الخميس 23 كانون الثاني (يناير) 2014

قصة الطريق الثالث

الخميس 23 كانون الثاني (يناير) 2014 par خيري منصور

لكل مصطلح قصة، لكنه بمرور الوقت والإفراط في التداول الإعلامي يصبح عائماً، وقابلاً للاستخدام في سياقات بعيدة عن دلالاته .
فمصطلح المائدة المستديرة مثلاً، ابتدعه الملك آرثر تكريماً للفرسان الذين أحاطوا به، لأن دلالة المائدة المستديرة هي التساوي بين الأطراف الذين يتحلقون حولها، وكذلك كان مصطلح اليسار واليمين والذي بدأ مع فريق جلس على اليسار والآخر على اليمين وكان اليسار معترضاً مقابل اليمين الذي لم يكن كذلك .
واليوم نقرأ مصطلح الطريق الثالث في العديد من المقاربات الفكرية والسياسية فيبدو لأول وهلة توفيقياً إن لم يكن تلفيقياً، كأنه مجرد متوسط حسابي بين رقمين! والحقيقة أن أول استخدام لهذا المصطلح كان في أواخر القرن التاسع عشر عندما أطلق على الأسلوب الذي اقترحه البابا بيوس الثاني عشر حين دعا إلى طريق وسط بين الاشتراكية والرأسمالية، وهو بالتأكيد مفهوم مختلف عما عرفناه في العالم العربي وبعض دول العالم الثالث تحت عنوان الطريق اللارأسمالي نحو الاشتراكية .
لكن منظر هذا الطريق في عصرنا الذي عمّق دلالاته الفكرية والسياسية هو أستاذ جامعي ومفكر بريطاني اسمه انطوني جيدنز الذي تتلمذ عليه بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وحاول أن يطبق نظريته، ولحسن الحظ فإن كتاب انطوني جيدنز الأساسي حول مفهوم الطريق الثالث ترجم إلى العربية بعنوان إضافي هو “تجديد الديمقراطية الاجتماعية”، لكن صائدي المصطلحات نادراً ما يحاولون فهمها ووضعها في السياقات الملائمة لها، خصوصاً تلك التي تصبح عبر الميديا ذات إشعاع فوسفوري جاذب وخاطف للأبصار .
لهذا يقول صاحب الطريق الثالث، إن كلمة العولمة لا يكاد يخلو منها مقال أو مناسبة، وغالباً ما تستخدم على نحو قسري تماماً، كما أن مصطلح الطريق الثالث يستخدم بشكل سطحي لا يتخطى مفهوم الوسطية بين الثنائيات، سواء كانت اشتراكية ورأسمالية أو يساراً ويميناً والمثال الذي يورده لتوضيح هذا الطريق هو التجربة التي شهدتها يوغوسلافيا في عهد الرئيس تيتو .
إن قصة هذا المصطلح وغيره من المصطلحات المتداولة بشكل مجاني تذكرنا بحكاية تنسب إلى الفيلسوف الألماني شوبنهاور، فقد كان يتناول وجبة عشائه يومياً في مطعم بريطاني، ويلاحظ الزبائن الجالسين إلى جواره أنه يضع قطعة نقود على المائدة، لكنه يعيدها إلى جيبه عندما يغادر المكان .
وحين سئل عن السبب، قال إنه رهان بيني وبين نفسي، فكل زبائن هذا المطعم من الإنجليز لا يتحدثون إلا في أمرين فقط، هما الخيول والنساء، لهذا راهنت نفسي على أن أترك قطعة النقود للنادل إذا حدث وخرج الزبائن عن هذين الموضوعين .
وبإمكان أي شخص الآن، غير الفيلسوف شوبنهاور، أن يراهن نفسه على أن يخسر الرهان إذا قرأ كتاباً أو مقالة تخلو من مصطلحات من طراز العولمة والطريق الثالث والإقصاء السياسي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 129 / 2165440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010