السبت 1 شباط (فبراير) 2014

خطة توطين اللاجئين في الأردن

السبت 1 شباط (فبراير) 2014 par نافذ أبو حسنة

بعيداً عن بعض التعبيرات التي انتشرت في الأيام القليلة الماضية، وهي تحمل إيحاءات عنصرية، ويظهر لدى مستخدميها ميل مقيم، سابق على نشر مقالاتهم الأخيرة، إلى تحميل الضحية المسؤولية الكاملة عن موتها، فإن خطراً جدياً يتهدد قضية اللاجئين الفلسطينيين كما يتهدد مستقبل مملكة الأردن، تحت ضغط مشروع كيري للتسوية، والذي ينصرف في جانب كبير منه نحو العمل على إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، مستخدماً وصفة تقليدية (أميركية) قديمة: التوطين.

منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي، والأميركيون يروجون لحل وحيد لقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين اقتلعوا من أرضهم على يد العصابات الصهيونية، يتمثل هذا الحل في العمل على توطينهم في الأماكن التي التجأوا إليها بعد اقتلاعهم من دورهم وبيوتهم، وإعادة تهجير البعض منهم إلى مواطن جديدة، تكون قادرة على استيعابهم، والأهم دمجهم وتذويبهم.

لم تنجح هذه المشاريع وفق الصيغ التي طرحت بها، رفض اللاجئون الذوبان والتخلي عن هويتهم متمسكين بحقهم في العودة، ولم تظهر لدى الدول العربية حماسة كافية للتنفيذ، ولأسباب عديدة لا يتسع المجال للتفصيل فيها، ثم انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة، وهي تحمل شعارات التحرير والعودة، وبدا لبعض الوقت أن مشاريع التوطين قد ولت إلى غير رجعة، وأن القوى الثورية التي ستحرر الأرض، ستعيد المقتلعين إليها بعد تحريرها، ومعروف أن واحداً من الأوصاف التي أطلقت على الثورة المعاصرة، هو ثورة أبناء اللاجئين.

جرت مياه كثيرة في النهر منذ ذلك الحين، لكن الأكيد هو أن المملكة الأردنية كان لها موقف آخر، وهي سلكت طريقاً نحو توطين اللاجئين الفلسطينيين، وتذويب الهوية الوطنية الفلسطينية منذ وقت مبكر، أي في أعقاب نكبة فلسطين مباشرة.

علاقة يحكمها الخوف

عدا السردية التي تربط بين ميلاد الكيان الأردني والدور الوظيفي له، خصوصاً بشأن القضية الفلسطينية، يميل كثيرون إلى اعتبار العلاقة الأردنية – الفلسطينية علاقة يحكمها الخوف المتبادل؛ يخاف الأردنيون على وجود الكيان وهوية البلاد، ويخاف الفلسطينيون من المناهضة الأردنية للكيان الوطني الفلسطيني، ويجري الربط عادة بين وجود هذه العلاقة - الإشكالية وإصرار تيار صهيوني كبير (حيروت، ثم الليكود، واتجاهات أخرى) على اعتبار شرق الأردن وطن الفلسطينيين، أو ما يطلق عليه اسم “الوطن البديل”، وسعي هذا التيار إلى حل القضية الفلسطينية على حساب الكيان الأردني، التيار المذكور جاهر بذلك علناً، وهو لا يزال موجوداً في دولة العدو الصهيوني، بصرف النظر عن حجمه، والتراجع الذي لحق به.

ثمة سياق آخر للرواية، يبدأ مع ما يعرف بمشروع الأمير عبد الله، الموازي لمشروع “ووكهيد” البريطاني الذي اقترح تقسيم فلسطين (1937)، الأمير أراد “دولة عربية واحدة تقوم على ضفتي الأردن، واقترح حكماً ذاتياً لليهود”.

