الخميس 23 كانون الثاني (يناير) 2014

عام جديد ببصمات آسيوية

الخميس 23 كانون الثاني (يناير) 2014 par جميل مطر

بضع صخور في بحر الصين الشرقي وبضع صخور في بحر الصين الجنوبي مسؤولة عن حال التوتر في منطقة شرقي وجنوب شرقي آسيا . هكذا يجري في بعض الكتابات الغربية تبسيط الوضع في آسيا . يصورونه على أنه خلاف بين الصين من ناحية واليابان ودول في جنوب شرقي آسيا من ناحية أخرى على مجموعة جزر غير ذات أهمية . ولكنهما في نظرهم يهددان بصراع أوسع وأشد خطورة .
التبسيط مخل، ولكن ليس كثيراً . بعض الصخور، وبخاصة الصخرتان الكبيرتان في بحر الصين الشرقي، بالفعل غير ذات قيمة اقتصادية أو استراتيجية كبيرة، إلا إذا كانتا تحتويان على الطين الأسود الحيوي في بعض الصناعات الاستراتيجية، وهو الأمر الذي لم يتأكد بعد . القيمة المؤكدة لهاتين الصخرتين هي في كونهما رمزاً قومياً تضخمه أجهزة الدعاية في كلا الدولتين . أما صخور بحر الصين الجنوبي فأغلبها له قيمة استراتيجية كبرى كمحطات بحرية تهيمن على حركة المرور في واحد من أهم الممرات المائية في العالم .
لاشك في أن تصعيد الخلافات بين الصين واليابان ستكون له آثار مباشرة في القارة الآسيوية بأسرها . ليس خافياً أن آسيا بدأت تشعر بثقل التوتر الملحوظ في أقصى الشرق على مختلف تفاعلاتها . يعرف الآسيويون أن اليابان لن تشعر بالراحة والطمأنينة طالما استمرت الصين تتسلح وتبدع في اختراعاتها التكنولوجية، وتوسع من نشاط أساطيلها البحرية وتغلق مجالات جوية على طائرات الدول الأخرى . يعرفون أيضاً أن الصين لم تشعر بالراحة والطمأنينة منذ أن بدأت اليابان تخرج من عزلتها العسكرية التي فرضتها على نفسها . خرجت فتسلحت برضاء القوى العظمى في العالم وهي الآن تشارك في مناورات بحرية مع الهند، العدو القديم والمحتمل دائماً للصين، وتحصل منها على تسهيلات في الموانئ والممرات المائية لتتمكن من حماية قوافل تجارتها البحرية .
ومع ذلك نخطئ خطأ جسيماً لو قصرنا اهتمامنا على العلاقات اليابانية- الصينية على أهميتها القصوى، ففي كافة أنحاء آسيا بؤر قلق وتوتر تنفجر بكثافة مدهشة وبعواقب وتداعيات غير عادية، ليس فقط بالنسبة إلى الأمن هذا الجزء أو ذاك من القارة، ولكن بالنسبة إلى أمن القارة بأسرها، وبالتالي بالنسبة إلى الأمن الدولي .
نظرة إلى خريطة الانفجارات الآسيوية توضح كيف أن التوتر الإقليمي لا يقتصر على الدول الأكبر في القارة والعلاقات بينها فقط، بل نراه ممتداً إلى الدول الأصغر جداً . هناك قلق له ما يبرره سببه الخشية السائدة في عواصم آسيوية وأوروبية عدة من احتمالات عودة الصراع الداخلي في سيريلانكا، بعد ان تأكد أن نمور التاميل عادوا يستجمعون قواهم بعد ان خاب أملهم في تنفيذ اتفاق السلام المعقود بينهم وبين الأغلبية الحاكمة في كولومبو . احتدام الصراع داخل سيريلانكا من جديد يعني عنصراً إضافياً لتشتيت جهود قوى الأمن الهندية، بعيداً عن الأخطار التي تهددها من المتمردين الماويين والقبليين في الوسط وثوار كشمير وحركات الاحتجاج في الشمال .
وإلى الشرق من الهند، حيث تحقق لأمريكا ودول أوروبا بعض ما أرادت فقامت حكومة ميانمار العسكرية بتعديلات في نظم الحكم تسمح بانتخابات برلمانية، وما تلاه من تغير في مكانة بورما فجأة في نظر الغرب والهند فأقبلوا جميعا عليها ليحظوا باتفاقات تجارية وعسكرية، والوقوف ضد الصين لمنعها من احتكار النفوذ في بورما . خلف هذه الواجهة الديمقراطية البراقة تتنشر الآن في كافة أنحاء ميانمار ثورات وانتفاضات قبلية ودينية وحملات إبادة ومذابح، لا شيء منها يثير اهتمام أو غضب العالم الخارجي الذي قضى سنوات عدة منشغلا بكفاح النشطاء في حركة المجتمع المدني ضد الحكم العسكري .
