الأحد 19 كانون الثاني (يناير) 2014

السلطة من دون هدف

الأحد 19 كانون الثاني (يناير) 2014 par نينا خروشوفا

أكثر من عقدين من الزمان كان أغسطس/ آب الشهر الأقسى بالنسبة للقادة الروس فانقلاب أغسطس/ آب سنة 1991 أدى إلى خروج الرئيس ميخائيل غورباتشوف من السلطة ونهاية الاتحاد السوفييتي . إن العجز عن سداد الديون وانهيار الروبل في أغسطس/ آب 1998 أضاع إصلاحات السوق الحر التي قام بها الرئيس بوريس يلتسين مما نتج عنه إقالة رئيس الوزراء سيرجي كيرينكو .
وفي شهر أغسطس/آب الذي يليه أعلن يلتسين المريض والضعيف أن فلادمير بوتين رابع رئيس وزراء خلال سنة سوف يتولى قريباً مهام الرئيس وبعد ذلك بأربع سنوات وفي أغسطس/آب 2003 أظهر الاستهداف الضريبي للقيادي الروسي المتنفذ ميخائيل خودوركفسكي والذي تم بإيعاز من الكرملين ومصادرة شركته النفطية يوكوس ماذا كان بوتين يعني “بدكتاتورية القانون” .
إن لعنة آخر الصيف تسبق الآن “ديسمبر البؤس” أو على الأقل بالنسبة لناشطي الديمقراطية، ففي ديسمبر 2011 فشلت الاحتجاجات الواسعة ضد قيام بوتين بالتحكم في نتائج الانتخابات وضد قيامه بترشيح نفسه للمرة الثالثة كرئيس لروسيا كما أن ديسمبر ،2013 كان أيضاً مملوءاً بنذر لما تخبئه الأيام المقبلة .
لقد بدأ الشهر بدعوات دولية لمقاطعة الألعاب الأولمبية الشتوية التي سوف تقام في سوتشي في فبراير المقبل احتجاجاً على القانون الذي أجازه الكرملين والذي يحرم الدعاية المتعلقة بالمثليين الجنسيين، وأعقب ذلك اضطرابات سياسية في أوكرانيا المجاورة حيث حاول المحتجون الإطاحة بقادتهم ولكنهم فشلوا في مسعاهم مجدداً ولقد انتهت السنة بتفجيرين انتحاريين في فولغوغراد والذي نتج عنهما مصرع عشرات الأشخاص . إن الهجوم على فولغوغراد التي كانت تدعى سابقاً مدينة القياصرة وبعد ذلك ستالينغراد (رمز الصمود السوفييتي إبان الحرب) هو هجوم استهدف أكثر المدن الروسية رمزية .
لقد قام بوتين في ديسمبر كذلك باستخدام أكثر صلاحياته رفعة وهي صلاحية العفو الرئاسي حيث منح الحرية لعدة أشخاص ومن بينهم خوردوكفسكي الذي كان أمضى عقداً من الزمان خلف القضبان إضافة إلى عضوتين من الفرقة الموسيقية المعارضة “بوسي ريوت” . إن هذه التصرفات التي تنم في ظاهرها عن الرحمة تم تقديمها على أنها أفعال حكيمة لقيصر عصري يحب الخير، ويحكم باسم القيم التقليدية وأنها أفعال يرفضها الانحطاط الغربي بالرغم من أن الحكومات الغربية هي التي ضغطت باتجاه الإفراج عنهم .
إن الدافع الحقيقي لبوتين من وراء قرار العفو لا يتعلق بأي مفهوم تقليدي للقانون والنظام ولا بأي تحرك باتجاه الديمقراطية . فبوتين أراد بالإفراج عن معارضيه إرضاء منتقديه الأجانب قبل الألعاب الأولمبية القادمة، وإلى حد ما نجح في ذلك حيث بالرغم من المصلحة الذاتية الواضحة لبوتين من قرار العفو بدأ المنتقدون يتحدثون عن هذا الانفراج من جانب بوتين .
يبدو أنه في وقت سابق من الصيف الماضي أدرك بوتين أن مقاربته الاعتيادية والمتعلقة بالعلاقات العامة، أي تقبيل النمور واكتشاف الكنوز الغارقة وركوب الخيل وهو عاري الصدر في غابات الصنوبر السيبيرية لا تليق بقائد عالمي وعليه وبفضل انضباطه وذلك بحكم عمله السابق في الاستخبارات السوفييتية ال “كي جي بي” قرر إعادة تركيز انتباهه على استغلال نقاط الضعف عند معارضيه وخاصة نقاط الضعف لدى الرئيس باراك أوباما . لقد كان هذا التكتيك ناجحاً بحيث خلق انطباعاً عن الصحوة الروسية .
لقد احتفى بوتين المتأنق بسنة 2013 خلال خطبته المعتادة بمناسبة رأس السنة، وذلك من خلال كلامه عن كيف تمكنت روسيا من التفوق على الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية، وبشكل عام أشار إلى عرض اللجوء المقدم من روسيا إلى متعاقد الاستخبارات الأمريكية إدوارد سنودين في الصيف الماضي وصفقته للتخلص من الأسلحة الكيماوية السورية ما منع الولايات المتحدة من ضرب حليف روسيا وعودة أوكرانيا إلى النفوذ الروسي بعد رفضها بضغط من الكرملين اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي .
ولكن كما تظهر الأفعال الإرهابية غير الإنسانية (كما أشار إليها بوتين نفسه) في فولغوغراد فإن الانتصارات التكتيكية لا تؤدي دائماً لنجاح استراتيجي . إن محاولة بوتين تهدئة شمال القوقاز عن طريق تنصيب رمضان قادريوف كرئيس لجمهورية الشيشان قد أدى إلى حصول هدنة هشة على أرض الواقع والتي تركت روسيا غير محصنة من الإرهاب .
وحتى آخر تلك المشاريع القريبة من قلب بوتين - إثبات أن بإمكان روسيا استضافة الألعاب الأولمبية بنجاح مثل بكين أو لندن - يمكن أن يأتي بنتائج عكسية بسهولة . إن عدد الميداليات التي ستتمكن روسيا من إحرازها قد يخلق شعوراً طيباً على المستوى الوطني ولكن فقط إذا جرت ألعاب سوتشي بشكل سلس وآمن . إن الخطر هو أنه كلما زاد نجاح
المتمردين الشيشان وغيرهم زادت احتمالية أن يحددوا أهدافاً أخرى، حتى لو كان ذلك على حساب المزيد من الخسائر البشرية المروعة .
إن بوتين بقمعه للمعارضة في موسكو وغروزني وغيرهما من الأماكن يضع غطاء على إناء يغلي . يبدو أن جزءاً من مصاعب الكرملين يأتي من هذا النقص اللافت في الرؤية المستقبلية أي فشل أساسي في فهم طبيعة روسيا الحالية والمستقبلية . نحن نعلم أنها لم تعد قوة اقتصادية على الرغم من وجود احتياطات النفط وهي ليست نداً للولايات المتحدة أو حتى الصين في الشؤون الدولية ولكن من غير الواضح ماذا كانت روسيا تريد أن تصبح؟ امبرطورية يتم إحياؤها من جديد أو أوتوقراطية جديدة أو ديمقراطية ذات سيادة أو ربما شيئاً آخر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 61 / 2165829

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165829 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010