سقط المشروع، لكن الذاكرة الفلسطينية احتفظت بالنسق الإشكالي للعلاقة بين الأمير عبد الله ورمز الوطنية الفلسطينية في حينه؛ المفتي أمين الحسيني، يتردد أن الأمير أعاق كثيراً دور المفتي، وواجهه في جامعة الدول العربية، وأسقط محاولاته لإعلان دولة فلسطينية، قبل النكبة لتكون كياناً للفلسطينيين، كما أحبط مشروعاً للإدارة اقترحه المفتي قبيل وقوع النكبة، ثم ناصب حكومة عموم فلسطين المعلنة في غزة عداء شديداً، تسبب في عزلها لاحقاً، ولم يكتف بذلك، بل عقد بالتوازي مع تحرك الحسيني مؤتمرين في أريحا، ثم عمان أسفرا عملياً عن إلحاق الضفة الغربية لنهر الأردن بالضفة الشرقية، لتصير جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، ما عنى تقويضاً لمشروع “الدولة الفلسطينية” على ما تبقى من فلسطين.

عومل الفلسطينيون المقيمون في الضفة الشرقية بعد النكبة بوصفهم مواطنين أردنيين كاملي المواطنة، ومثلهم فلسطينيو الضفة الغربية بعد مؤتمر عمان، حصل هؤلاء على جوازات سفر وبطاقات أردنية، ومنعوا من الالتحاق بجيش التحرير الفلسطيني الذي شكله الشقيري بعد إعلانه قيام منظمة التحرير الفلسطينية، إعلان لم يمر دون ممانعة أردنية كبيرة، وصفقات تسوية بين الملك حسين وبين أحمد الشقيري، من أجل موافقة أردنية على عقد المؤتمر التأسيسي للمنظمة في القدس الواقعة تحت السلطة الأردنية.

ثم جاءت مرحلة تنازع شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني، شن الصهاينة عدوان حزيران عام سبعة وستين، واحتلوا الضفة الغربية وبضمنها القدس، لكن الحكم الأردني لم يقبل بالتخلي عن دوره، خاض الطرفان صراعاً دامياً في أيلول 1970، وطرح الملك الأردني مشروع المملكة المتحدة، قبل أن يقر للمنظمة على مضض بحقها في تمثيل الفلسطينيين، وظلت العلاقة بين مد وجزر حتى أعلن الملك حسين عن فك الروابط الإدارية والقانونية مع الضفة الغربية عام 1988، في ذروة صعود الانتفاضة الشعبية الفلسطينية.

فك الروابط.. تعزيز الارتباط

لم يعنِ قرار فك الروابط نهاية للعلاقة الشائكة الطويلة.. في اتفاقية وادي عربة تم التأكيد على أن الولاية على المقدسات والأوقاف في مدينة القدس، تظل للحكومة الأردنية، أغضب هذا الأمر السلطة الفلسطينية مجدداً، وهي لم تكن راضية أصلاً، الأسباب وراء الغضب كثيرة، السلطة الفلسطينية اعتبرت أن الحكم الأردني يريد إفشال اتفاق أوسلو الذي تعول عليه السلطة ليهديها دولة في آخر المطاف، وفي موضوع القدس، لم تحمِ الولاية الأردنية المدينة من مخططات التهويد المتسارعة.

عاد التجاذب من جديد، ولكن بوتائر منخفضة عما كانت عليه سابقاً، وفي هذا التوقيت بالذات بدأت أصوات أردنية ترى إلى الفلسطينيين خطراً، تعزز من حضورها، امتزج تحليلها للوضع القائم، بنوع من الحقد العنصري، وبدلاً من تحميل الاحتلال الصهيوني المسؤولية الأساسية عن كل ما يحدث، جرى الحديث عن مؤامرة يتورط الفلسطينيون فيها، وبدلاً من تحشيد الجهود لمواجهة الأخطار على الأردن وفلسطين، جرى جلد الضحية بقسوة، ولومها على موتها.

