الثلاثاء 7 كانون الثاني (يناير) 2014

استحالة التسوية اللبنانية راهناً

الثلاثاء 7 كانون الثاني (يناير) 2014 par سليمان تقي الدين

هل يمكن تنظيم الخلاف بين اللبنانيين إذا كانت التسوية غير ممكنة الآن؟ يكاد الجواب يكون جازماً بالاتجاه السلبي في ضوء المواقف من تشكيل الحكومة . المسألة فعلاً في استحالة التعايش في حكومة واحدة بين مشروعين يرغب كل طرف أن يفرض توجهاته فيها لاسيّما في السياسة الخارجية والدفاعية . الترتيب السابق قبل الأزمة السورية في نص البيان الوزاري أو في السلوك السياسي لم يعد ممكناً اليوم . أما الحكومة الحيادية ولو كانت مؤقتة وانتقالية فهناك طرف يعتبرها إقصاءً وعزلاً ويهدد بمواجهتها . ويشترط هذا الطرف أن يتضمن بيان الحكومة الاعتراف له بمشروعه وإعطائه الثلث المعطل . الطبقة السياسية تضع البلاد بين الفراغ الكامل في المؤسسات الدستورية وبين الذهاب إلى صِدام واسع .
الحوار الوطني كذلك غير مجدٍ الآن، أي أنه لا ينتج مفاعيل عملية حتى لو أمكن الاتفاق على بعض الخطوات . الوضع الأمني على الحدود ليس تحت السيطرة اللبنانية وكذلك العمليات الأمنية من اغتيال وتفجير . تراكمت المشكلات من دون حل منذ زمن طويل وأصبحت الحلول متعذرة دفعة واحدة لها . الموضوع الفلسطيني بما هو موضوع أمني داخلي، والنازحون السوريون، وانتشار السلاح في مختلف البيئات اللبنانية وإعطاء شرعية لهذا السلاح أياً كان حجمه ووظيفته . التسويات السياسية التي جاءت دائماً على حساب الدستور والقانون وخلقت أعرافاً بات الفرقاء يستندون إليها . أما الخلل الأكبر فهو في عدم تكريس المبدأ الديمقراطي والاحتكام إلى إرادة الناس
من خلال انتظام الانتخابات النيابية وقانون عادل للانتخابات .
لبنان الآن، مجتمعاً ودولة، محكوم بقوة الأمر الواقع، وبهذه التقاليد الاستبدادية وليس بالمعايير والقواعد الديمقراطية . وعلى مدى سنوات لم تتمكن الدولة من
لجم عمليات العنف الأهلي والاغتيالات ومحاسبة
أي من الأطراف المسؤولين عنها . فنشأت أوضاع من
التراخي المتزايد في هيبة الدولة ومؤسساتها، لاسيّما الأمن والقضاء .
لا شك في أن الأوضاع السياسية والأمنية المحيطة بلبنان تؤثر مباشرة وبقوة في النزاعات الداخلية، لكن المسألة الأساسية هي في ضعف المناعة الداخلية وانهيار الحدود بين الداخل والخارج جرّاء تكوين قوى سياسية صادرت قرارات طوائفها وأخرجتها من فلك الدولة ووضعتها في مواجهة معها . هذا المسار ليس حالة طارئة وحديثة، بل هو بدأ بعد الحرب الأهلية من خلال التطبيق المشوه لتسوية “الطائف”، والإدارة الإقليمية التي ارتكزت إلى مصالح الطبقة السياسية غير المستعدة لبناء الدولة، ما خلق أوضاعاً شاذة واستثنائية، خاصة التفلّت من سلطة الدولة وأخذ امتيازات كبيرة منها وعلى حسابها نتج عن تواطؤ بين كل أطراف الطبقة السياسية . يكاد الوضع الآن يبدو أمام استحالة كبرى لإنهاض الدولة أو لإعادة مقوماتها من خارج تفاهمات وطنية شاملة وعميقة . وهذه التفاهمات ليست سهلة في ظل شعور الفرقاء بالاستقواء لهذا السبب أو ذلك .
وفي هذه اللحظة الحرجة من الاستحقاقات الدستورية الوطنية لتشكيل حكومة وانتخاب رئيس جمهورية هناك أطراف جاهزة لتعطيل هذه الاستحقاقات كوسيلة ضغط كبرى من أجل الحصول على شروط أفضل في السلطة . غير أن التوازن المطلوب في السلطة ليس من النوع الذي يمكن أن يساعد على الحوار والتسوية . فما يطلبه فريق من اللبنانيين هو إلزام الدولة اللبنانية بخيار سياسي يرفضه نصف الشعب اللبناني على الأقل . وهو خيار لا يجلب الاستقرار للبنان ولا يساعد على معالجة مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية، بل يزيدها تعقيداً وينشئ نوعاً من “المجتمع الحربي” لأهداف وأغراض تتعدى مصالح البلاد وتضعها رهينة أوضاع إقليمية مضطربة .
إذا كانت الأزمة بهذا الحجم، فإن محاولات تحييد لبنان أكثر صعوبة من ذي قبل . وخيار “النأي بالنفس” عن الأزمة السورية الذي التزمته الحكومة لم يطبق ولم يثبت جدواه . تستطيع الحكومة أن تتخذ مواقف سياسية مرنة ومحايدة إذا كانت أكثر انسجاماً بين أطرافها لكنها لا تستطيع اليوم أن تلزم الفرقاء اللبنانيين بها بعد حجم التورط الذي أسقط الحدود بين البلدين، وبعد أن ساهم في تعميق الانقسام بين اللبنانيين وخلق جغرافية سياسية متناقضة . فهل يكون ذلك طريقاً حتمياً لاختبار القوة والدخول في صِدام مفتوح، أم يمكن لمبادرة من هنا أو هناك أن تلجم هذا التصعيد من داخل أو من خارج؟ حتى هذه اللحظة لا بوادر سياسية تؤشر على مخارج، ولا مبادرات "جديّة تحاول تنظيم الخلاف وإخراجه من دائرة الصِدام . وليس في الأفق ما يساعد انطلاقاً من الاستحقاقات الضاغطة والحاجة إلى قرار ما، على تمرير الوقت أو البقاء في حالة اللاقرار . قد يعني ذلك أن لبنان سينضم إلى دائرة الفوضى العربية ما يهدد بمخاطر على كيانه ووحدته .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2176532

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2176532 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40