السبت 1 شباط (فبراير) 2014

الإسلاميون بين الابتلاء والأخطاء

السبت 1 شباط (فبراير) 2014 par صالح عوض

نقترب من موضوع شائك لنناقشه ونوجه بعض إشارات النقد إليه حرصا على مستقبل مجتمعاتنا وأمتنا، وإدراكا بأنه موضوع يخص المجتمعات العربية كلها في صميم حياتها وهو في لب التدافع السياسي القائم اليوم، ولذا لم يعد الحديث فيه حبيس الجلسات الضيقة والهمس المحتشم.. ورغم ما يمر به الإسلاميون من محنة في أكثر من مكان الأمر الذي يدفع الى النأي الآن عن الولوج فيه؛ إلا أننا نرى أنه من الضرورة الآن و أكثر من أي مرحلة كانت فحص الأفكار والمواقف لعل الله يمنحنا من البصيرة ما يكفي لنكون مؤهَّلين أن يفرج الله كرب المكروبين ويفتح بينهم وشعوبهم بخير.

في حمى فوضى المفاهيم والمصطلحات أصبح أبناء التيار الإسلامي في اضطراب شديد في وصف ما هم فيه من مأزق فهم يسندون تفسيراتهم إلى ما يسيء بدون قصد إلى مبادئ الإسلام وقوانينه الواضحة، كما يكشف عن جهل بنواميس الله في الكون والحياة والتبديل والتغيير.. مما يعقد المسألة ويبعدنا عن النجاة.

يطيب للدعاة الإسلاميين أن يحيلوا كل إخفاق لهم أو فشل أو انكسار إلى أنه ابتلاء من الله، هذا المصطلح الذي يصبح عندهم كمخدر لعقولهم ومشاعرهم يحشون به عقول الناشئة والبسطاء بفلسفة العجز والتشكي واللطم على المآسي المتكررة.. وأصبحت كلمة الابتلاء الغامضة هي مفتاح السر في الخطاب الإسلامي، الأمر الذي حرم الحركة الإسلامية العربية (موضوع البحث) فرصة المراجعة والتراجع عن الأخطاء وتصويب الأفعال والأقوال وأصبح الصبر على “الابتلاء” أي الهزيمة والمذابح والتشرد والسجون والفشل والخطأ والعجز هو سبيل للعبادة يفحص من خلاله الموالون من الساقطين.

وهنا لابد أن نفرد في معنى الابتلاء قليلا.. فالابتلاء مصطلح إسلامي كبير مهم وأساسي في بناء التصور الإسلامي، إذ انه لا يعني أبدا الامتحان بالشر أو الفحص بالقسوة والشدة، بل هو فحص بالخير والشر سواء، فتكون كيفية مواجهة الابتلاء في كلتا الحالتين على تعدد أنواعهما هي المقصود في منظومة مصطلحات الإسلام، فكما أن المرء يُبتلى بالشر والجوع والفقر والتشرد والهزيمة فإنه يُبتلى أيضا بالنصر والغنى والقوة والتسيد والتمكين.. فإن كان لابد في الحالة الأولى من صبر جميل وعمل متواصل بحسب السنن والنواميس للخروج من الابتلاء بنصر فإنه لابد في الثانية من شكر موصول بعمل فيه أكثر ارتقاء للحفاظ على سنن النصر.. هذا هو الابتلاء.

