الجمعة 3 كانون الثاني (يناير) 2014

العراق: انسداد سياسي يزكّي البديل المدني الديمقراطي

الجمعة 3 كانون الثاني (يناير) 2014 par محمود الريماوي

ليس معهودا على تنظيم القاعدة القيام باعتصامات وتنظيم احتجاجات جماهيرية، فما يمارسه هذا التنظيم معلوم للقاصي والداني، ومع ذلك فإن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يعتبر أن القاعدة هي وراء الاعتصام المديد الذي شهدته محافظة الأنبار طيلة العام الماضي وجرى فضه بالقوة في اليومين الأخيرين من عام 2013. اتهامات من هذا النوع مع قرنها بالإرهاب باتت ماركة شائعة وعملة متداولة، في العراق وغير العراق. وبالنسبة لهذا البلد فإن الحكومة فيه، لا تتوانى عن وصف أيّ تجمع سني أو أي احتجاج يدور في منطقة سنية على أنه من أفعال القاعدة. وهذا الخطاب يتوجه في المقام الأول إلى أميركا والغرب قبل أي أحد من العراقيين، فأمام دعوات المجتمع الدولي لحكومة المالكي بإحياء الحياة السياسية وتوسيع نطاق المشاركة واحترام القانون لا يجد الرجل ما يقوله أو يفعله، سوى أنه ينكب على مناهضة القاعدة، واستئصالها وهو ما يفسر برأيه ضيق مجال المشاركة، دون أن يشكل ذلك مصدر قلق جدي له.
على إثر فض الاعتصام بقوة تقدم 44 نائبا باستقالة جماعية، وهو تطور لو حدث في أي بلد آخر لأدى إلى حل مجلس النواب، والدعوة إلى انتخابات جديدة في أسرع الآجال، مع استقالة الحكومة. المالكي يتذرع بأن انتخابات مقرر إجراؤها في ربيع هذا العام، غير أن الأجواء السياسية السائدة لا تبشر بإجراء هذه الانتخابات، فيما الحكومة غير قابلة لتقديم استقالتها، مع شغور منصب رئيس الجمهورية منذ نحو عام مضى لخضوع الرئيس جلال طالباني إلى رحلة علاج مفتوحة. والمالكي يتولى بنفسه حقائب الدفاع والداخلية إضافة إلى جهاز المخابرات. بما يجعله الحاكم بأمره في البلاد. النواب المستقيلون طالبوا في بيان استقالتهم بخروج قوات الجيش، وقد استجاب المالكي للطلب لكنه لم يلبث أن عاد عنه، ما أثار موجة عنف في مدينتي الرمادي والفلوجة ضمن محافظة الأنبار، أدت إلى السيطرة على مخافر الشرطة وبعض المراكز الأمنية، مع تمكين رجال الشرطة والجنود فيها من الخروج بأمان، وبعض هؤلاء تخلوا عن وظائفهم، لكن الأمن لم يستتب. فهناك الآن مسلحون عشائريون ينتشرون في تلك المناطق التي يشكو أبناؤها من إقصائهم ومن تهميش مناطقهم.

وإذ تدور الأوضاع منذ سنوات في حلقة مفرغة من التدهور الأمني والفرز الطائفي، فمن المؤسف أن لا تتقدم الحلول خطوة واحدة إلى الأمام، وأن يبقى الانسداد السياسي على حاله، وذلك لغياب قيادة سياسية قادرة على تمثيل العراقيين، ومخاطبتهم جميعا بخطاب عابر للمناطق والطوائف، والوقوف على مسافة واحدة من الكتل الحزبية والجماعات الأهلية. وهو ما عجزت عنه حكومة المالكي التي تبدو أقرب ما تكون إلى طرف أهلي، عوض أن تنهض بدور وطني جامع. وقد لاحظ من لاحظ أن الممارسات الفئوية لهذه الحكومة قد اشتدت عقب عودته من طهران التي أدى زيارة “ناجحة” إليها في الأسبوع الأول من ديسمبر الماضي، علما بأنها السياسة الحكومية نفسها المتبعة على الدوام. وهي سياسة تجد تعبيراً لها في الوقوف مع النظام في دمشق، وغض النظر عن تدفق ميليشيات من العراق إلى سوريا، ما يجعل من معسكر طهران- بغداد- دمشق أكثر ارتساما، ويجعل التخندق الطائفي أشد وضوحاً، حتى لو كان ذلك مع نظام “بعثي” في عاصمة الأمويين، فيما يبذل الرجل كل ما تملك يمينه لاجتثاث البعث في بلاده.