تعزز اتجاه “الأردنة”، وواجه فلسطينيون كانوا في السابق سعداء بجواز السفر الأردني، معاناة إخوانهم من حملة وثائق السفر للاجئين الفلسطينيين، ومؤخراً عادت تلك الأصوات للظهور بقوة مع تزايد المؤشرات على أن الأردن سيحتل دوراً محورياً في تنفيذ خطة الوزير الأميركي جون كيري للتسوية، وثمة تسريبات عن وجود أردني على طاولة المفاوضات بصفة مراقب، وهذا المراقب منشغل بثلاثة مواضيع أساسية: الأغوار واللاجئين، والعلاقة المستقبلية مع الدولة الفلسطينية.

لا بد من التذكير هنا بأن البند الثامن من اتفاقية وادي عربة ينص على توطين اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في الأردن، وبشكل نهائي، واليوم تثار مخاوف بشأن قرار أردني يتعلق بمنح الجنسية الأردنية لأبناء الأردنيات.

ضابط أردني سابق وجّه كلاماً قاسياً بحق الأردنيات المشغولات بالإنجاب، وصحافيون استخلصوا أن المقصود من القرار تجنيس ثلاثمئة ألف فلسطيني من أبناء الأردنيات، تجنيس نسبي يضمن حق الإقامة الدائمة والعمل، والحصول على جوازات سفر بمدة كاملة، وهي الجوازات المعروفة بجوازات السنوات الخمس، وهؤلاء الثلاثمئة ألف سينضمون إلى اللاجئين الفلسطينيين المواطنين في الأردن، سواء ممن هم في الأردن الآن أو في الضفة الغربية.

يحق لكثيرين اعتبار هذا الأمر جزءاً من تنفيذ خطة الوزير الأميركي جون كيري، الذي قال صراحة، وبوضوح كامل: إن الأردن ليس فقط لتوطين الأردنيين من أصول فلسطينية، هو من بين الأماكن المخصصة لاستيعاب أعداد جديدة منهم، وشأنه في ذلك شان كندا واستراليا.

هناك نقطة هامة أخرى، ثمة حديث عن التعويضات للاجئين (تطبيق مجتزأ للقرار194)، والحديث هذه المرة عن مبالغ ستصرف، ولكن ليس للاجئين مباشرة، بل للدول التي تستوعبهم، والأردن من الدول التي تضم أعداداً كبيرة من اللاجئين ويريد الإفادة من هذا البازار البائس، رغم أن الحصيلة المتوقعة بحسب المصادر الأردنية لن تتعدى الأربعة مليارات دولار، تدفع للخزينة الأردنية، وهذا المبلغ المتحصل عن مجموع التعويضات الفردية، فضلاً عن تعويضات الدول الراعية وتعويضات العقارات.

كيري.. والمواجهة

لا يملك عاقل القدرة على التخفيف من المخاطر المترتبة على خطة وزير الخارجية الأميركي، وهو للمناسبة أعلن عن قرب تقدمه باتفاقية إطار خلال الأسابيع المقبلة، وعند الحديث عن المخاطر، فإنها ليست مقتصرة على الفلسطينيين أو اللاجئين منهم وحسب، ما يخطط له الوزير الأميركي هو تقويض للقضية الفلسطينية كلها، ولهذا انعكاسه الكبير على فلسطين والمحيط، وربما يكون الأردن من بين الأكثر تأثراً، ولكن هذا ليس ذنب الشعب الفلسطيني حتى نصب عليه جام الغضب في ظرف يتعرض فيه أصلاً لشيطنة مقصودة، تفوق كثيراً تلك السردية المغلوطة، وشديدة الإيذاء عن شعب باع أرضه، ثم جاء ليحتل بلاداً عربية.

وإذا كانت المسؤولية الكبرى هي على عاتق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه والتصدي لمحتلي أرضه، فإن مسؤولية العرب كبيرة أيضاً الشعوب والحكومات، لا يلام الشعب الفلسطيني على من ينشغلون اليوم في احتساب عائدات التوطين، وإن كان سيلام على تمرير مشروع كيري، فإن الآخرين سيلامون على أشياء كثيرة أيضاً، لنكن معاً جميعاً في وجه هذه المؤامرة الجديدة.. والخطيرة جداً أيضاً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165561

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع نافذ أبو حسنة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

2165561 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 34


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010