يقول ربنا سبحانه وتعالى: “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم” هذا كلام واضح صريح في أن من ينصر الله ينصُره، وهنا لا توجد سوف ولا سين ولا ثم، بل مباشرة نصر المؤمنين لله يلاقيه نصر الله للمؤمنين، ويقول سبحانه وتعالى: “وأعدوا لهم ما استطعتم..” ويقول تعالى جل وعلا : “إن ينصركم الله فلا غالب لكم”، فهل يستقيم حالنا مع هذه الآية التي تعني بوضوح أن نصر الله لم يكن لنا وإلا فكيف نغلب مرة تلو الأخرى، وفي الإشارة السابقة يقول ربنا ان نصره لنا يأتي مباشرة مع نصرنا له، وهنا لابد من التدبر الذي يرتبط بالإيمان بالله وبمعرفة نواميسه، ونحن ينبغي ان نكون مؤمنين “ولن يخلف الله وعده” ويقول سبحانه وتعالى “لا مبدِّل لكلماته”.. وهناك إشارات قوية واضحة جلية في سور القران المدني العديدة لكشف سنن الهزيمة ونواميس الانتصار.. إن نصرنا لله يكون بالتزام سننه ونواميسه في الصراع والتدافع وفي جمع أسباب الانتصار كما أشارت الآيات الكريمة، وهنا يأتي حتما نصرالله، ذلك هو وعده ومن أوفى من الله بوعده.. وهنا لابد من معرفة شيء في غاية الأهمية أن نصر الله معناه بوضوح أن من جمع أسباب الانتصار المعنوية والمادية ورتبها في المعركة بشكل أكثر دقة وتكافؤ ومنهجية، سواء كان مؤمنا أو غير مؤمن فإنه منتصر، لأن عدل الله سبحانه وتعالى يقتضي أن لا يحابي أحدا وهكذا كان، فكم من نبي قتل أو شرد أو أوذي لعدم اجتماع أسباب الانتصار لديه.. وكم من إمام وولي أعدم أو شنق أو حز رأسه ذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل للانتصار في هذه الدنيا نواميسَ وسننا، من التزمها انتصر ومن اعرض عنها انحسر وانكسر مهما كانت مكانته، فلا مكان للمعجزات في حركة التاريخ ولا للكرامات .. فقد تكون هناك معجزة تخترق القانون وتجدد الإيمان وتذكر بالله لكنها تكون محدودة لا علاقة لها بتغيير موازين حركة التاريخ ومسيرة البشر، فهي من قبيل أن يحلب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - شاة قد جف ضرعها وهكذا.. أما أن ينتصر على جيش المشركين وان يقيم مجتمعا وان تنتشر دعوته في الخافقين فذلك شيء آخر تماما، انه يحتاج الى الإعداد اليقظ والمنهجي والحكيم الذي يلتزم سنن الانتصار في الكم والنوع..

هذا هو الدرس الأول الكبير، فلا يحتججن أحد بأنه جدير بنصر الله لأنه إسلامي أو لأنه يحارب أعداء الله ولأنه الأطهر والأنبل والأفضل... الإيمان هنا وحده لا ينفع، أما الإيمان والعمل الصالح فهما اللذان ينفعان، ولهذا نشعر بقيمة إضافة “وعملوا الصالحات” بعد “إن الذين آمنوا” مباشرة في معظم المواضع من كتاب الله العزيز.. فكم من معركة هزم فيها المؤمنون والمسلمون وانتصر الصهاينة والاستعماريون الفرنجة علينا، فلعله من الواضح أن الصهيونية لم تنتصر على الإسلامية وأن الصليبية لم تنتصر على التوحيد، إنما كان نصرا للصهيونية والاستعمار على المسلمين وقد تم ذلك لسبب واضح تماما وهو أنهم جمعوا للنصر أسبابه، فيما نحن حشدنا للهزيمة دواعيها..