والآن فإن ثمة خشية متزايدة من تدهور جديد للوضع في العراق، يتساوق مع ما يجري لدى الجار السوري مع التمتع بالدعم الإيراني ذاته، واستخدام العناوين ذاتها من مكافحة التكفيريين إلى محاربة القاعدة، وواقع الحال أن التنظيم الأخير له وجود في العراق، والمعركة معه مشروعة ومطلوبة، وما كان له أن يستمر لولا فشل العملية السياسية ولولا الإخفاق في بناء أجهزة أمن وطنية ومهنية تدافع عن مصالح سائر العراقيين وتحميهم، غير أن العراق يتوفر على معارضة داخلية واسعة تنشد التغيير، ومن المخاتلة الشديدة إلحاق كل معارضة بالإرهاب، واستخدام أقصى درجات العنف ضد المعارضين ومناطقهم، ووفق أجندة طائفية غير خافية تنذر بصراع مفتوح يتهتك معه النسيج الاجتماعي، وتنتصب الحواجز، وتزدهر فيه الاصطفافات الفئوية، وصولاً إلى الفرز المناطقي، وتشكيل ميليشيات الأمن الذاتي، وهذا هو ما يحدث في بلاد الرافدين إبّان الحكومة الحالية حيث تتعرض الوحدة الوطنية لانتهاكات منهجية جسيمة تنعكس بدورها على بنية القوى الأمنية وأدائها، وبعد ذلك في انتشار الفساد على نطاق واسع، وفي ضعف الخدمات الأساسية مع النقص شبه الدائم في الكهرباء والمياه النظيفة وتقهقر الخدمات الصحية، حتى يخال المرء بلاد الرافدين خارج منظومة الدول النفطية. تلك هي المعضلة التي ما فتئ العراقيون ينوؤون تحت وطأتها، دون أن يرتسم في الأفق أي مؤشر على قرب انفراج حقيقي، وعلى انتظام العملية السياسية في مسار دستوري وقانوني واضح، فمنطق الغلبة الحزبية والتدافع الطائفي هو الذي يطبع إدارة البلاد، وملتقيات الحوار التي تعقد بين آونة وأخرى بمشاركة عديد المكونات الاجتماعية والسياسية ومقاطعة بعضها الآخر، تنتهي بحبر على ورق وبوعود بلا طائل منها حول حكم القانون واحترام الوحدة الوطنية والفصل بين السلطات. فتمركز السلطات قائم في يد رئيس الحكومة، والبرلمان حتى قبل استقالة أعضائه الأربعة والأربعين مشلول ولا تأثير له على السلطة التنفيذية، وقد تحول إلى منتدى للخطابة والمناوشات الكلامية.

فلا يبقى ما يجري التعويل عليه سوى أن تنهض حركة مدنية ديمقراطية عابرة للطوائف والمناطق، تضم كل المؤمنين بحق العراقيين في إرساء دولة عصرية مدنية يحكمها القانون، وتنهض بتنمية شاملة تضع حداً لظاهرة الفقر المستشري في البلد النفطي الغني، وواقع الحال أن هذه الحركة قائمة عبر تحالف واسع يستعد لخوض الانتخابات وإطلاق حملة سياسية وثقافية واسعة تعيد الأمل للعراقيين، وتستفيد من خبرات ملايين المهجرين إلى المنافي، رغم الصعوبات التي تكتنف طريق هذا التحالف نظرا للعنف المتجول متعدد المصادر، ولحالة الفرز الطائفي والمناطقي، وهي صعوبات موضوعية تستحق أن تشكل رغم ذلك محفزات للعمل والخروج من الطريق المسدود.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165466

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165466 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010