الخميس 19 كانون الأول (ديسمبر) 2013

العلمانية: أصولها ومفهومها وحروبها الطويلة

محمد جابر الانصاري
الخميس 19 كانون الأول (ديسمبر) 2013

وجدنا في المقالة السابقة أن العالم العربي يشهد صراعاً بين مفهوم الدولة المدنية والدولة الدينية . وتكمن العلمانية خلف مفهوم الدولة المدنية . ويرى الدينيون أن “مدني” و“علماني” يعنيان الشيء ذاته .
لذلك من المهم معرفة ذلك “الشيء” طالما أننا نخوض حرباً يعدّ أحد أطرافها . وليس أفضل من د . محمد نعمان جلال في شرح هذا المفهوم يقول: “يثير صعود الاتجاهات الإسلامية ذات التوجه السياسي الكثير من التساؤلات وأشباهها عن الدولة المدنية وفقاً للمدرسة الفكرية التي ينتمي إليها الكاتب السياسي أو الناشط الحركي في السياسة أو في الحركة الدينية . لكن الاتجاه الأقرب إلى الدقة هو اتجاه الباحث الأكايمي أو المفكر الموضوعي الذي يحلل الظواهر بما يقرب من الموضوعية والحياد بصرف النظر عن اتجاهه الفكري أو نظرته السياسية أو انتمائه الديني، وهذا ما يقتضية البحث العلمي”: المنتدى، (العدد 256) .
ويمضي د . محمد نعمان جلال في بحثه وتحليله قائلاً: “إن الإسلام في جوهره نظام للدولة أو نظام مدني للدولة . وتكمن الاعتبارات الموضحة لهذه الخلاصة الموضوعية” في:
1- إن الإسلام يقوم على تعدد الأديان في الدولة الواحدة وعلى احترام هذا التعدد مهما كان مختلفاً: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله، فيسبوا الله عدواً بغير علم . .) (الأنعام 108)
2- إن صحيفة (المدينة) كانت من أقدم الوثائق الإسلامية، بل والدولية التي أكدت المساواة بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الأديان الأخرى، بمن في ذلك المشركون، في الحقوق والواجبات وهذا تعبير عن مفهوم المواطنة في الدولة الواحدة المتساوية .
3- إن الممارسة العملية في صدر الإسلام قامت على أساس احترام العادات والتقاليد، والشعائر الدينية في البلاد المفتوحة ولا يجبر المسلمون أهالي تلك البلاد على اعتناق الإسلام، وعلى سبيل المثال ظلت مصر قروناً عدة ذات أغلبية قبطية، كما أن الهند ذات أغلبية هندوسية ومعابدها العملاقة قائمة، رغم حكم المسلمين لها قروناً عدة . وكذلك إندونيسيا وغيرها .
وهكذا يمضي د . محمد نعمان جلال، في تحليل الظاهرة الإسلامية من وجهة نظر الإسلام الموضوعي . هذه هي النظرة التنظيرية، أما النظرة التاريخية الواقعية، كما شقت العلمانية طريقها في أوروبا، فهي قصة أخرى في مسيرة معمدة بالدم والدموع .
ظهرت طبقة تدافع عن العلمانية ومن مصلحتها فقط وهي كما يقول الباحث: "رد فعل لسيطرة الكنيسة الكاثوليكية على السلطة وتدخلها في تنصيب الملوك وعزلهم، بل تتدخل في حياتهم الشخصية مثل الزواح والطلاق، كما في نموذج هنري الثامن، ملك إنجلترا 1491 - ،1547 الذي قام بالزواج السادس ليتسنى له الحصول على وريث ذكر للعرش، فاعترضت عليه الكنيسة الكاثوليكية، فقام بإصلاح ديني في بريطانيا، ومن هنا تحولت بريطانيا من الكاثوليكية إلى البروتستانتية .
ويميل البعض إلى تفسير التاريخ وتحولاته بالنظرة الشخصية فيقول هذا البعض: إن “هنري الثامن” أراد الزواج من السادسة فقام بثورته هذه . ولكن التاريخ لا يخضع لآراء الأفراد، بل إنه يسير طبقاً لقوانينه .
وقد تحولت العلمانية في عهد لويس الرابع عشر في فرنسا وجيمس الأول ملك إنجلترا، إلى قوة مسيطرة، ثم قامت الثورتان الأمريكية والفرنسية فأكدتا حقوق الإنسان والمبادىء الأخرى التي تصب كلها في مجرى العلمانية وقد نشبت الحروب الطويلة من أجل العلمانية، بين الدول الملكية الكاثوليكية والدول البروتستانية، خاصة في المانية، وحرب الثمانين عاماً بين إسبانيا الملكية وهولندا التي أعلنت الجمهورية وانتهت باعتراف إسبانيا، بالجمهورية الهولندية .
وهكذا ظهرت تلك الطبقة من الفلاسفة الأكاديميين ورجال الأعمال ورجال الدين المتحررين وكان يقودها (مارتن كينغ) الذي تجرأ وطالب بأن يفهم الجمهور لغة الكتاب المقدس وترجمه للألمانية . فكان “جرماً عظيماً” ارتكبه بحق الكنيسة وتقاليدها .
ثم ظهرت الترجمة الانجليزية والفرنسية والروسية للكتاب المقدس . وصار الجمهور يقرأ الكتب المقدسة بلغته .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 5 / 2165501

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165501 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010