الدرس الثاني الكبير والخطير أن الإسلاميين في مشرق العرب ومغربهم لا يتأملون فشلهم ولا يملكون عملية نقد متواصلة تحررهم من تداعيات الهزائم وخطورة تكرارها ولم يلتفتوا لحديث الرسول صلى الله عليه واله وسلم : “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين” ولا يرون بعين المسؤولية كيفية حركة النبي وتسلسلها نحو التمكين والنصر.. ولم يتحسسوا كيف أن الرسول عدل عن أشياء فعلها أو أنه هم بالتراجع في عملية دؤوبة للبحث عن الأفضل والأحكم والأنفع وهو الرسول الإنسان المتكامل والنبي المرسل.. لم يلتفتوا إلى إن أعظم مصطلح في الإسلام هو الاستغفار أي طلب المغفرة المستمر من الله عز وجل عن أخطاء صغيرة أو كبيرة، وأنه في أدب الاستغفار نزلت آيات بينات كثيرة ووردت أحاديث شريفة عديدة وعلى رأس ذلك كله آخر آيات سورة البقرة.. والاستغفار هنا هو تعبير عن إدراك النقص البشري المرافق للعمل والقول حتى لو تم تحقيق النصر فلابد من الاستغفار، مما يعلق بالنفس من زهوه لكي لا يفقد المؤمنون حذرهم ويقظتهم ومواصلتهم للتعبئة والإعداد.. الاستغفار هنا هو مسألة نفسية تحرر أصحابها من العناد والكِبر والتيبس. وهذا للأسف الذي يغيب عن الحركة الإسلامية التي تجد نفسها تركب عنادها في معظم الأوقات ولا تستمع لنصح، لاسيما ان جاء من خارج أطرها الحزبية وتغمض عينيها وتصم أذانها مهما كانت النتائج، الأمر الذي يجعلها دائما تعيش مسلسل التجارب والأخطاء.. إن عملية الاستغفار هي التقويم المستمر للسلوك والذي بدونه يفقد العمل الإسلامي والعمل البشري قيمته بعد فترة من الزمن، لأنه يفقد روحية بذل الجهد المستمر للتصحيح والتحرر من الأخطاء.. فالقداسة لا ينبغي أن تلف العمل البشري مهما بلغت صحته في مرحلة من المراحل.

أمام هذين الدرسين الكبيرين لابد أن يقف الإسلاميون في كل قطر من أقطارهم ليعيدوا الأسئلة الضرورية الأساسية من جديد: من نحن؟ وماذا نريد؟ وما هي رسالتنا؟ وفي أي واقع نحن نعيش؟ وماذا تعني الوحدة الإسلامية، وما هي قضية الأمة اليوم؟ وهل من الضروري وحدة التنظيم الدولي للحركة الإسلامية؟ وماذا يعني ذلك؟ هل هي وحدة الأفكار والقضايا الكلية للأمة أم وحدة الحزب؟ وما هي القضايا الأساسية التي على الحركة الإسلامية تبنيها؟ وما هو تصور الوحدة؟ هل يقف عند حدود وحدة التنظيم أم عند وحدة الشعوب وتكاملها؟ وما هي علاقة المحلي من القضايا بالقضايا الأساسية؟ أم أننا نستنسخ طبق الأصل وما هو المعيار؟ ومن أين نبدأ عملنا وبأي معطيات؟ وبأي خطاب نرفع شعاراتنا وأي برنامج نسلك..؟

عندما نراجع واقع الحركة الإسلامية وما هي فيه من ضنك شديد وملاحقات وتضييق وفشل نستطيع أن نجزم أن معظم ما هي فيه إنما هو العقاب العدل على أخطاء جسيمة في إطار التعرف على سنن الله او التخلي عنها يقول تعالى :“ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا”.. وهذا تحذير للجميع وليس أحد في منأى عنه..

