السبت 8 شباط (فبراير) 2014

ما الفارق بين احتلال “إسرائيل” وسيطرة “الناتو”؟

السبت 8 شباط (فبراير) 2014 par د. عصام نعمان

المدة الممنوحة للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية و“إسرائيل”، برعاية الولايات المتحدة، تنتهي في 29 إبريل/نيسان المقبل . الأطراف الثلاثة محرجون ويتهيبون مخاطر انتهاء المدة من دون التوصل إلى نتيجة مُرضية أو مخرج .
جون كيري يرى المخرج في توقيع “اتفاق إطار” بين الجانبين يتيح تمديد المفاوضات . ومع أن الاتفاق المقترح لا ينطوي إلاّ على مبادىء وخطوط عامة يتعهد الجانبان بموجبها بالعودة إلى التفاوض بشأنها، فقد أخفق كيري، حتى الآن، في إقناعهما بالحد الأدنى المقترح .
ولعل محمود عباس الأكثر إحراجاً بين الأطراف الثلاثة . فالمفاوضات المتواصلة منذ اتفاق أوسلو العام 1993 لم تُسفر إلاّ عن نتيجة واحدة: منح “إسرائيل” الفرصة والوقت لتوسيع حملة الاستيطان الممنهج في الضفة الغربية .
مشكلة أبي مازن أن لا بديل لديه من المفاوضات إلاّ المفاوضات، لكنه لم يعد قادراً على مواصلتها من دون ضمانات مسبقة، أقلها تجميد الاستيطان . ما العمل؟
استعان أبو مازن بالكاتب السياسي اليهودي الأمريكي المعروف توماس فريدمان ومدير مكتب صحيفة “نيويورك تايمز” في القدس المحتلة جودي رودون لتظهير أفكاره “الجريئة” في مقابلة لافتة، قال: “إن الفترة المحددة (للمفاوضات) ليست مقدسة . لنفترض أننا توصلنا بحلول الأشهر التسعة إلى خطوة واعدة، فهل أتوقف؟ لا، لن أتوقف . لكن إذا لم نتوصل بانتهاء الأشهر التسعة إلى أي شيء، ولن يكون هناك أي احتمال في الأفق، وقتها سأتوقف” .
كي لا يتوقف أبو مازن عن التفاوض، يقترح منح سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” خمس سنوات لتسحب قواتها من الضفة الغربية . خلال هذه الفترة الانتقالية، يتمّ التنسيق بينها وبين قوات الأمن الفلسطينية والأردنية لضمان أمن “إسرائيل” . بعدها، تحلّ محل قوات الاحتلال قوات من حلف الأطلسي “الناتو” بقيادة أمريكية في غور الأردن والقدس المحتلة وعلى كل المعابر في الضفة الغربية بالتزامن مع انتشار قوات الأمن والشرطة الفلسطينية . أما المستوطنون فيقتضي إخراجهم من أراضي الدولة الفلسطينية خلال المدة ذاتها، أي خمس سنوات .
يعرف أبو مازن أن بنيامين نتنياهو يطالب بوجود “إسرائيلي” راسخ في غور الأردن لا تقل مدته عن 40 عاماً بدعوى أن “إسرائيل” لا تثق إلاّ بجيشها . يردّ أبو مازن (في المقابلة) على نتنياهو: “إن كنت لا تريد أن تثق بحلفائك فبمن تثق؟”الإسرائيليون“محتلون ويريدون البقاء إلى الأبد . عندما يتحدثون عن 40 عاماً، يعني أنهم لن يخرجوا من أرضنا” .
طبعاً، أبو مازن لم يسأل نتنياهو: وهل من فارق بين قواتك وقوات “الناتو” حتى تتظاهر بحصر الثقة بجيشك فقط؟
ما دام أبو مازن يعرف “أنهم يريدون البقاء إلى الأبد”، فلماذا يقترح مدة السنوات الخمس لخروجهم ولحلول قوات “الناتو” محلهم؟ الجواب: كي يفتح باب المساومة على المدة، والمساومة تتطلب المفاوضة . إذاً، فلتمدد مدة المفاوضات على أن يصار خلالها إلى تجميد الاستيطان . فهل يستجيب نتنياهو وأركان اليمين المتصلّب في حكومته؟
