الاثنين 23 كانون الأول (ديسمبر) 2013

المتاجرة بالسوريات

الاثنين 23 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par خميس بن حبيب التوبي

ماذا عسانا أن نقول في ظل واقع مرير يصدمنا بأحداثه كل يوم، واقع يفرض التجرد من كل أساليب المواربة والتورية أو النفاق والمجاملة، ويوجب تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية وتوصيفها بأوصافها المطابقة كما تراها العين المجردة وتسمعها الأذن المصغية.
إن من يقبل أن يتاجر بدماء شقيقه وبأعراضه وبحقوق بني جلدته، ويسخر الأموال ويجيش الجيوش ويدعم الإرهاب بسبب لوثة في الفكر وانفصام في الشخصية وحب للتسلط والتوسع ورغبة في إشباع غرائزه الحيوانية، إنما يكون قد تجرد من إنسانيته وخلع عن نفسه ثوب الحياء فلم يتورع عن التنازل عن نخوته وكرامته وشهامته ومروءته، هذا إن لم يكن خاويًا من كل شيء وليس من تلك المبادئ والقيم وحدها. وكم هو مؤلم حال الأمة اليوم أن يخرج من بين ظهرانيها من يلطخ سمعتها ويشوِّه صورتها الناصعة ويلغي تاريخها العامر بالمواقف والبطولات نصرةً للحق ورفضًا للظلم وحفظًا للدماء والأعراض وهبة لإغاثة ذي الحاجة الملهوف، والمعبر عن عظيم مبادئها وقيمها وأخلاقها.
وفي الوقت الذي تستقيم فيه الفحولة مع مبادئ النخوة والعزة والكرامة والمروءة والإباء والأخلاق فتعطي الإنسان معها قيمته ومكانته وقدره، تتستر الغرائز الشهوانية الحيوانية بأستار “جهاد النكاح” و“السترة” و“العفاف والكفاف” فيتحول الإنسان معها إلى سلعة رخيصة يتاجر بها في سوق النخاسة، أو يتعامل معه كأي سلعة سريعة الاستعمال.
ما يندى له الجبين أن المنظمات الدولية خاصة المعنية بحقوق الإنسان لم يرف لها جفن تجاه ما يجري من عمليات اتجار بالبشر في مخيمات اللاجئين السوريين بحق فتيات سوريات صغيرات السن في عمر الطفولة تحت كذبة “السترة” و“العفاف والكفاف”، في ابتزاز واضح واستغلال بيِّن لأوضاع إنسانية لآلاف الأسر السورية، يعبران عن المدى الذي وصلت إليه البهيمية البشرية، وبهما كيف تحولت سوريات إلى استعمال سريع كمحارم ورقية، وكذلك ما يجري من إبادة جماعية ترتكبها العصابات الإرهابية في الداخل السوري بحق المدنيين الأبرياء، بل إن هذه المنظمات راحت تنظر إلى هذه الجرائم على أنها نوع من الممارسة الديمقراطية والحرية تمارسها العصابات الإرهابية والبهيمية البشرية، وأن العمليات التي يقوم بها الجيش العربي السوري ـ التزامًا بالقانون الدولي وبشرعية الدولة والحكومة ـ لحماية المدنيين في المدن والقرى والأرياف من الإرهاب العابر للحدود والمدعوم من قوى الشر، هي عمليات عنف مفرط مدانة وتعبر عن ديكتاتورية، ساعية إلى استصدار بيانات تدين فيها الحكومة السورية على خيارها محاربة الإرهاب، في تسييس واضح لعملها ومهامها، مساهمة بذلك بشكل أو آخر مع عصابات الإرهاب ومن يدعمها في جر قطار الحل السياسي إلى الوراء.
المفارقة الصارخة هي أنه في الوقت الذي يحكي فيه تاريخ هذه الأمة في صدره عن انبراء أحد الصحابة مدافعًا عن شرف أخته المرأة المسلمة بقتل الصائغ اليهودي الذي ذهبت إليه لبيع جلب لها والذي عقد طرف ثوبها إلى ظهرها فانكشفت سوءتها، وفي الوقت الذي كان فيه التسامح وعدم التعرض للمخالف وللمرأة والمسن والطفل، والنصراني في صومعته واليهودي في معبده مبدأً، يحاول أساطين الجاهلية الحديثة ورموز التكفير وعملاء الامبريالية الغربية تلطيخ تاريخ الأمة، وإعادة كتابة تاريخ جديد لها مستلهمين في كتابته صور الفظائع والجرائم والفواحش في عصر الجاهلية وشخوصه ورموزه، فظهر أمية بن خلف وأبو جهل وأبو لهب ومسيلمة الكذاب وغيرهم في سوريا الجريحة وغيرها، فظهرت معهم الفواحش وجرائم التنكيل والتعذيب، من رمي المدنيين الأبرياء من سكان عدرا العمالية وغيرها من المدن والقرى والأرياف السورية في مراجل الزيت الحارق وذبحهم ذبح النعاج، والجلد والصلب ومشط لحوم الأجساد، بحجة أنهم صبأوا وبدلوا دينهم. وتحت شعار “جهاد النكاح” عادت إلى الواجهة أنواع النكاح في الجاهلية وفي مقدمتها “نكاح الرهط”، و“نكاح الاهتجان”، فضلًا عن الاغتصاب، وبعد أن يفض غشاء بكارتها ويولغ في جسدها مكرهة يرميها فريسة لتنهشها الذئاب.
إن ما يؤلم ويورث المرارة أن هذه المشاهد التي تعج بها المواقع الإلكترونية ومواقع ما يسمى “التواصل الاجتماعي” تتداول في الغرب على أنها فكر وأصل من أصول الإسلام ينطلق منها أتباعه في تعاملهم ومعاملتهم للغير. وعلى الرغم من هذه البذاءة والإساءة يصر أساطين جاهلية العصر الحديث على مواصلة تقديم خدماتهم بكل جهد وإخلاص إلى مُشغِّلهم قبل إحالتهم إلى التقاعد، بالاستمرار في هدم الكيان الإنساني، وتجريف الأرض العربية من كل مظاهر الأمن والاستقرار، والعلم والفكر والمعرفة والثقافة والسلوك والأخلاق والعزة والكرامة والمروءة والتكافل والتواصل والألفة، وزرعها ببذور الإرهاب والتكفير والظلام والجهل والإقصاء والخواء المعرفي والفكري تحت شعار “لن يبقى بعد اليوم حجر على حجر، وشجر بجوار شجر، ويشعر بشر بقيمة بشر”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2178247

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178247 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40