لماذا تصارع هناك وتهادن هنالك؟ ولماذا تنافس هناك و تختبئ هنالك؟ لماذا تشارك بالأمس وتحتجب وتقاطع اليوم؟. ثم لماذا تتصدى لهؤلاء ولا تتصدى لأولئك؟ لماذا تبيح لنفسها ما حرمته على الآخرين على صعيد المواقف والتكسب والسلوك؟ لقد كانت تنكر على السادات توقيعه على اتفاقية كامب ديفد، ولكنها عندما تمكنت أعلنت التزامها بها بحجة التدرج؟ وهي عندما تشارك في الحكم تفتي بأن المشاركة واجب وعندما تنسحب يصبح الواجب في منطقها عدم المشاركة، فالحق يدور حيث هي تدور بمواقفها.. بمعنى أكثر تركيزا أين هو المعيار الأخلاقي في سلوك الحركة الإسلامية؟ في حين قصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهمته بين البشر بأنه ما بعث إلا ليتمم مكارم الأخلاق والتي تجعل من الصدق والأمانة ركيزتيها الأساسيتين.. أين هو جانب الالتزام الأخلاقي في أفكار الحركة الإسلامية وسلوكها؟ لماذا تتعرض الحركة الإسلامية في أكثر من مكان إلى أكبر عملية تشكيك في نواياها وخطابها ومصداقية ما ترفع من شعارات، وتتم الإشارة الى منطقها بأنه غير صادق وغير أمين.. وهذا ليس فقط من طرف خصومها بل من طرف الناس البسطاء الذين يتمنون لها الفوز والذين يرون فيها انتهازية وتزييفا لمعاني الإسلام في العلاقة مع القوى السياسية بل ومع الناس الذين لا علاقة لهم بها.. إذ انها تحولت مع الزمن الى مجتمع مغلق له طقوسه وخصوصياته داخل المجتمع الكبير.

هذه فقرات تحتاج لشروح وأسانيد من الواقع لمن سيجد نفسه محاججا ملاججا، إذ ما أكثر أن تأخذ المكابرين العزة بالإثم.. ولكن فلنذهب إلى أهم الأسئلة: كيف ترى الحركة الإسلامية المجتمع والناس والدولة؟ لن تسمع إجابات موحدة ولن ترى سلوكا متشابها بل كلاما مضطربا يضمر مالا يظهر وهنا تكمن الكارثة أن تتم تربية أبناء المجتمع على واقع ليس له صلة بمستقبله بل وبتاريخه القريب، ويتم التنكر في خلال هذه العملية لبيئته وما تمنحه من مناخات ضرورية للعمل في أوساط مجتمعه الخاص.

على العاملين من أجل نصرة الفكرة الإسلامية في البداية أن يفهموا أنهم رحمة لمجتمعهم بل ورحمة للعالمين وليبحثوا عن مواطن الرحمة وأن يجعلوا مركبهم الصدق والأمانة وأن لا يكونوا حزبا في المجتمع بل روحا تسري في أوصاله وأن يتأملوا واقعهم ويعززوا كل إيجابي فيه وفي تاريخه، فلئن كان محمد صلى الله عليه واله وسلم يبرز قيمة عنترة بن شداد وحاتم الطائي الجاهليين وكريم خصالهما فما أحوجنا لإبراز بطولات ورجولة قادة وطنيين كبار دافعوا عن شرف الأمة وكرامتها، وعلى الداعين إلى نصرة الفكرة الإسلامية أن ينطلقوا من آخر ما وصلت إليه جهود من سبقهم ويستأنفوا على ما فات ولا يستنسخوا تجارب وحكايات مجتمع آخر.. وان يلتزموا سنن الله في الاستبدال.. وأن يحافظوا على كل خير موجود في المجتمع وينموه وأن لا يصبحوا بأي شكل من الأشكال معول هدم، لاسيما بالاستقواء بالأجنبي، بل يكونوا دعاة سلم اجتماعي وأخوة اجتماعية وإصلاح ذات البين بين طبقات المجتمع.. وأن يمتلكوا من اليقين والجرأة ما يكفي للتراجع عن أفكار أساءت للإسلام، ولهم ولمجتمعهم في مرحلة ما.. وعليهم أن يدركوا انهم ليسوا رسلا ولا أنبياء وأن فهمهم ليس بالقطع هو الفهم الأصوب والأصلح، إنما هم مجتهدون لخير مجتمعهم ونصرة دينهم.. هنا نتحسس: هل ما هي فيه الحركة الإسلامية ابتلاء أم عقاب على أخطاء؟.. ولنستغفر الله في الحالتين .. هذا ويتولانا الله برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165225

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165225 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010