الاثنين 12 تموز (يوليو) 2010

سقوط أوباما.. أم سقوط الأوهام؟

الاثنين 12 تموز (يوليو) 2010 par جلال عارف

ألف رحمة ونور على كل النوايا الطيبة التي تحدث عنها الرئيس أوباما منذ أن تولى رئاسة أميركا تجاه القضية الفلسطينية، التي اعتبر حلها «مصلحة أميركية» ليكتشف بعد شهور أن مصلحة إسرائيل فوق مصلحة أميركا، ويخضع لمقتضيات هذا الاكتشاف!!

وألف رحمة ونور على المبادرة التي وعد بها الرئيس الأميركي ليضع حداً للصراع العربي الإسرائيلي، فإذا بها تقتل قبل أن تولد، لتنضم إلى سلسلة طويلة من المبادرات المقتولة بيد إسرائيل على مدى أكثر من ثمانية عشر عاما منذ مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو.

ولا عزاء لكل من راهن على موقف حاسم من الإدارة الأميركية إزاء نتنياهو وحكومته اليمينية.. ليس بسبب جرائمها في حق العرب فهذا لا يحرك عصباً واحداً في واشنطون، ولا بسبب استهانتها بالشرعية الدولية والقوانين والقرارات الدولية..

فلا فرق في ذلك بين واشنطون وتل أبيب، ولكن بسبب الإهانة التي ألحقتها حكومة نتنياهو بالرئيس الأميركي وأركان إدارته بإصرارها علي سياستها الرافضة للسلام حتى بعد إعلان القيادات العسكرية الأميركية في اعلى مستوياتها أن سياسة حكومة نتنياهو تجاه الفلسطينيين تهدد حياة الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان!!

لا عزاء لمن راهنوا على موقف أميركي حاسم، كانت كل الظروف مهيأة له.. فالعالم كله ضج من ممارسات إسرائيل وجرائمها، والعدوان على قافلة المساعدات التركية وضع مأساة غزة أمام الضمير العالمي، والدعوات لمقاطعة إسرائيل تتصاعد حتى داخل أميركا نفسها، وحاجة واشنطن تزداد يوماً بعد يوم للعالمين العربي والإسلامي لكي ترتب خروجها من العراق، وتمنع الهزيمة التي تلاحقها في أفغانستان، وتواجه الملف النووي الإيراني.. وليس من مدخل صحيح لهذا التعاون أفضل من حسم الموقف لصالح تسوية عادلة للقضية الفلسطينية كما أقر الرئيس الأميركي نفسه !!

فإذا أضفت إلى ذلك أن نتنياهو كان ذاهبا إلى واشنطن هذه المرة وهو مدين للإدارة الأميركية بإنقاذه من تبعات الجريمة التي تورط فيها بضرب السفينة التركية وقتل المواطنين الأتراك عليها.. سواء بإجهاض الإدانة الحقيقية من مجلس الأمن وفرض العقوبات عليها، أو بالتحقيق الدولي في الجريمة، أو بالضغط على الحكومة التركية للتهدئة وعدم تصعيد الموقف أو قطع العلاقات..

إذا أضفت ذلك إلى خلفية اللقاء الأخير بين نتنياهو وأوباما، فسوف تكتشف حجم السقوط الذي يضطر فيه الرئيس الأميركي إلى ابتلاع كل الاهانات التي نالها من نتنياهو وحكومته، وإلى نسيان كل ما أكده هو وإدارته من ضرورة الوقف الكامل والشامل والدائم للاستيطان، وإلى تجاهل حكاية «المصلحة الأميركية» في التسوية، وعدم التفكير في أرواح الضحايا من الجنود الأميركيين (وليس العرب أو المسلمين لا سمح الله !!) الذين سقطوا في العراق وأفغانستان بسبب جرائم إسرائيل وانحياز أميركا لها وتسترها عليها!!

كان أوباما قد تعلم الدرس من تجربة الشهور الماضية التي حاول فيها الضغط على نتنياهو والاصطدام به. وكان قد عرف مدى النفوذ الصهيوني في الكونغرس والإعلام، ومدى الحاجة لدعم اللوبي اليهودي في انتخابات تشريعية قادمة بعد شهور، وكان قد أدرك قبل ذلك وبعده انه لا شيء عند العرب ينفع أو يضر.. به شخصياً أو بحزبه أو بمصالح بلاده!!

وهكذا بدلاً من أن يواصل الضغط على نتنياهو أو يطلب منه ثمن دعمه له أمام عالم يطلب إدانته ومعاقبة إسرائيل على جرائمها.. إذا به يدخل مع نتنياهو في فاصل متبادل من النفاق الرخيص استهوله حتى الإسرائيليون أنفسهم !! وبدلاً من الحصول على إجابات بالموقف الإسرائيلي من القضايا الأساسية في التفاوض والتلويح بمبادرة أميركية وعد بها الرئيس الأميركي أو رفع الغطاء السياسي عن إسرائيل في مجلس الأمن..

بدلاً من ذلك وقف الرئيس الأميركي يعلن القبول بكل ما يريده نتنياهو من إرغام الفلسطينيين على العودة للتفاوض المباشر دون أي التزام بوقف الاستيطان أو حدود الدولة الفلسطينية الموعودة. مطالباً الدول العربية ب«أفعال لدعم السلام»!!

ومع كليشيهات ثابتة عن «الصداقة الأبدية» و«العلاقات المميزة» و«التحالف الذي لا ينفصم» بين أميركا وإسرائيل كان التراجع الآخر عن «الخطيئة!!» التي ارتكبتها الإدارة الأميركية حين سمحت بإشارة في قرار دولي تطلب انضمام إسرائيل لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، فإذا بالرئيس الأميركي يؤكد «أن واشنطون سوف تتصدى لأي محاولة ل«الاستفراد بإسرائيل» في مؤتمر الأمم المتحدة حول شرق أوسط خال من الأسلحة النووية المزمع عقده عام 2012.

مشيراً إلى أن مكانة إسرائيل وتاريخها والمنطقة لتي تقع فيها والتهديدات المواجهة إليها تفرض احتياجات أمنية خاصة وأن تكون لديها القدرة على الرد على أي تهديد أو عدة تهديدات في المنطقة»!!

وعندما كان أوباما يصحب نتنياهو في نهاية زيارته حتى باب سيارته أمام مدخل البيت الأبيض (زيادة في المجاملة أو النفاق) لم يكن ينقصه إلا أن يردد للوبي اليهودي الذي يراقب تصرفاته ما غنته أم كلثوم في أغنيتها السينمائية الشهيرة:

«أبوس القدم.. وأبدي الندم.. على غلطتي..!!»

انتهت الزيارة، وعاد نتنياهو منتصراً، وبقي أمام الإدارة الأميركية شهور من العمل الشاق بهدف أن يصفح اللوبي اليهودي ويرضى نتنياهو قبل موسم الانتخابات، وأن تستعد السلطة الفلسطينية لمفاوضات تعرف أنها لن تؤدي إلى شيء، وأن يستمر العرب في خداع أنفسهم بوهم أنه من الممكن أن يحصلوا على حق دون أن يملكوا القوة القادرة على انتزاعه !!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2178006

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178006 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40