسرائيلي”، وقيام الدولة الفلسطينية . وهنا الخيارات محدودة إما استمرار الصراع وزيادة احتمالات التصادم وعدم الاستقرار في زمن التحولات العربية، ومن ثم تعرض مصالح الدول الكبرى، و “إسرائيل” خصوصاً للخطر، وإما الذهاب لإنهاء الاحتلال “الإسرائيلي”، وقبول فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة وهو ما يعني قيامها بدورها في حفظ الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي، وكذلك بالنسبة إلى “إسرائيل”، ففي جميع الأحول لن تكون فلسطين كدولة تشكل تهديداً لأمن “إسرائيل”، وهذا ما تسعى “إسرائيل” إليه .
هذه الحقيقة الغائبة عن “إسرائيل” هي التي ستجعل من “إسرائيل” دولة غير مقبولة في زمن التحولات العربية والإسلامية، ولن تكون “إسرائيل” قادرة لا بقوتها العسكرية، ولا بتحالفاتها الدولية على حفظ أمنها، فالأمن الحقيقي يتحقق بالتزام الدول المحيطة والمجاورة وهي هنا دول عربية، وعلى “إسرائيل” أن تدرك أن بيئة أمنها تقع في البيئة العربية وليست الدولية، وأنه لا توجد دولة في العالم مهما تعاظمت قدراتها العسكرية تستطيع أن تعيش في حالة من الحرب وعدم الأمن، لأن هذا السيناريو مكلف اقتصادياً وبشرياً واجتماعياً، بل إنه قد يسرع في انهيار الدولة وتفككها . هذا الإدراك يعني ضرورة تفكير “إسرائيل” جدياً في إنهاء احتلالها، وقبولها بفلسطين دولة كاملة قبل أن تخرج قواعد لعبة القوة من يدها، وسيطرتها .
وإذا كانت هناك مسؤولية عربية ودولية و“إسرائيلية” قبلها، فتبقى مسؤولية إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” المباشرة هي مسؤولية فلسطينية، وهذا يحتاج من الفلسطينيين إلى مراجعة وتقويم خياراتهم . فقضية بحجم وتعقد القضية الفلسطينية تحتاج إلى خيارات متعددة تعمل كلها في وقت واحد، وتحتاج إلى نهج واضح في الرؤية السياسية، ولا يمكن لانقسام سياسي أن ينهي الاحتلال لأن الانقسام يكرس الاحتلال، ويعمق الكينونة الفلسطينية الصغيرة . وإنهاء الاحتلال لا يمنح، بل تنتزعه إرادة شعوب قوية، وقرارات سياسية صائبة، وضغوط دولية متزايدة، وبجعل مسؤولية إنهاء الاحتلال مسؤولية إقليمية ودولية . وهذا لن يتحقق إلا إذا استعادت القضية الفلسطينية زخمها كقضية أمن قومي عربي، وقضية أمن واستقرار دولي، وهذا يتوقف على الفلسطينيين من دون غيرهم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165674

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2165674 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010