نتنياهو محرج، لكنه غير قادر على تقديم أي تنازل يتسبّب في إغضاب زعماء اليمين مخافة أن يفرطوا حكومته . لذلك سيلجأ، كعادته، إلى المناورة بربط موافقته على اقتراح أبي مازن بسلسلة شروط تعجيزية: إقرار الفلسطينيين ب“يهودية” دولة “إسرائيل”، إسقاط حق العودة، القدس عاصمة أبدية ل“إسرائيل” وحدها، وضمّ الكتل الاستيطانية إلى الكيان الصهيوني .
أبو مازن خبير بمناورات نتنياهو وتكتيكاته . لعله يتوخى من وراء مبادرته المثيرة للجدل في “نيويورك تايمز” إبداء أقصى مرونة ممكنة أمام الأمريكيين بغية تحميل “إسرائيل” مسؤولية تفشيل المفاوضات أمام الرأي العام العالمي، وبالتالي توفير مناخ ملائم لمباشرة هجوم سياسي مضاد في المستقبل القريب . فهل لديه خطة؟
لا خطة معلنة لرئيس السلطة الفلسطينية . لكن بعضاً من إخوانه في حركة “فتح” لمحوا إلى إمكانية العودة إلى الأمم المتحدة لاستكمال متطلبات سيادة الدولة، وعضوية محكمة العدل الدولية، وبالتالي مقاضاة “إسرائيل” أمامها لجهة عدم مشروعية احتلالها أراضي دولة سيدة وعضو في المنظمة الدولية، واستثمار موجة المقاطعة لمنتجات المستوطنات الصهيونية في أوروبا .
كل هذه المقاربات والتسويات لا تروق لقوى المقاومة الشعبية في الضفة الغربية . فقد طَرَحت منذ أشهر طريقاً بديلةً للعمل الوطني يعتمد قوى الشعب نفسه في مقاومة أعدائه . في هذا السياق، أقام ناشطو المقاومة الشعبية خياماً تأسيسية لقرية “العودة” على بعد كيلومترات معدودة من مدينة بيسان وقرية “ملح الأرض” في قلب منطقة الأغوار . وكان نحو 300 ناشط فاجأوا سلطات الاحتلال قبل أسبوع بدخولهم إلى منطقة أثرية قرب دير حجلة في الأغوار وأعادوا الحياة إليها بترميم بيوتها المهجرة والمهجورة، وباشروا استصلاح أراضيها وزرع أشجار الزيتون والتين والنخيل . النائب مصطفى البرغوتي، قائد “حركة المبادرة الوطنية” قال: إن هدف هذا النشاط هو مقاومة الاحتلال “الإسرائيلي” في غور الأردن، وتعزيز المقاومة الشعبية، وفرض العقوبات على “إسرائيل” . إن هذه الاستراتيجية هي البديل من خطة المراهنة على المفاوضات أو على أي سراب في ظل حكومة المستوطنين" .
سبقت أنشطة المقاومة الشعبية ورافقتها موجة مقاطعة أكاديمية من جامعات أوروبية للجامعات والمؤسسات الأكاديمية “الإسرائيلية”، ومقاطعة شركات أوروبية لمنتوجات المستوطنات “الإسرائيلية” في الضفة الغربية . كل ذلك دفع نحو 100 رجل أعمال “إسرائيلي” إلى تحذير نتنياهو من اتساع موجة المقاطعة وتداعياتها السلبية على الاقتصاد “الإسرائيلي”، داعين إياه إلى اغتنام فرصة الجهود التي يبذلها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للتوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين . وكان لافتاً انضمام وزير المال يائير لابيد إلى فريق المحذرين من عواقب المقاطعة كاشفاً عن تقرير أعدته وزارته يشير إلى أنه في حال تنامي المقاطعة فإن صادرات “إسرائيل” ستتراجع بنحو 20 مليار شيكل سنوياً (4 .2 مليار يورو) الأمر الذي سينعكس في ارتفاع نسبة البطالة والاضطرار إلى تسريح نحو 9800 عامل .
في السباق بين تنازلات محمود عباس لتمديد مدة المفاوضات، وضغوط المقاومة الشعبية والمقاطعة الاقتصادية لتجاوز المفاوضات وتفعيل الكفاح الوطني ضد الاحتلال، من تراه يفوز قبل 29 إبريل المقبل؟
هذا هو السؤال .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 56 / 2165797

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165797 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010