أهو توجه نحو الفيدرالية أم مخطط للانفصال، أم هو مجرد تغوّل للميليشيا على حساب مشروع الدولة في ليبيا؟ ليس سؤالاً مطروحاً أمام من يهمهم الأمر في طرابلس وبنغازي وبرقة، وغيرها من الأراضي الليبية، مطلوباً من خلاله اختيار رمز الإجابة الصحيحة، فلا إجابة بحد ذاتها قد تكون كذلك، من جهة، ومن جهة أخرى فإن التساؤل يحمل استهجاناً وتنديداً بالحالة التي يشهدها أي مراقب أو متابع للشأن العربي العام، وشؤون ليبيا خاصة .
سبب هذا التساؤل يعود إلى جملة من التطورات والسلوكيات التي برزت إلى العلن منذ إعلان إقامة إقليم فيدرالي في برقة، من دون اتفاق مع مختلف مكونات المجتمع الليبي السياسية والشعبية، ومنها أن الميليشيا باتت تسيطر على جزء غير يسير من ثروة ليبيا النفطية، وأنها أيضاً باتت تسيطر على شريط من الأرض شرقي البلاد، يفصلها عن جيرانها، وأنها أيضاً أثبتت وتثبت كل يوم أن عنوان الفيدرالية الذي تختبئ خلفه ليس إلا مجرد واجهة وراءها ما وراءها من المخططات .
آخر تقليعات هؤلاء المسيطرين بقوة النيران وتغوّل الميليشيا على برقة، كانت الأسبوع الماضي، عندما منع مسلحون تابعون لسلطة الأمر الواقع تلك، وفداً من مؤسسات المجتمع المدني قدم من مناطق غربي البلاد، إلى الإقليم لمناشدة المسلحين الذين يغلقون المنشآت النفطية إعادة فتحها وتصدير النفط، إلا بعد إذن من رئيس الإقليم إبراهيم جضران .
هذه الخطوة التي إن عبّرت عن شيء، فإنه لن يكون إلا كشفاً لحقيقة ما تسعى إليه هذه الجهات المتسلّحة بالنار، لكن ما يتبقى لإكمال عناصر الأحجية الكشف عما إذا كانت هذه الجهة تتلقى دعماً خارجياً من أي نوع، أو إن كانت تلقت ضمانات من جهة دولية ما، أو عقدت صفقة تضمن بقاء الحال على ما هو عليه، وبالتالي تقسيم ليبيا في المستقبل القريب، أو أنها مجرد فئة وجدت في انعدام الاستقرار وغياب الدولة وانتشار السلاح فرصة لوضع قواعد تناسبها في لعبة تقاسم كعكة السلطة والنفوذ والثروة في ليبيا .
مشهد معقّد بعض الشيء، لكنه ليس عصياً تماماً على الفهم والتحليل، كونه ينبض بالحقائق الواضحة، ويأتي في سياق تغيير قواعد اللعبة عالمياً، وإعادة رسم هوية وشكل وعلاقات المنطقة العربية بشكل رئيسي، إلى جانب إمكانية أن يكون إعادة إنتاج للاستعمار في غلاف دول مفتتة متشظية مقتتلة العناصر، أو استجلاباً له عبر نموذج وصاية أو حماية أو غير ذلك من مزاعم التعاون الدولي وتعزيز العلاقات مع القوى الدولية الكبرى .
هذه القوى المأخوذة بأحلام تقسيم ليبيا وتحويلها إلى مجرد مساحة من الأرض لا قانون يحكمها سوى شريعة الغاب، تلقفت الفرصة السانحة، وحولتها إلى مشروع مشبوّه، لإنتاج كيان مشوه يوصف اعتباطاً وبهدف التضليل بأنه مشروع دولة فيدرالية متعددة الأقاليم، المشروع الذي لم يتوافق أي من الليبيين على إنجازه أو إخراجه إلى حيز الوجود، بقدر ما توافقت مصالح فئات وجهات ليس بناء دولة حديثة في ليبيا على أجندتها المعدة خارجياً، على المضي فيه .
الخميس 2 كانون الثاني (يناير) 2014
فيدرالية أم انفصالية؟
الخميس 2 كانون الثاني (يناير) 2014
par
محمد عبيد
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
57 /
2181939
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
15 من الزوار الآن
2181939 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 13