الأربعاء 1 كانون الثاني (يناير) 2014

مقايضة “بولارد”

الأربعاء 1 كانون الثاني (يناير) 2014 par خيري منصور

الربط غير المنطقي الذي تحاوله وسائل الإعلام في “إسرائيل” بين الجاسوس بولارد وبين آلاف الأسرى الفلسطينيين، يستهدف ما هو أبعد من المقارنة، فهو ضغط يتراجع فيه الأخلاقي لمصلحة السياسي على الولايات المتحدة، وأطرف ما في هذه المسألة أن هناك مقالات نشرت في الصحف العبرية، منها ما يهدد الولايات المتحدة بالغضب اليهودي، ومنها يقلل من أهمية ساسة أمريكيين قياساً إلى أسلافهم الذين كانوا أكثر جدية وجذرية في الدفاع عن الدولة العبرية وتبرير كل ما يصدر عنها حتى لو كان مجازر وقبوراً جماعية، كما حدث في صبرا وشاتيلا .
أحد الكتّاب في صحيفة “معاريف” يسخر من تصور أمريكا لنفسها على أنها مارد قياساً إلى القزم “الإسرائيلي”، ويوشك أن يقول إن هذه المعادلة قد اختلت منذ زمن، شاهراً السلاح اليهودي الاحتياطي وهو دور اللوبي في أمريكا . والدور المنوط بالكونغرس الذي يتحول في لحظات معينة إلى كنيست ناطق بالإنجليزية .
“بن درور” يهدد بتصعيد العتاب إلى العقاب ما دام الجاسوس بولارد قد قضى ثلاثة عقود في السجن، حيث لم يكن بعض القادة “الإسرائيليين” قد ولدوا .
ويذكرنا هذا الربط المتعسف بين بولارد والأسرى الفلسطينيين بحكاية تراثية طريفة، عن رجل أراد أن يبيع جملاً فربط بذيله سنوراً، وطالب بثمن مرتفع للسنور، والأسرى الفلسطينيون لا صلة لهم ولأسباب أسرهم ببولارد أو أي جاسوس آخر، وحين يحدث مقارنات من هذا الطراز يكون الهدف هو التعميم بل التعمية عن الوقائع كما هي .
بولارد لم يكن يدافع عن أمريكا ضد احتلال صهيوني أو العكس، لكن الأسير الفلسطيني الذي نسف بيته وشرد من أرضه وطورد في العالم لديه ما يقوله ويدافع عنه .
وهناك أسرى فلسطينيون لا جريمة لهم غير كونهم عرباً تشبثوا بجمرة البقاء ومنهم من حكم عليه بأكثر من تسعين عاماً أو عدة مؤبدات، مما جعل المشهد كاريكاتورياً ومثيراً للسخرية في ذروة الألم .
والحملة الإعلامية التي تعرض لها الوزير كيري في الصحف العبرية خلال الأسابيع الماضية، كانت تعبيراً سياسياً عن استثمار مناسبة محددة، لكن لقول ما لم يكن ممكناً قوله قبل أعوام، فتل أبيب لا تكتفي بإعلان واشنطن المتكرر عن التحالف المقدس، إنها تريد فرض أجندتها على البنتاغون والدبلوماسية الأمريكية بدءاً من البيت الأبيض .
إن ما يقلق بعض الكتّاب اليهود من أقصى اليمين هو أن بعض الأمريكيين بدأوا يشعرون بأن الدولة العبرية تجاوزت العبء العسكري والاقتصادي إلى العبء الأخلاقي .
خصوصاً بعد أن أعلن عدد من الإكاديميين الإنجليز والأمريكيين عن مقاطعة دولة الاحتلال والاستيطان، وما يضاعف من هذا القلق هو المناخات الثقافية التي بدأت تتبدل في العالم، خصوصاً في أوروبا، فقد دفعت هذه القارة أثماناً باهظة لما يسمى الذكرة الآثمة أو فوبيا الهولوكوست .
وبالطبع فإن لكل شيء حدوداً، وتصاعد العزف على وتر بولارد في هذه الآونة هدفه الوحيد الأسري الفلسطينيون الذين لا يطيق اليمينيون إطلاق سراح واحد منهم حتى لو كان ميتاً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178939

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178939 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40