الاثنين 6 كانون الثاني (يناير) 2014

لم نغادر ثقافة هولاكو..

بقلم: سمير رفعت
الاثنين 6 كانون الثاني (يناير) 2014

لم تَمْحُ الأيام فيلماً شاهدتُه منذ عشرات السنين عن حاكم ظالم كان يكره الكتاب.. يكره الثقافة والمثقفين.. كان عدو القراءة حتى أمرَ زبانيته بإحراق كلّ المكتبات الظاهرة والمستترة وأوكل هذه المهمة إلى رجال الإطفاء الذين تبدّلت مهمتهم من إطفاء الحرائق إلى إشعالها فكانوا يتحركون عند كلّ إخبارية بوجود مكتبة أو مجموعة من الكتب مخبّأة في مكان ما أو تحت درجات منزل ما فيحاولون إخلاء المنزل المقصود من سكانه وإذا فشلوا أو داهمهم الوقت كانوا يضرمون النار بما في المنزل ومَن فيه..
سكان المدينة هجروا مدينتهم المجمّرة بعدما سُوّيت بيوتهم بالأرض وراحوا يفترشون الغابة التي كانت تؤويهم بأشجارها.. وراح كلّ شخص من السكان يتقمّص شخصية كتاب.. هذا الشيخ والبحر وذاك قصة مدينتين وذلك الهروب الكبير يزرعون الغابة جيئة وذهاباً وهم يردّدون ما في ذاك الكتاب كي يحفظوه غيباً كما كنا نحفظ الأشعار في صغرنا وكانت خطتهم تلك تهدف إلى حفظ الكتاب من الاندثار..
ومن اللقطات التي ما برحت ذاكرتي في الفيلم شاب صغير لم يتجاوز ربيعه العاشر يجلس إلى جانب جده وهو على فراش الموت يلقنه الجدّ كتاباً حفظه ولا يريد له أن يندثر بموته.. وكان ذلك ختام الفيلم..
أعادني حريق مكتبة السائح الوطنية في طرابلس للأب ابراهيم سروج والتي كانت تحتوي ثمانين ألف مخطوطة وكتاب من نوادر ما كُتِب ونُشر أعادتني رائحة الحريق المنبثقة من شاشة التلفزيون إلى ذاك الحاكم الجائر الذي أحرق مدينته كي يمنع انتشار «آفة» القراءة عند شعبه.. فالقراءة سبيل إلى الثقافة والثقافة سبيل إلى المعرفة.. والمعرفة قوة.. فكان لا بدّ من أن يترك شعبه فريسة الجهل حتى تسهل السيطرة عليه وتطويقه..
لكن الشعب أبى الاستكانة ورفض الاستسلام للجهل وابتكر طريقته الخاصة في الحفاظ على الكتاب من أن تلتهمه النيران.. نيران الجهل فكان أن التَهَم كلّ فردٍ من هذا الشعب كتاباً وأصبح عنوانُ ذلك الكتاب اسماً جديداً له..
ولأنّ التُهَم دائماً جاهزة فقد قالوا عن الأب سروج إنه كان يعيد نسخ كتاب عن الرسول محمد.. وقالوا كي يبرّروا فعلتهم إنه من مؤيّدي النظام السوري في الشام وإنه مقرَّب من فريق الثامن من آذار في لبنان ولم يشفع للأب سروج نفيه طباعة كتاب كهذا بل قال: «هل تصدقون إنني قد أتحدث بسوء عن النبي العربي محمد وأنا الذي أُقدِّره وأحترمه أكثر من بعض المسلمين؟».. وهو صادق في ما يقول حين نرى بعض المسلمين كيف يترجمون حبهم للنبي محمد..
وهنا نسأل هؤلاء: هل كلّ الذين اقتُلِعَتْ قلوبهم وبُقرت بطونهم وقُطعت رؤوسهم وشويت على النار كانوا يعيدون نسخ كتب تتضمّن عبارات سيئة للنبي محمد؟.. هل غزوة الأشرفية قبل سنوات كانت بالفعل دفاعاً عن محمد واستنكاراً لصور مسيئة له أم إساءة له ولدينه ولثقافته السمحة.. هل بتنا نخاف على القرآن والإنجيل من الاندثار على يد جَهَلةٍ من هنا أو هناك.. كذاك الحاكم الجائر؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 4 / 2179035

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2179035 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40