الأربعاء 7 تموز (يوليو) 2010

هل تجري الولايات المتحدة حواراً مع حركة «حماس»؟

الأربعاء 7 تموز (يوليو) 2010 par علي بدوان

تشير العديد من المصادر إلى أن قنوات الاتصال السرية غير المباشرة بين حركة «حماس» والإدارة الأميركية لم تنقطع خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حتى أثناء العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة أواخر العام 2008 وبداية عام 2009. فقد كانت المعلومات تتسرب كل يوم وهي تحمل معها أخباراً ما عن اللقاءات غير المباشرة وحتى المباشرة على مستويات معينة ولو كانت أدنى من مستوى صناع القرار، والتي كانت تتم في أكثر من عاصمة عربية وغير عربية. ووصلت الأمور في مرحلة من المراحل أن بات الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر رسولاً مباشراً بين الحزب الديمقراطي الأميركي وحركة حماس، عندما كان الديمقراطيون يتهيأون للفوز في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة التي أوصلت الرئيس باراك أوباما للموقع الأول.

كارتر وبدايات الانفتاح

فالرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر زار قطاع غزة مرتين واجتمع مع قيادات حركة حماس هناك، بمن فيهم إسماعيل هنية، وأجرى معهم لقاءات متواصلة، فسرها البعض بأنها انعكاس لقناعة سادت لدى أوساط هامة في الحزب الديمقراطي الأميركي بعدم تجاوز حركة حماس بأي عملية سياسية قادمة.

وعليه، لم تأت لقاءات الرئيس جيمي كارتر مع قيادات حركة حماس داخل فلسطين وخارجها من فراغ أو دون مقدمات، فقد جاءت تلك اللقاءات وهي تحمل معها أكثر من دلالة وأكثر من مؤشر سياسي، بعد سلسلة من التحولات التي تلاحقت خلال الفترات الماضية على جبهة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والتي فرضت نفسها تلقائياً مع رسوخ مكانة حركة حماس في النسيج المجتمعي والمعادلة الفلسطينية، وتعاظم تأثيرها في المسار السياسي بعد سنوات من محاولة شطبها وإزاحتها خارج دائرة الفعل والتأثير. وهو ما اعتبره البعض من الفصائل الفلسطينية بدايات هامة للتأسيس لتغيير المواقف الرسمية الأوروبية من الفصائل الفلسطينية المختلفة وقوى المقاومة بشكل عام، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي خصوصاً، بينما اعتقد البعض أنه من المبكر الحديث في ذلك الاتجاه، مشيرين إلى عدم حدوث تغيير جذري في المواقف الأوروبية.

وجاءت مرحلة ما بعد الحرب العدوانية على قطاع غزة الأخيرة لتثير قناعات بدأت تتعزز لدى الكثيرين مفادها إدراك الغرب الرسمي، والإدراك الأميركي «غير الرسمي» لخطأ تقديراتهم المتعلقة بتكوين وتشكيلات الخريطة السياسية الفلسطينية، وتجاهلهم صعود حركة حماس، حيث لم يعد بالإمكان معاملتها كتيار هامشي بالإمكان إقصاؤه أو تهميشه، ومن ثم القضاء عليه تلقائياً. فقد استطاعت حركة حماس خلال الفترات القليلة الماضية تحقيق عدة نقلات نوعية في أكثر من حدث متتال في سياق حضورها وتأثيرها في ساحة الفعل الفلسطينية، وفي ساحة العمل السياسي.

وفي هذا السياق، فإن لقاءات حركة حماس تواصلت مع شخصيات تمثل النخب السياسية والثقافية الأوروبية والأميركية، وتضم هذه النخب نواب ومسؤولين سابقين ومديري مؤسسات أهلية وأكاديميين ونشطاء سلام في أوروبا والولايات المتحدة.

جاءت تلك الزيارات في ظل كشف النقاب عن عدد من اللقاءات التي أجراها عدد من المقربين من قيادات حركة حماس مع مسؤولين أوروبيين ودبلوماسيين أميركيين سابقين. وذهبت بعض المصادر للقول في حينها بأن عضو المكتب السياسي لحركة حماس محمود الزهار، ووزير الصحة باسم نعيم، والناطق باسم الحكومة طاهر النونو، وأسامة حمدان مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة شاركوا في عدد من تلك اللقاءات، التي نظمت بدعوة من مؤسسة «فوروورد ثنكينغ» وبمشاركة مبعوث وزارة الخارجية السويسرية إلى الشرق الأوسط جان دانيال روح، وبمشاركة كل من وكيل وزارة الخارجية الأميركي السابق توماس بيكرنغ، ومسؤول برنامج الشرق الأوسط في «مجموعة الأزمات الدولية» روبرت مالي، والسفير البريطاني السابق في نيويورك وبغداد جيرمي غرينستوك، ووزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فيدرين، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني روبرت بولينز، إضافة إلى باحثين وخبراء أوروبيين وأميركيين آخرين عرفوا بحماسهم لإجراء اتصالات مع حركة حماس.