وعلى حدود بورما، دولة صغيرة ثالثة، لم يعرف شعبها الراحة أو النوم طيلة الشهور الماضية . إذ تربعت على كرسي الحكم في تايلاند سيدة تنتمي لطبقة رجال الأعمال وصلت إلى كرسيها بانتخابات ديمقراطية سليمة، ونشطت قوى اشتهرت عبر التاريخ الحديث لتايلاند بالعناد وحب السلطة وقلب النظام عن طريق تحريض قطاعات شعبية متضررة اجتماعياً واقتصادياً ضد الحكومة . تايلاند، مثل أكثر دول الربيع العربي، دولة موقوفة بإرادة جماهير تحتل الميادين والشوارع منذ شهور، وتغلق المباني الحكومية، وتعطل حال التجارة والسياحة، وفي الوقت نفسه تثير قلق الهند والصين ودول أخرى مجاورة، وأكثرها لا يريد عودة الجيش إلى مقاعد الحكم في بانكوك واستئناف المعارك ضد الأقليات .
وفي نيبال، الدولة التي عاشت عقوداً تطل بخجل ووجل على عملاقين يسكنان أراضي شاسعة تحت سطوتهما، يعيش الناس في توتر شديد تحت وقع الاحتمال المتزايد بعودة الماويين وغيرهم من كتائب اليسار المتطرف إلى إثارة الفوضى في البلاد، وربما الهيمنة على الحكم . لن تكون الهند راضية عن هذا التطور لو حدث، وكذلك الصين، كلاهما اختلق لنيبال وضعاً حيادياً لا يجوز النيل منه، ومع ذلك، لم يعد خافياً أن الصين مدت في السنوات الأخيرة طرقاً وسكك حديد إلى مسافات قريبة من حدودها مع نيبال، ووضعت قوات إضافية على هذه الحدود، الأمر الذي أثار احتجاج الهنود الذين يصعب عليهم مجارات الصينيين في الإنفاق والحشد . يثير قلق الهنود أيضاً ان الظاهرة النيبالية قد تتكرر في دويلات سفوح الهيمالايا، مثل آسام . هناك في هذه المنطقة شعوب عزلها الإنجليز خارج التاريخ، ولم يفرج عنها الهنود . هذه الشعوب تتمرد الآن، ولم تجد حكومة نيودلهي بداً من إرسال قوات عسكرية لاستعادة النظام وتثبيت الانعزال .
إذا أضفت الانتفاضات الداخلية العنيفة في كل من كمبوديا والفلبين وبنغلاديش أستطيع أن أخلص إلى أن معظم هوامش الدول الآسيوية الكبرى ملتهبة أو على الأقل مهددة بعناصر عدم استقرار . وسوف تبدو الصورة الكاملة أشد التهاباً لو أنني أضفت احتمالات تطور أوضاع إقليمية أخرى نحو مزيد من التدهور أو الاضطراب . أقصد أولاً: الوضع في أفغانستان خلال عام 2014 أي مع الاقتراب من مدى تسليم شؤون الأمن من أمريكا والناتو إلى جيش قرضاي، في وجه استعدادات قوية من جانب الطالبان لإطاحة نظام الحكم في كابول .
أقصد ثانياً: التطورات في باكستان، وأغلبها يشير إلى وضع لا يبتعد كثيراً عن نموذج “الدولة الفاشلة”، بكل ما يمكن أن يسبقه من اغتيالات وتمرد وحروب أهلية وانفصالية .
أقصد ثالثاً: التصعيد المتعمد والمتصاعد من جانب قوى أجنبية لإثارة حالة من التمرد والعصيان في إقليم سنكيانغ في غربي الصين، والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه حكومة بكين لردع هذه القوى خارج حدودها .
أقصد رابعاً: الزحف الهادئ ولكن المؤثر من جانب روسيا البوتينية لاستعادة النفوذ الذي كان من نصيب الاتحاد السوفييتي في أقاليم وسط آسيا، والانتهاء من الزحف، إن امكن، قبل خروج الغرب من أفغانستان، وقبل حلول النفوذ الصيني والهندي محل النفوذ الغربي .
أقصد خامساً: زحف الجناح الآسيوي من الشرق الأوسط تجاه الشرق، وبخاصة بعد ان أصبحت كل من إيران وباكستان قوتي جذب شديد الفاعلية، تشدان اهتمام عدد متزايد من الدول العربية، وبخاصة السعودية بآسيا وبعدها بقليل دول أخرى في الخليج ثم مصر . الدولتان هما باكستان وإيران . كلتاهما ولأسباب مختلفة تماماً سوف تترك بصمتها واضحة على كثير من صفحات العام الجديد، عام 2014 .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2178133

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178133 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40