الاثنين 27 كانون الثاني (يناير) 2014

ضد كل عنف في المحروسة

الاثنين 27 كانون الثاني (يناير) 2014 par محمود الريماوي

في الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير المصرية يلاحظ المرء أن غياب مصر عن لعب دور فاعل في العالم العربي بات مشهداً ثابتاً وروتينياً . هذه نتيجة غير متوقعة وصادمة . والتغيير الذي جرى في 30 يونيو الماضي لم يغيّر في هذا الأمر شيئا . هناك خشية حقيقية أن يطول هذا الغياب، وأن يفتقد العالم العربي إلى محور كبير ووازن في معادلة المحاور الإقليمية: تركيا، إيران، الكيان الصهيوني . مصر بلد كبير ومشاكلها الداخلية التنموية والأمنية كبيرة، وهي تبدو غارقة في هذه المشاكل إلى إشعار آخر . وبالطبع فإن المرء يتمنى أن تتعافى أرض الكنانة من مشاكلها هذه بأسرع ما يمكن، وأن تصون وحدتها الوطنية وأن يعبّر نظامها السياسي الجديد عن أكبر قدر من التوافق بين مكوناتها السياسية والاجتماعية بما يضمن استقراراً سياسياً مديداً، وأن يتم نبذ العنف نهائياً أياً كان مصدره، وأيا كانت شعاراته . لكن المشكلات لا تُحل بمجرد التمنيات خاصة حين تصدر من الخارج .
القضايا والشؤون العربية تغيب عن الخطاب السياسي والإعلامي في المحروسة، سواء لدى الحكم او المنابر المستقلة او من يصنفون بالمعارضة، باستثناء الحديث المتواتر عن متاعب على الحدود مع غزة وحركة حماس، وتوجّس شديد مما تأتي به الحدود مع ليبيا . ومن المفارقة أن تتجدد مشكلة حلايب المتنازع عليها بين مصر والسودان في هذه الآونة تحديداً . بينما لا يجد تنظيم سري متخصص بأعمال العنف الأعمى، ما يسمي به نفسه سوى “بيت المقدس”، وهو ما يشجع على الانكفاء إلى الداخل والتطير من أقرب الجيران الأشقاء .
وها هو العنف الذي تشهده مصر ينحو منحى تصاعدياً، ينذر اضافة الى نتائجه الوخيمة على الداخل، بزيادة انشغال مصر عن محيطها العربي . ولا أحد يحاجج بأولوية الاعتبارات الداخلية وتحديات الداخل على اية اهتمامات وانشغالات خارج الحدود، ينطبق ذلك على مصر كما يصح على غيرها من البلدان، فمصر المنيعة والمتماسكة والمستقرة في الداخل، هي التي يمكنها ان تنشط على الساحة الإقليمية والدولية، كما يسعها اجتذاب السياحة والاستثمارات والتفاعل الثقافي مع العالم العربي .
من المهم في غمرة ذلك إدانة موجات العنف التي تضرب أرض الكنانة، والتي باتت تتخير يوم الجمعة من كل اسبوع لممارسة نشاطاتها الإجرامية، وعدم التماس أية أعذار للفاعلين . خاصة أن هذه الجرائم لا تلقى أي قبول أو تسويغ من أحد، ذلك ان العنف السياسي لا يجد له بالفعل حاضنة اجتماعية في مصر، التي تسودها ثقافة وطنية عامة ذات منزع سلمي نابذ للعنف . وقد بات واضحاً حتى قبل ما جرى في 30 يونيو/ حزيران الماضي من تناغم بين العنف الذي تشهده شوارع القاهرة ومدن رئيسية اخرى، والنشاط “الجهادي” في سيناء الذي يستهدف مراكز الدولة ومرافقها والقوى الأمنية من جيش وشرطة، وكأن المطلوب هو إحداث فراغ أمني وانسحاب الدولة من سيناء، مع تهديد مؤسسات الدولة ومرافقها في الداخل، وايقاع الرعب والترهيب في اوساط المجتمع وشلّ حركة الاقتصاد والسياحة، مما يحمل مخاطر جسيمة تهدد كيان الدولة كما تهدد نسيج المجتمع .
لملاقاة هذه المحاذير والسعي لتطويقها فإن مصر التي نفتقد حضورها العربي، تحتاج إلى دعم نزيه وملموس من اشقائها، لتمكينها من الخروج مما يراد له ان يكون دوامة تغرق فيها البلاد والعباد، وهو دعم متعدد الأشكال والمظاهر، يبدأ بالدعم الاقتصادي، مرورا بالدعم السياسي لإرادة المصريين التوافقية وتعزيز الوحدة الوطنية والخيارات الديمقراطية، وليس انتهاء بالدعم الإعلامي عبر متابعة موضوعية للتطورات هناك، بعيدا عن التأليب وشحن النفوس، أو تزيين العنف على أنه غضب شعبي أو انفجار اجتماعي، فيما هو ممارسة يائسة وعمياء تدفع لاستمرار حالة الطوارئ، والانتقاص من الحريات السياسية والاجتماعية، مع تسيّد الهاجس الأمني في ظل موجات العنف هذه وتغليبه على ما عداه .
اذا كنا نفتقد لمصر، والعرب يفتقدونها بالفعل، فإن من حق سواد المصريين ألا يفتقدوا الاهتمام العربي الرسمي والشعبي بأمن مصر واستقرارها، وبكرامة المصريين وحريتهم في وطنهم بعيداً عن أي قسر أو إرهاب، مع حفظ حق هذا البلد العربي الكبير والعزيز بعدم التدخل في شأنه السياسي الداخلي، والمناداة خلال ذلك بحفظ حق التآخي بين مصر والإخوة المصريين مع أشقائهم العرب شعوباً ودولاً، ونبذ الأطروحات المسيئة التي تلحق الأذى بهذه الروابط التاريخية، وما هو مطلوب من الإعلام العربي لجهة توخي الموضوعية والحرص على أمن مصر والمصريين، مطلوب ومنتظر كذلك من الإعلام في مصر بمختلف منابره، وذلك بإبداء الحرص على الوشائج العميقة التي تربط المصريين بأشقائهم العرب في كل مكان، وعدم زج الشعوب كشعوب في أية خلافات سياسية طارئة مع هذه الجهة أو تلك، وإطلاق تصنيفات مسيئة تعِزّ على الوصف .
من المؤلم أن يبدو المشهد المصري على درجة من الغموض حول مساره ومآله، وأن تطغى الاعتبارات الأمنية على حياة الناس، ويتضاءل حضور الحركات السياسية المدنية في الشارع، ومن المفرح خلال ذلك أن تشهد مصر هذه الأيام مظاهر إيجابية مبشرة مثل التظاهرة الكبرى للكتاب عبر معرض القاهرة الدولي للكتاب، بما يدلل على أن ثمة سباقاً وتنافساً بين إرادة المصريين للحياة والحرية والنماء، وبين من يريدون زج البلاد والعباد في دوامة الخوف من المجهول . وليس لنا سوى أن ننحاز لإرادة الحياة التي يعبّر عنها المصريون بمختلف شرائحهم وتياراتهم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2166086

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166086 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010