وأشارت المعلومات أيضاً إلى أن الأوروبيين بحثوا مع ممثلي حركة حماس الخلاف حول الشروط التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية للاعتراف بأي حكومة فلسطينية مستقبلية، سيما المطالبة بالاعتراف ب«إسرائيل» والالتزام بالاتفاقيات الموقعة ونبذ المقاومة بوصفها نوعاً من «الإرهاب»، حيث حرص الأوروبيون على استكشاف هامش المرونة لدى حركة حماس.

وعلى الرغم من أن الأميركيين الذين شاركوا في هذه اللقاءات لا يشغلون أي مناصب رسمية عليا في الإدارة الأميركية إلا أن مشاركتهم في هذه اللقاءات تمت بالتنسيق مع هذه الإدارة وبتشجيع منها، أو بالأحرى وبطلب منها.

حدود التغيير في الموقفين الأوروبي والأميركي

وبالتأكيد فإن الحوارات واللقاءات الأوروبية التي تمت وتتم الآن مع حركة حماس وقيادات باقي القوى والفصائل، لم تكن حباً خالصاً من الغربيين أو من الإدارة الأميركية أو إنصافاً منهم لقضية عادلة، بل جاءت في سياقات تبلور قناعات بدأت ترسو رويداً رويداً، داخل مصادر القرار الأوروبي وفي الولايات المتحدة، وهي قناعات تقر بأن الخريطة السياسية الفلسطينية الداخلية متنوعة، وأن على واشنطن والأوروبيين أن يتعاملا بطريقة مغايرة مع الفلسطينيين، بطريقة تحترم هذه التعددية الفلسطينية، وهي تعددية رسختها وأكدت عليها الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت تحت رقابة الأوروبيين والرئيس كارتر ذاته.

كما ساعد على إعادة بناء الموقف الأوروبي التحولات التي أحدثتها عملية الصمود في قطاع غزة، وما حققته قوى المقاومة الفلسطينية بشكل عام، على جميع الأصعدة السياسية والكفاحية والإغاثية، رغم قرار الحصار الإسرائيلي الجائر المفروض على قطاع غزة.

ومع ذلك، فإن تلك اللقاءات لا تعني البتة أن المواقف الأوروبية باتت نزيهة ومقبولة فلسطينياً ولو في حدودها الدنيا، ولا يعني أيضاً أن الموقف الأميركي بات على سكة العدالة والنزاهة في النظر لعناوين القضية الفلسطينية والصراع مع المشروع الاستيطاني الكولونيالي الصهيوني على أرض فلسطين.

فدول الاتحاد الأوروبي مازالت بمعظمها أسيرة السياسات الأميركية في كل ما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، وبالتالي فإنه ما لم يحدث تغيير حقيقي في المواقف الأميركية الرسمية فانه لا أمل في حدوث تغيير حقيقي في المواقف الأوروبية. وفي هذا المجال فإن الأوروبيين يعملون على إعادة استنساخ تجربة العلاقات الأميركية بمنظمة التحرير، عندما أصرت الإدارة الأميركية نهاية عام 1988، على أن تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بـ «إسرائيل»، وأن تنبذ «الإرهاب» في إشارة للمقاومة المسلحة والمشروعة للشعب الفلسطيني، وأن تعترف بالقرار 242، مقابل بدء واشنطن فتح الحوار المباشر معها، وهو ما حصل بالفعل حين لبت المنظمة المطالب الأميركية في (14/12/1988)، وفتحت عندها الإدارة الأميركية حوارها مع المنظمة بسلسلة لقاءات في تونس ترأسها روبرت بيللترو عن الجانب الأميركي وياسر عبد ربه والحكم بلعاوي وعبد اللطيف أبو حجلة (أبو جعفر) عن الجانب الفلسطيني، إلا أن تلك الحوارات توقفت بعد قيام جبهة التحرير الفلسطينية (بقيادة محمد عباس/أبو العباس) بتنفيذ عملية فدائية على شواطئ تل أبيب في مايو 1991.

ولما عاد الحوار واستؤنف بين المنظمة والإدارة الأميركية، كانت النتيجة النهائية للحوار الأولي مع الإدارة الأميركية واضحة ومعروفة حالياً، حيث أن اعتراف المنظمة ب«إسرائيل» لم يقابل باعتراف إسرائيلي بحقوق الشعب الفلسطيني، بل على العكس حرصت الولايات المتحدة على توظيف علاقاتها مع المنظمة في ابتزازها ودفعها للتنازل عن المزيد من الثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية.

