الخميس 30 كانون الثاني (يناير) 2014

دبلوماسية الإجهاض المبكر

الخميس 30 كانون الثاني (يناير) 2014 par خيري منصور

الاسم الفعلي الذي تحمله كلمة دبلوماسية الإجهاض المبكر هو ثقافة الوقاية، واللجنة التي تشكلت منذ عدة أعوام تحت هذا العنوان تشبه إلى حد ما لجنة الحكماء من مختلف القارات، ورغم توافر النوايا الطيبة لدى اللجنتين إلا أن المردود الميداني لمبادراتهما بقي محدوداً . ومعظمه في نطاق التمني والرجاء، لأن معادلات السياسة ونفوذ القوة نادراً ما يعترف بأي حدود أخلاقية أو حتى إنسانية، وذريعة الأقوياء المتكررة في ذلك هي زعمهم أن الضعفاء الذين يطالبونهم بالرَّأفة إنما يلجأون إلى ذلك بسبب ضعفهم، ولو كانوا أقوياء بالفعل لما ترددوا في اقتراف السطو ذاته .
لقد كان الراحل مانديلا أبرز هؤلاء الحكماء الذين قاموا بعدة وساطات في بُؤر ملتهبة، أما الدبلوماسية الوقائية فإن من أعضائها خبراء استراتيجيين وساسة متقاعدين منهم بضعة أفراد من الشرق الأوسط . وقطع هؤلاء مسافات طويلة عابرين لخطوط الطول والعَرض في العالم من أجل بث ثقافة التسامح والمصالحة وبالتالي تدارك الأزمات قبل أن تتفجر، لكن نسبة النجاح بقيت محدودة ولا يشفع لتدِّنيها غير بذل الجهود والنوايا الحسنة، ومن يسمع شيئاً مما يقوله هؤلاء عن جولاتهم قد يندهش مما يسمع، لأن للسياسة أدبياتها ومساحاتها ومعادلاتها الصعبة التي لا تعترف بأي خطاب قادم من خارجها، وللمفارقة فقد تضاعف عدد الأزمات من مختلف الأنماط في العالم بعد أن تحرك الحكماء والوسطاء من أجل تداركها في المهد وقبل أن تستشري، ليس بسبب ما بذلوه من جهد، بل لأن العالم بعد الحرب الباردة بدأ يعيش حروباً بديلة منذ انفجار الصراعات الإثنية واندلاع ما يسميه “داريوش” عُصاب الهوية، بحيث بدت هذه الحروب الموضعية رغم تباعد المسافات الجغرافية بينها، كما لو أنها حرب كونية رابعة، لكن الأطراف فيها ليست محددة في طرفين وثنائية النصر والهزيمة فيها ليست واضحة الحدود والمعالم، خصوصاً في البلدان التي تعيش حروباً أهلية وشبه أهلية، والهزيمة فيها مُوزعة بالتساوي بين المتحاربين حيث لا مكان ولا مجال لأي انتصار!
وأول مرتكز لمثل هذه اللجان سواء كانت من حكماء أو دبلوماسيين مخضرمين هم الأدرى بشعاب النزاعات المحلية هو التفريق بين إدارة الأزمة وبين إجهاضها في الرَّحم، والفن الحقيقي ليس في انتظار الأزمات حتى تبلغ ذروتها بحيث يكون المجال الوحيد لمجابهتها هو إدارتها .
وما يجمع عليه معظم هؤلاء على اختلاف مرجعياتهم الثقافية والأيديولوجية هو أن اللقاح المبكر الذي يُسلح العالم بالوقاية بين الاقتتال والاحتراب الأهلي هو التثقيف المضاد لكل ما أفرزته السياسة من برغماتية وتجاهل للشروط القاسية التي تحاصر البشر، وقد كتب أحد هؤلاء الحكماء مُتندراً أن “دانتي” عندما كتب عن الجحيم سوّد آلاف الصفحات، لكنه حين كتب عن الفردوس لم يجد غير القليل ليقوله . . وهذا هو حال ثقافة اللقاح المضادة للعنف والاحتراب!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2177863

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177863 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40