حماس والولايات المتحدة الآن

في هذا السياق، وقبل أيام قليلة (نهاية يونيو 2010) كشفت مصادر فلسطينية رفيعة المستوى وموثوقة ومقربة من حركة حماس أن حالة الفتور والجمود التي سادت الاتصالات غير المباشرة بين حركة حماس والإدارة الأميركية بدأت في الانحسار وهي الآن في مراحلها الأخيرة، وذلك نتيجة مجموعة من الأسباب التي تراكمت خلال الفترات الأخيرة، والتي أسهمت في إعادة تشكيل الموقف الأميركي وبحدود معينة بشأن مسألة الاتصالات الأميركية مع حركة حماس، وانسجاماً مع رغبة العديد من الجهات الدولية في إعادة تقييمها للخارطة السياسية في المنطقة وفي فلسطين.

وتبين أن اللقاءات المكثفة جاءت بناءً على طلب من الرئيس الأميركي باراك أوباما شخصياً، بل وعلم أن مبعوثاً أميركياً على مستوى عال سيصل خلال فترة قريبة جداً إلى دولة عربية لعقد لقاء مع قيادات حركة حماس وتسليمها رسالة من الإدارة الأميركية.

من هنا، فالعديد من المؤثرين في صناعة القرار داخل الإدارة الأميركية، باتوا على قناعة تامة، بأن الحوار مع حركة حماس أفضل من الإحجام أو المقاطعة، في ظل تنامي دورها وتأثيرها في المجتمع الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة، وهو أمر يجعل من تجاهلها خطأ سياسياً فادحاً، وتجاهلاً للوقائع المرتسمة على الأرض.

وعليه، قالت لنا مصادر فلسطينية موثوقة من داخل بعض القوى الفلسطينية ومن خارجها، أن سلسلة لقاءات مكثفة جرت مؤخراً بين قادة ومسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، وقادة من حركة حماس بمستويات معينة تعتبرهم الإدارة الأميركية من «المعتدلين» في واشنطن وبعض العواصم الأوروبية. مشيرةً إلى أن اللقاءات السرية تناولت قضية برنامج حركة حماس السياسي وضرورة الاعتراف بـ «إسرائيل» من الوجهة الأميركية، وكذلك الانتخابات الفلسطينية التشريعية والرئاسية القادمة، وملف الحصار الإسرائيلي الصهيوني لقطاع غزة، ومعبر رفح والأسير الإسرائيلي جلعاد شاليت.

وبالتأكيد فإن الموقف الأميركي المتعلق بشروط الرباعية الدولية وضرورة اعتراف حركة حماس بها، واعتراف حماس أيضاً بـ «إسرائيل» مازالا يشكلان عقبة كأداء على طريق الحوار الجدي المباشر بين الإدارة الأميركية وحركة حماس. فحركة حماس لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقبل بإلغاء نفسها عبر اعترافها بسلة المطالب الأميركية، خصوصاً أن المطالب الأميركية غير عادلة وبعيدة عن الإنصاف.

ومن المعروف بأن حركة حماس لا ترفض أي حوار مع أي طرف إقليمي أو دولي سوى الحوار مع الدولة الصهيونية وأي من قادتها. لذلك فقد كانت حركة حماس قد أرسلت خلال الفترات الماضية عشرات الرسائل بهذا المعنى لعدد كبير من الأطراف الدولية المؤثرة، بمن فيها الأطراف الأوروبية والطرف الأميركي.

وبطبيعة الحال، فإن «إسرائيل» تعارض أي اتصالات أميركية أو غربية مع حركة حماس، وتتخذ موقفاً عدائياً بهذا الشأن، حيث سبق وأن عبرت عن امتعاضها من الأنباء التي تتالت عن وجود قنوات ما من الاتصالات الأوروبية والأميركية مع حركة حماس وحتى مع روسيا التي فتحت منذ سنوات اتصالات رسمية ومباشرة مع حركة حماس، وهو ما أشار إليه أفيغدور ليبرمان أثناء لقاءه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مؤخراً، حين قال «إن إسرائيل تعارض وجود علاقات بين روسيا وحركة حماس»، في حين أصر سيرغي لافروف على أنه لا مناص من إجراء حوار مع حركة حماس نظراً لحضورها وتأثيرها في أوساط الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة. ومن هنا فقد بادرت موسكو قبل غيرها لاستيعاب دروس ما جرى في فلسطين بعيد الانتخابات التشريعية بداية عام 2006، فكان التعاطي الروسي مع حركة حماس بداية مؤثرة قصت الشريط أمام إمكانية دخول حركة حماس النادي السياسي الدولي في مواجهة الحصار الأميركي، عبر زيارات رسمية تمت لوفود من حركة حماس إلى قصر الكرملين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2166050

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166050 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 30


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010